اختمت أمس الأحد 20 أكتوبر 2019 فعاليّات الدّورة التأسيسية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي بكامل الولايات وتحديدا بمراكز الفنون الدرامية والركحية التي تحتفي بإنتاجاتها وتستضيف إنتاجات مسرحية من فضاءات أخرى تقترحها على جمهورها تجسيدا لمبدأ اللّامركزية الثقافية التي يعمل هذا المهرجان على تحقيقها.
وقد كان لعشاق الفن الرابع بجندوبة والمعتمديات التابعة لها يوم الجمعة 18 أكتوبر 2019 موعدا مع فقرات مختلفة تنضوي كلها تحت عنوان كبير هو فن الفرجة: عروض مسرحية للكبار والكهول وعروض تنشيطية تجوب شوارع المدينة وورشات وتربصات في مختلف الاختصاصات…
ويعدّ افتتاح المهرجان الوطني للمسرح التونسي، حدث استعدّت له كل الأطراف الإدارية والإبداعية بالجهة وكان الجمهور في الموعد لمتابعة عرض “كرنفال الربيع” لمركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة حيث توزّعت مجموعة الفنانين الشبان بحركات بهلوانية ورقص على العصي لتعلن انطلاق فعاليات المهرجان الذي اعتبره الازهر الفرحاني (مدير المركز) إضافة كبرى للمشهد الثقافي بالمنطقة وأكد أن المهرجان علاوة على انفتاحه على كل الجهات فهو يكمّل مشروع مركز الفنون الدرامية الذي ما انفكّ منذ تأسيسه (قبل سنة) يعنى بالجانب التكويني والفكري والفني والإبداعي، وأضاف أن جندوبة ليست لها تقاليد عريقة في ممارسة الفعل المسرحي مقارنة بمناطق أخرى على غرار الكاف وقفصة ومع ذلك استطاع مركز الفنون الدرامية في هذه الفترة الوجيزة أن يخلق حوله قاعدة جماهيرية كبيرة من الشباب المتعطش للفن الرابع منذ بعث المهرجان الدولي للمسرح المحترف 4/4 وملتقى المختبرات الذي يعرض انتاج التربصات التكوينية ومختبرات التكوين المسرحي بجندوبة وأربع معتمديات أخرى.
وعن برنامج المهرجان الوطني للمسرح التونسي بجندوبة قال أنه حرص على وضع برمجة متنوعة تستقطب أنواع مختلفة من الجمهور.
تكريم الفنانة دليلة المفتاحي
في هذه الدورة التأسيسية اختار مركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة أن يكرم الفنانة المبدعة دليلة المفتاحي التي بدأت مشوارها الفني بالفرقة الجهوية القارة بجندوبة وقدمت عديد الأعمال القيمة وتوجت بجوائز في مهرجانات وطنية ودولية..دليلة مفتاحي ابنة الجهة قالت “التكريم في مسقط رأسي له طعم خاص لأنني بدأت من هنا، ومن هنا كبر شغفي بالمسرح وكبر حلمي بالمضي في عوالمه السحرية وشخصياته وكواليسه وتفاصيله… وتكريمي في هذا المهرجان الوطني للمسرح التونسي هو امتداد لتكريم حظيت به سنة 1981 من قبل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عندما تسلمت أول جائزة في أسبوع المسرح التونسي الذي تواصل على امتداد عقود… ذاكرة تزدحم بالأعمال المسرحية مع أسماء كثيرة، علاقة جميلة وعريقة تجمعني بهذا المكان وبهذا المهرجان”.
قبل هذا التكريم بادر الدكتور محمد مسعود إدريس بافتتاح المهرجان الوطني للمسرح التونسي بجندوبة بفضاء المركز بحضور مجموعة من الوجوه المسرحية ووليد المسعودي المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بجندوبة… وذكّر مدير المهرجان بأهداف التأسيس التي من أهمّها الاهتمام بتقديم الإبداعات المسرحية التي تزخر بها الجهات وإبراز إنتاجات مراكز الفنون الدرامية وتثمينها والسعي لتقديمها في شتى التظاهرات الثقافية… ثم هنّأ الممثلة والمخرجة دليلة المفتاحي على كل ما قدّمته من أعمال مسرحية على امتداد مسيرتها التي لا تزال متوهجة بالعطاء والتفاني والشغف برابع الفنون.
“شقائق النعمان” عمل كوريغرافي لثريا البوغانمي
ثلاث نساء في انتظار شيء ما، نظرات حائرة مترقبة متوترة، أجساد نافرة… يطول الانتظار ويبدأ الصراع، صراع مع الذات وصراع مع الآخر، تزداد الحركات توترا لتتحول إلى حالة عصبية…
يأخذنا العرض إلى تونس ما بعد الثورة، والشهداء الذين سقطوا ضحايا الإرهاب… انهنّ زوجات الشهداء يحكين بأجسادهنّ معاناتهن في بلد ضيّع بوصلته، تتجاذبهن مشاعر متداخلة، بين واجبهن كأمهات مناضلات يتوجب عليهنّ العمل والكفاح اليومي لإعالة الأسرة وواقعهن كأرامل حزينات، صراع مرير يحكيه الجسد بوجع وصخب وتوتر…
“شقائق النعمان” تلك الزهرة الرقيقة الحمراء المتوهجة رغم ضعف عودها وشفافية بتلاتها تظهر في أول الربيع معلنة عن بداية الحياة في الأرض وتقاوم كل العوامل الطبيعية لتستمر مزهرة إلى آخر الربيع، بهذه الزهرة أرادت ثريا البوغانمي أن ترمز للمرأة ودورها في الحياة ومنها إلى معنى أشمل هو الوطن الذي يحتاج منا الحب والكفاح والعمل ليستمرّ مزهرا وجميلا وقويا.
ثريا البوغانمي أستاذة مسرح متخرجة من المعهد العالي للفن المسرحي قدمت هذا العمل في افتتاح المهرجان بصحبة أمال العويني وخلود بيدة طالبتان بنفس المعهد وأبهرن الحضور بعرض قال فيه الجسد ما لم يقله النص حمل، معاني كثيرة وحكايات تصبب لها الجسد عرقا وتعبا ووضع إصبعا على مواطن كثيرة من الداء الذي ينخر البلاد من الداخل…
“عروسة البازار” لدليلة المفتاحي
في مساء اليوم الافتتاحي كان جمهور جندوبة على موعد مع عرض مسرحي حمل عنوان “عروسة البازار” أخرجته دليلة المفتاحي وقام بأدواره كل من ليلى رزقي وعبير الصميدي وطاهر رضواني.
في هذا العمل تلتقي شهرزاد الحاضر بشهريار الماضي، هو يبحث عن شهرزاد القديمة التي عرفها في الحكايات ورسم لها صورة في مخيلته، وهي تحكي له عن “شهرزادات” أخرى موجودات في الزمن الراهن أفضل من شهرزاد التي يبحث عنها… في الحياة نساء أخريات أجمل وأفضل من شهرزاد لا يعرفهن، شهرزاد القرن العشرين والواحد والعشرين منهن جميلة بوحيرد والعاملة التي تستيقظ فجرا لتحرث وتسقي الأرض… وأخريات ذكرهُنّ التاريخ وأغفل بعضهُنّ، صراع فكري بين رجل وامرأة، هو لا يقتنع وهي مصرّة على إقناعه… يطول الجدل ومرة أخرى تنتصر شهرزاد المرأة لتأسر شهريار لا في خيوط الحكايا وإنّما في حكايا الواقع..
شارك رأيك