النهضة تعرف ان إعادة الانتخابات التشريعية لن يكون في صالحها، ففوزها بالمرتبة الأولى كان صدمة العديد من الناس و خاصة لهؤلاء الذين لم ينتخبوا و النهضة متأكدة من أن المشاركة في الانتخابات في حال تم إعادتها ستكون مرتفعة و أكثر من سبقتها و هذا بكل تأكيد لن يكون في صالحها، كما ان الناخبين لن يرتكبوا نفس الخطأ و يشتتوا اصواتهم بين قائمات لم تتحصل على شيء بل سينتخبون بذكاء لقطع الطريق على النهضة.
بقلم نضال بالشريفة *
منذ الإعلان عن نتائج انتخابات 6 أكتوبر التشريعية و التي حصلت فيها النهضة على الأكثرية دون حصولها على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة بمفردها بدأت هذه الأخيرة في ماراتون تشكيل حكومة تقودها هي. لكن سرعان ما اصطدمت بجدار رفض من قبل الأحزاب الأخرى للمشاركة في حكومة النهضة، و اختلف درجة علو الجدار من حزب إلى اخر، ففي حين قال الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي انه غير معني بالمشاركة في حكومة تشكلها النهضة او “الإخوانجية” و كذلك قلب تونس الذي قامت النهضة نفسها بإقصائه من مشاورات تشكيل الحكومة فإن أحزاب أخرى أعلنت في البداية انها في المعارضة ثم تراجعت لتقول انها منفتحة أمام خيار المشاركة واضعين شروط معينة و اذكر هنا التيار الديمقراطي بقيادة الأستاذ محمد عبو و حركة الشعب بقيادة النائب زهير المغزاري.
أي شكل لحكومة تشكلها النهضة ؟
لكن على ما يبدو فإن النهضة لم تكن متحمسة للاستجابة لهذه الشروط التي اعتبرها الكثيرون تعجيزية خاصة شرطي التيار في الحصول على وزارتي الداخلية و العدل و اللذين يعتبران حراس المعبد بالنسبة للنهضة، كذلك شرط حركة الشعب في تكوين حكومة تترأسها شخصية مستقلة تم رفضه سريعا من قبل مجلس شورى النهضة الذي أعلن ان الحزب سيكلّف رئيس حكومة من بين أعضائه.
إذا تجد النهضة نفسها في مهمة تشكيل الحكومة و هي غير قادرة على هذا، فالاثنان و خمسون مقعدا الذين تحصلت عليهم النهضة يجعلها في مقدمة الأحزاب بالتالي لها أولوية تشكيل الحكومة وفق الدستور، لكنها تبقى بعيدة جدا عن بلوغ أغلبية النصف اي مائة و تسع أصوات وحتى أن أضفنا إليها اذنابها من إئتلاف الكرامة ( 21 مقعدا) و حزب الرحمة (4 مقاعد) تصبح 77 و حتى و ان أضفنا اليهم النواب المستقلين ال10 فإنها تصبح 87 بإمكانها ان تفوز بدعم 4 نواب آخرين من الاحزاب الصغرى بالتالي لها اكثرية ب 91و هذا يبقى غير كاف للوصول لاغلبية النصف، حيث ينقصها هنا 18 نائبا، و حتى و ان تمكنت من الحصول عليهم (من بعض نواب الأحزاب الاخرى) فإنها ستكون حكومة أقلية هشة و غير مستقرة بالامكان إسقاط ها من خلال لائحة لوم،و بالتالي فإن افضل سيناريو للنهضة هو تشكيل حكومة خماسية مكونة منها هي و التيار الديمقراطي و إئتلاف الكرامة و حركة الشعب و تحيا تونس، حكومة مدعومة من 124 نائبا لديها حد أدنى من الاستقرار السياسي، بالرغم من الاختلاف الكبير بين الأحزاب المشكلة لها في العديد من القضايا.
من أساليب الضغط التي تعتمدها النهضة الان على التيار الديمقراطي و حركة الشعب لجبرهما على الدخول معها في حكومة كانت التلويح بتنظيم بإنتخابات مبكرة، و الغاية من هذا التهديد هو تخويف هاذين الحزب من فقدان المقاعد التي تحصلا عليها في الانتخابات الأخيرة، لكن هل صحيح أن التيار الديمقراطي و حركة الشعب سيتضرران من انتخابات مبكرة؟ شخصيا اعتقد ان العكس هو الصحيح، اي أنهما سيستفيدان، أو على الأقل التيار الديمقراطي و بإمكاني ان اضيف الحزب الدستوري الحرالذي سيكون اكبر المستفيدين من انتخابات سابقة لأوانها.
التيار الديمقراطي : مجمع الشباب و اليساريين و النقابيين
بدأ التيار حياته سنة 2013 كحزب منشق عن المؤتمر بعد خلافات طويلة مع قيادة ذلك الحزب المتمثلة فيالمنصف المرزوقي و عماد الدايمي و سمير بن عمر و عبد الرؤوف العيادي و غيرهم. دخل انتخابات 2014 و فاز فيها ب3 مقاعد كانت من بين الفئزين بها النائبة سامية عبو.
