تونس الخضراء قد حققت إنجازا تاريخيا، عبر اختيارها لرئيسها المستقل، الذي بدوره أحدث زلزالا انتخابيا، ولقن درسا سياسيا وأخلاقيا لكل المشككين فيه، وهو الذي تبنى شعارات الثورة، وجعل شعارَه شعارَ الشعب المتمثل في ”الشعب يريد“؛ فكان للشعب ما أراد لُـقـياه، وكان لقيس ما أسعدَ ليلاه.
بقلم عبد الكريم الفصال *
في زمانهم؛ في القرن الرابع عشر، وفي مقدمة تاريخية كبيرة، خرج مؤسس علم العمران البشري – ذاك العلم المستقل بنفسه – العلامة التونسي ابن خلدون قائلا : ”فإذا استولت على الأولين الأيام، وأباد غضراءَهم الهرم، فطبختهم الدولة، وأكل الدهر عليهم وشرب، بما أرهف النعيم من حدهم، واستقت غريزة الترف من مائهم، وبلغوا غايتهم من طبيعة التمدن الإنساني والتغلب السياسي“ (المقدمة، الفصل 22 ص 148).
كَـدُود القـز ينسج ثم يفـنى * بمركز نسجه في الانعكاس
وفي زماننا، في القرن الواحد والعشرون، وفي خرجة تاريخية، في عمارة صغيرة في شارع ابن خلدون؛ خرج الأستاذ الأكاديمي التونسي قيس سعيد في حملته الانتخابية قائلا : ”لست في حملة لبيع أوهام والتزامات لن أحققها، بل أنا ملتزم بما أقول وأعد به، عكس وعود الأحزاب التقليدية التي لم يكن حظ الشعب التونسي منها إلا كحظ المتنبي من وعود كافور الإخشيدي“.
ليكون بذلك أستاذ القانون الدولي قيس سعيد قاسيا وصارما حتى مع بعض المصطلحات كمصطلح “الوعود” و “التطبيع” التي لا محل لها في قاموسه، ولن يخون ويغالط بها الشعب التونسي، ذاك الشعب الطائر المتحرر الذي لن يقبل العودة إلى القفص من أجل الفتات.
فما كان من العصفور التونسي إلا أن خرج من غياهب الظلم والاستبداد واعتنق الحرية باحثا عن وطن سليم وعيش كريم؛ قاطفا بذلك في فصل الخريف ثمار ما زرعه في ثورة الربيع سنة 2011.
وبهذا تكون تونس الخضراء قد حققت إنجازا تاريخيا، عبر اختيارها لرئيسها المستقل، الذي بدوره أحدث زلزالا انتخابيا، ولقن درسا سياسيا وأخلاقيا لكل المشككين فيه، وهو الذي تبنى شعارات الثورة، وجعل شعارَه شعارَ الشعب المتمثل في ”الشعب يريد“؛ فكان للشعب ما أراد لُـقـياه، وكان لقيس ما أسعدَ ليلاه، ضاربين بذلك أبرز مثال على حجم وقوة النخبة التونسية في التفافها واتحادها على ما تريد ومن تريد؛ فضرَبَ الرجال بعصاهم الظلم فانفجر منه اثـنا عشر نورا، قد علم كل أناس رئيسهم، وهزت النساء إليهن بجذع الحرية فتساقطت عليهن رطبا جنيا.
وإذ قال قيس :
لـئن أكُ مستـقلا فالصدق حـزبـي * وما لوحـدة اسـتـقلالي من دواء
ولكن يـبـعد النـفاق والفساد عـني * كَـبُعـد الأرض عـن جـو السماء
الـتـطبـيع والوعــود بريـئـة مـني * كـبـراءة الـذئب مـن دم الأنبــياء.
فالخوف الخوف من أن يقول قائل : اقتلوا قيسا أو ألقوا سعيدا في غيابات السجن يَـمُتْ حزينا إن كنتم فاعلين.
* طالب باحث في سلك الدكتوراه بجامعة القاضي عياض – المغرب.
شارك رأيك