لا تبدو عملية تشكيل الحكومة الجديدة بالأمر الهين وليس فقط بالنسبة لحركة النهضة الفائزة بالانتخابات التشريعية الأخيرة بل هي من باب تربيع الدائرة لأو تدوير المربع فيما أن الوضع العام في تونس لم يعد يحتمل مزيدا من عدم الاستقرار السياسي.
بقلم عبد الرزاق بالرجب *
لا طريق ممهدا أمام حركة النهضة لتشكيل الحكومة القادمة، فقد أنتجت الانتخابات التشريعية شعثا لا يمكن رتقه، والحركة بنوابها الاثنين و الخمسين بعيدة جدا عن الأغلبية التي تخول لها تشكيل الحكومة. أما وصيفها قلب تونس فقد صرح بعض قيادات الحركة الاسلامية أنه لا مجال للتحالف معه ناعتين إياه بحزب الفساد. أما الثالث في الترتيب وهو الحزب الدستوري الحر فقد قام على تبخيس المرحلة الجديدة بكل ما فيها و من فيها. من تبقى إذن لحركة النهضة كي تتحالف معه ؟
التيار الديمقراطي وعلى لسان أمينه العام محمد عبو وضع شروطا تتضمن تشكيكا واضحا في نزاهة النهضة إذا لم نقل تخوينا إذ اشترط وزارة الداخلية أقوى جهاز تنفيذي و كذلك وزارة العدل. أضف إلى ذلك استقلال رئيس الحكومة عن النهضة، وهي شروط تجرد الحركة من منافع المرتبة الأولى و تضعها تحت رحمة التيار. وفي الحقيقة أعتقد أنها من قبيل المزايدة إذ يبدو أن عبو استفاد من الطابع العقابي للانتخابات الحالية فاختار مكانا مريحا في المعارضة و عيناه على الانتخابات القادمة.
إئتلاف الكرامة الذي انبثق من العدم و فاجأ الجميع مستعد للتحالف مع النهضة و لكن النهضة تعرف مزالق التحالف مع هذا الحزب فهو لا يخفي ميولاته السلفية
ويعرف الجميع أنه لفيف من الغاضبين من النهضة لتنازلاتها السابقة لمصلحة التوافق والوحدة الوطنية كالاحتفاظ بالبند الأول من الدستور وتمرير المرسوم 15 الذي يلغي الولاية الحصرية للأب على أسرته.
في الحقيقة، استعداد ائتلاف الكرامة للدخول في الحكومة يعكس رغبته الملحة للوصول إلى منافذ القرار وهو الأمر الذي لا أعتقد أنه يخفى على النهضة و لا على المحيطين بها.
حركة الشعب المنضمة حديثا إلى نادي الكبار لا أعتقد أن الحكم مع النهضة يناسبها لتباعد وجهات النظر في المسائل الخارجية أساسا فالمواقف متناقضة بخصوص ليبيا و سوريا وارتباطات النهضة بتركيا و قطر و بالدول الداعمة للإسلام السياسي عموما.
حركة تحيا تونس تبدو حليفا محتملا و قد سبق لهما الحكم سويا و لكن بنوابها الثلاثة عشر لا يمكنها توفر الحد الكافي حتى لنواة صلبة تجمع باقي الأحزاب
و القوائم المستقلة أضف إلى أنها قد تضررت أيما ضرر من النزعة العقابية للانتخابات الحالية وقد لا ترى لها أية مصلحة من التحالف من جديد مع الإسلاميين.
لم يبق إذن للنهضة و الحال هذه إلا تفويض الأمر لرئيس الجمهورية قيس سعيد صاحب الشعبية المطلقة (إذ صوت له أكثر من 27 في المائم من الناخبين)، لكن سيادة الرئيس الذي يخيم عليه “صمت القصور” لم يبعث بعد برسائل طمأنة لأي كان من فواعل المشهد السياسي بل إن صمته قد يبعث القلق في جل الأحزاب السياسية خاصة وأنه يبشر بديمقراطية مباشرة لا دور للأحزاب فيها بل للأفراد تنطلق من القاعدة إلى القمة الأمر الذي لا يهدد النهضة وحدها بل يهدد كل الأحزاب بشكلها التقليدي. و للحديث بقية…
* كاتب و باحث في الحضارة.
شارك رأيك