يرى عدد كبير من التونسيين أن الاتحاد العام التونسي للشغل أصبح عائقا أمام التقدم الحقيقي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، ومن ثمة ينبغي إعادة النظر في دوره في حياتنا العامة ، والقضاء على منظومة النقابة الواحدة مثلما وقع القضاء من قبل على منظومة الحزب الواحد.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
اختنق الاتحاد العام التونسي للشغل بعد فوز السيد قيس سعيّد برئاسة الجمهورية التونسية، لأنه صرح قبل الانتخابات، وفي وقت كان التونسيون يروّجون لشخصية قيس سعيد في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أنه لا يمكن أن يسلّم تونس لرجل مثله.
هذا التصريح خطير من الناحيتين القانونية والسياسية، وقد يعتبره البعض استهلاكًا إعلاميًّا لا يضرّ العملية السياسية برمّتها في تونس، لكن المتأمل في تصريحات السيد نور الدين الطبوبي يدرك مدى خطورة هذا التصريح في وقت كانت تونس تشهد مخاضا ديمقراطيا أفرز ولادة شعب واع ومثقف ومدرك لما يقول ويفعل، كما أفرز دولة تونسية جديدة يقودها الشباب الذي أبى إلا أن يغير الخريطة السياسية في تونس واستطاع أن يقلب كل الرؤى والاستطلاعات والتخمينات الافتراضية.
الأحزاب السياسية لم تعد لها قيمة في المجتمع لأنها لم تقدم له إلا الفوضى
لقد توهّم السياسيون المعادون لخط الثورة الحقيقي، أن الشعب التونسي يُقاد ولا يقود، وقد تبين للجميع أن الشعب التونسي سياسيّ بامتياز ومن الطراز الرفيع ويدرك ما يقول، وأقسم على نفسه أن عهد البائد لن يعود، وعهد الدكتاتورية لن يسوس، واليوم وبعد فوز السيد قيس سعيّد في انتخابات الرئاسة أعلن الشعب التونسي بكل أطيافه أن الأحزاب السياسية لم تعد لها قيمة في المجتمع، لأنها لم تقدم شيئا للشعب التونسي، ولم تسع يوم منذ تسع سنوات إلى إصلاح ما ينبغي إصلاحه، ولم تستطع إقناع الشعب التونسي بما تقوم به لأنها في نظره تقول ما لا تفعل، بدءا من حركة النهضة إلى كل الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة ومنذ 2011م والتي بلغت حسب الإحصائيات أكثر من مائتي حزب.
لكن الذي حدث فعلا أن السفينة جرت بما لا يشتهي الطبوبي واليعقوبي وغيرهما من أسود الاتحاد، الذين يعملون على إفشال الانتقال الديمقراطي في تونس، وما إن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على فوز السيد قيس سعيّد برئاسة الجمهورية التونسية حتى أعلن الحرب وبدأ مشاوراته مع النقابات لتحريك الشارع التونسي وتخطيط ما يسمى بالإضرابات من أجل تحسين ظروف العمّال، ونسي الطبوبي أن الرجل قد أقسم على كتاب الله أنه سيكون أمينا، وأنه سيحفظ حقوق الناس، وأنه سيحارب المفسدين ويقطع دابرهم، وأنه سيرجع للدولة هيبتها وثرواتها ومجدها، وسيدافع عن العمال رجالا كانوا أو نساءا، وسيحفظ حقوق المرأة، ولن يتوانى في حفظ الأمن وإرساء الديمقراطية وحفظ الحريات، وبالتالي لا مجال للطبوبي وغيره أن يستنفر جماعاته ويروّج لأفكاره المسمومة لأن الشعب التونسي له بالمرصاد، فهو يتابع اليوم بدقّة ما يفعله الاتحاد العام التونسي للشغل وسيبطل مفعول مخططاته التخريبية.
الوقوف صفّا واحدا أمام أية خروقات من شأنها زعزعة الاستقرار في البلاد
بدأت مبادرات قوية من الشعب بكل أطيافه، يقودها الشباب التونسي بكل فئاته، شملت جميع المجالات، بداية من النظافة عنوان الرقي والتقدم في البلدان إلى اقتراح حلول جذرية للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، إلى مطالبات مباشرة لرئيس الجمهورية بالنظر إلى بعض الملفات حسب الأولويات، إلى مطالبة الشعب التونسي بالوقوف مع السيد رئيس الجمهورية ومساندته في عمله، والوقوف صفّا واحدا وجدارا منيعا في وجه الاتحاد العام التونسي للشغل لأي خروقات أو اختراقات قد تصدر عنه من شأنها زعزعة الاستقرار في البلاد.
يرى عدد كبير من التونسيين أن المنظمة العمالية أصبحت عائقا أمام التقدم الحقيقي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ومن ثمة ينبغي إعادة النظر في دورها في الحياة العامة في تونس، والقضاء على منظومة النقابة الواحدة مثلما وقع القضاء على منظومة الحزب الواحد من أجل تكريس التعددية النقابية وإحداث نقابات بكل قطاع يمكنها الدفاع عن الطبقة العاملة بكل حرية، وتطالب الدولة بما تريده من حقوق مشروعة، ولم يعد هناك مجال اليوم للاستقواء على الدولة التي ستستعيد عملها فعليا بعد تشكيل الحكومة التي تشكو من ولادة عسيرة ربما تكون قوية بما يكفي للجم الاتحاد العام التونسي للشغل.
* صحافي ومحلل سياسي.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك