الشباب العربي يسطّر اليوم ملحمة جديدة في الحياة، قوامها العدل والحرية والعيش بكرامة، فلا أحزاب ولا محاصصة طائفيّة ولا السياسيّة، هي انتفاضةٌ على الساحة السياسية برمتها، وتغييرٌ لوجه الحياة اليومية، يقودها الشباب الذي هم عماد الأمة وقوتها الحقيقية، بعيدا عن أي تشرذم سياسي قديم، وعن أي مصالح ضيّقة، فالانتماء للوطن يعني خدمته والعيش فيه بكرامة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
انتفض الشباب العربي لأنه ملّ من المحاصصة الحزبية والطائفية، فلم تعد تغريه الشخصيات السياسية بكافة أوجهها ولا الأحزاب المتنوعة والشعارات التي ترفعها، ولم تعد تهمّه المحاصصة في الحكومات كما يفعل السياسيّون اليوم عند تشكيلها، حزب فلان يحصل على وزارات كذا وكذا وحزب فلان يشترط أن يحصل على وزارات كذا وكذا، وتبدأ المعارك السياسية على الكراسي، ويبقى الشعب يعاني من مشاكل اقتصادية تتراكم يومًا بعد يوم، ولم تحقق الطبقات السياسية بكافة أنواعها ما تريده الشعوب لذلك هي تنادي بإسقاطها، وتطالب برحيلها مهما قدمت من مبادرات متأخّرة يراها الشارع ولم يقبلها ولم يشفع لها بل يصرّ على مطالبه بكل قوة وعزم وحزم، ولم يعد يخاف أن يقول ذلك صراحة ويقابل الدبابة والرشّاش والبندقيّة والمسدّس بصدر عار، ولم يعد يهمّه إن مات أو قُتل لأنه سئم الحياة ومشاكلها، فخيّر النضال على السكوت والشعور بالقهر والظلم من أجل تحسين ظروفه المادية.
حالة الوعي المتقدم لدى الشباب العربي
والملاحظ في الانتفاضات الشبابية أنها تحمل الأعلام الوطنيّة للدولة، فلا أعلام حزبيّة ولا أعلام طائفيّة ولا أعلام جانبيّة مما يفسر حالة الوعي المتقدم لدى هؤلاء الشباب العربي، والانتماء الحقيقي للوطن الأمّ، فلا مجال للمساومة على الوطن، بل أصبح الشباب العربي وطنيا أكثر من السياسيين أنفسهم الذين يتشدقون بالوطنيّة في المحافل المحلية والإقليمية والعالمية وهم يسرقون الشعب والوطن، ويخطفون أحلام الشباب ويتاجرون بعواطفهم وتضامنهم، ويحصلون على مصالحهم الخاصة ويدوسون على كرامة الشباب ويهينونهم عندما لا يبالون بمطالبهم ويستهينون بقدراتهم العلمية ويرفضون تشغيلهم في مناصب عليا، ويرفضون إشراكهم في الحياة السياسية، وهو أحد أهم أسباب الانتفاضات التي تحصل في البلدان العربية، وعندما يفقه السياسيّون هذه الحقيقة يدركون معنى تمرّد الشباب الذين تعلموا ويريدون أن يعيشوا حياة هانئة في مجتمعهم يخدمون أوطانهم بعيدا عن أي تجاذبات سياسية يرونها اليوم مقرفة ومضيعة للوقت.
الشباب العربي يسطّر ملحمة جديدة من السياسة
وإذا أحسنا التعبير فإننا نستطيع أن نقول إن الشباب العربي يسطّر اليوم ملحمة جديدة من السياسة، قوامها العدل والحرية والعيش بكرامة، فلا أحزاب ولا طائفيّة ولا محاصصة في الحياة السياسيّة، هي انتفاضةٌ على الحياة السياسية برمتها، وتغييرٌ لوجه الحياة اليومية، يقودها الشباب الذي هم عماد الأمة وقوتها الحقيقية، بعيدا عن أي تشرذم سياسي قديم، وعن أي مصالح ضيّقة، فالانتماء للوطن يعني خدمته والعيش فيه بكرامة.
هذه هي فلسفة الشباب اليوم، يريد أن يعيشها واقعا يلمسها ويتذوقها دون أن تُفرض عليه من الخارج، ويريد في الوقت نفسه محاسبة من ظلمهم واستغلّهم، وسرق ثرواتهم، ومنعهم من الاستمتاع بخيرات بلدهم، ويريد في النهاية أن يحصل على وظيفة مرموقة وزوجة صالحة وأسرة متماسكة ومسكن ملائم، فإذا وفّرت له الدولة كل ذلك فلن يطالبها بالديمقراطية ولن يطالبها بالرحيل لأنه في الحقيقة يرى أنه إذا حصل على ذلك فإن ذلك عين الديمقراطية لدى شباب اليوم.
ولذلك لا نستغرب ما حصل في تونس من حالة وعي كبير لدى الشباب بعد الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية، بدأ يفتق مواهبه، ويظهر قدراته، وأصبح قادرا على صنع الوطن بنفسه، وإحداث ثورة من الداخل بإمكاناته البشرية دون انتظار المساعدات الخارجية ودون الاعتماد على الدول الكبرى أو صندوق النقد الدولي، أو غيره من المنظمات التي تسرق الشعوبَ حرياتها وثرواتها، فلدى الشباب قدرات عالية ومبادرات كبيرة نوعيّة بحكم أن هذا العهد عهدهم وأن العصر عصرهم، فلابد من إشراكهم في الحياة السياسية ومشاورتهم في المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، نستمع إليهم وننصت إلى آرائهم، ونستمتع بوجودهم، لأنهم طرف أساسي في صنع السياسيات وبالتالي يقل تمرّدهم على الدولة لانهم يتحملون المسؤولية مباشرة فيضعف توهّجهم الانتفاضي تدريجيا لأنهم سيشعرون أنهم السبب في ذلك ولم ينجحوا في نظم سياسات جديدة للبلاد.
العصر الذي نعيشه ليس عصر الأحزاب السياسية
عندما ندرك هذه الحقيقة، سنرى تغيّرا واضحا في البلدان العربية، ولن نشهد انتفاضات من الشباب، وحينما نفهم أن العصر الذي نعيشه ليس عصر الأحزاب السياسية ولا المحاصصة الطائفية ولا الانتماءات الشخصية والولاءات البشرية، نفهم أن الوطن هو الأمّ وأن الشعب هو الهدف وندرك الحرية التي ينشدها الشباب اليوم، وحينما نترك مصالحنا الضيقة جانبا ولا نسرق أوطاننا من الداخل ولا نعين الخارج على نهب ثرواتنا نفهم شبابنا الذي يبتغي العدل والمساواة وينشد الحرية والكرامة ويود الحصول على النعيم في بلاده ليخدمه بكل وطنية وانتماء وولاء فهل فهم السياسيون الدرس؟ أم أنهم مازالوا يعيشون في بروجهم المشيدة حتى يأتهم الطوفان؟
* صحافي ومحلل سياسي.
شارك رأيك