لمع نواب التيار و خاصة سامية عبو خلال الخمس سنوات الماضية في المجلس بتصريحاتهم النارية خاصة ضد الفساد و ضد التعتيم عن الثروات، صحيح ان الكثيرين يعتبرون هذه الخطب شعبوية و انها السبب في صعود حركات متطرفة كاتلاف الكرامة، لكنها خطب جلبت انتباه و مساندة الكثيرين، لكن بقيت معضلة أمام تطور الحزب تتمثل في وصمه دوما إلى أنه من مشتقات النهضة! و لتحطيم أسس هذا الادعاء اتخذ التيار عدة خطوات و مواقف كان أولها اعلان دعمه لمشروع قانون المساواة في الارث بين الرجل والمرأة و قد وجد نفسه أثر هذا في حملة تشويه و تكفير كبيرة شنتها ضده حركة النهضة و صفحاتها الفايسبوكية و أئمتها.
هذه الحملة و الموقف من المساواة إضافة لمواقف أخرى مثل الموقف من قانون المصالحة و مساندة الاتحاد العام التونسي للشغل أثناء الإضراب العام إضافة لعوامل خارجية أبرزها انقسام الجبهة الشعبية وتفتت اليسار التقليدي، كلها عوامل جعلت التيار يتحول إلى الوجهة المفضلة للشباب التقدمي الثوري و لليساريين و للنقابيين ايضا. هذا الإئتلاف الانتخابي سمح للتيار بالفوز بالمرتبة الثالثة من حيث عدد النواب (22) و المرتبة الرابعة من حيث التصويت الشعبي.
الان التيار أمام اختبار كبير، رفضه للتحالف مع النهضة و رفض الدخول معها في الحكومة سيجعله ينتزع نهائيا جبة النهضة و سيرسخ ثقة قاعدته الانتخابية فيه بل ربما سيوسع فيها حيث اتوقع ان ينتخبه عدد من الناخبين الذين انتخبوا تنظيمات يسارية او شبابية أخرى و لم تتحصل على شيء أو تحصلت على عدد صغير من المقاعد مثل الجبهتين و الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي و أمل و عمل الخ… و بإمكانه حتى أن يدخل في ائتلاف مع هذه الأطراف و يوسع من قاعدته الانتخابية بشكل اكبر و يبدأ في توحيد العائلة اليسارية على أسس صحيحة.
المهم حسب رأيي هي أن التيار في وضع مريح اليوم و ليس عليه أن يخشى من إعادة الانتخابات.
الحزب الدستوري الحر : قلعة الوسطيين الرافضين للإسلام السياسي
نمر الان للحزب الثاني الذي اتوقع ان يكون من أكبر المستفيدين و هنا اتحدث عن الحزب الدستوري الحر، هذا الحزب بنى حملته الانتخابية بشكل اساسي على مناهضة الإسلام السياسي و تنظيم الإخوان رافضا اي تحالف معه، طبعا الي جانب تقديم برنامج اقتصادي و اجتماعي لم يقع الترويج له بشكل جيّد و ناجع، تمكن الحزب من احتلال المرتبة الثالثة على المستوى التصويت الشعبي و الخامسة على مستوى التمثيلية البرلمانية ب17 نائبا، هذا بالرغم من الصعوبات التي واجهها الدستوري الحر في هذه الانتخابات من بينها الصعوبات المادية و أهم هذه الصعوبات يبقى “الفوت أوتيل” (التصويت المفيد) الذي تم تفعيله لفائدة قلب تونس بدون فائدة) إضافة لتشتت الأصوات بين عديد القائمات التي تنتمي لنفس العائلة السياسية التي ينتمي إليها الدستوري الحر.
النتائج المشجعة التي تحصل عليها الدستوري الحر و الموقف المبدئي الذي اتخذه المتمثل في رفض التحالف مع النهضة حتى بعد الإعلان عن النتائج و ستجعل حسابات الحداثيين و البورڨيبيين المناهضين للإسلاميين تتغير و تجعل الحزب الدستوري الحر الوجهة الأولى لهذه الفئة من الناخبين.
كما بإمكان الدستوري ان يوسع من قاعدته الانتخابية و يتوجه نحو ناخبين جدد الذين يتمثل الهاجس الإقتصادي دافعهم الأول، و أمام الدستوري فرصة كبيرة في البرلمان لإبراز برنامجه و تقديم مقترحاته الاقتصادية و الأمنية و الدفاع عنها و بالتالي من الخروج من الصورة النمطية التي لصقت على الحزب و خاصة على رئيسته عبير موسي اي تلك التي لا هم لها إلا ضرب الإسلاميين، و قد أعلنت ان كتلة الحزب ستطالب بلجنة برلمانية للتدقيق المعمق و السريع في القروض و الهبات التي تحصلت عليها تونس منذ 2011 كما أعلنت انها ستتقدم بمبادرة تشريعية لتعديل القانون الانتخابي و منع السياحة الحزبية. إن تم هذا فعلا و ان واصلت على هذا المنهج فأعتقد ان الدستوري بإمكانه ان يوسع من جاذبيته بشكل كبير و يصل إلى ناخبين لم يكن معنى بهم.
خلاصة الحديث ان النهضة تعرف ان إعادة الانتخابات لن يكون في صالحها، ففوزها بالمرتبة الأولى كان صدمة العديد من الناس و خاصة لهؤلاء الذين لم ينتخبوا و النهضة متأكدة من أن المشاركة في الانتخابات في حال تم إعادتها ستكون مرتفعة و أكثر من سبقتها و هذا بكل تأكيد لن يكون في صالحها، كما ان الناخبين لن يركبوا نفس الخطأ و يشتتوا اصواتهم بين قائمات لم تتحصل على شيء بل سينتخبون بذكاء لقطع الطريق على النهضة.
* طالب سنة اولى ماجستار قانون انقلو-امريكي بكلية العلوم القانونية بتونس.
شارك رأيك