كان أمس الأربعاء 30 أكتوبر 2019 الموعد مع اختتام فعاليات المهرجان الوطني للمسرح التونسي في دورته الاولى بسوسة وقد انطلق المهرجان يوم 26 اكتوبر الجاري.
وتمّ في اليوم الختامي تعيين سمير السايح رسميّا مديرا لمركز الفنون الدرامية والركحية بسوسة وقال السايح في كلمة له “المهرجان الوطني للمسرح التونسي هو تظاهرة مرجعية وتأسيسية في نفس الوقت… مرجعية لأنها تعود بالذاكرة إلى أسبوع المسرح التونسي وخطاب الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، تعود بنا للأعمال التي أنتجتها الفرق القارة بالجهات قبل مجيء أيام قرطاج المسرحية التي أفقدت أسبوع المسرح بريقه تدريجيّا… وتأسيسي من حيث انطلاقته من ولاية الكاف ورمزيتها في بعث حركة مسرحية نشيطة كسيل امتدّ ليغمر كل الجهات، ليحدث هذا المهرجان بدوره حركية ثقافية هامة يبدو أنها أعادت لأسبوع المسرح بريقه القديم من خلال هذه الدورة التأسيسية التي ستكون أكثر اشعاعا وتوهجا وجاهزية في الدورات القادمة…”
وركّز السايح في كلمته خاصة على الجيل الجديد من الجمهور الذي يعيش على إيقاع الدورة الأولى للمهرجان مكتشفا ومبهورا، وهي انفعالات وتفاعلات سيبني عليها ثقافته ورؤيته بما أن الفعل المسرحي فعل بناء يهذّب الذوق ويثقّف ويفتح آفاقا أخرى للحلم بعالم أفضل.
وأضاف متحدثا عن مركز الفنون الدرامية والركحية بسوسة الذي ما يزال بصدد استكمال أشغاله: ” هذا المركز لا يعني سوسة المدينة هو مركز الولاية كلها… “وهو ككل المراكز التي أحدثت مؤخرا لا بد لها أن تلتحق بركب المراكز التي سبقتها تكوينا وتأطيرا وإنتاجا، وهي ليست مسألة صعبة، مع إمكانية تشابك العلاقات بين المراكز وتبادل الخبرات والأعمال واختيار الأشخاص الفاعلين في المجال المسرحي والثقافي ككل… تتميز المراكز بالجانب التكويني، هناك مجموعة من المبدعين من الجيل المخضرم لا بد من الاستفادة من خبراتهم في تأطير جيل مسرحي جديد بروح مغايرة وأسس صحيحة ورؤى حداثية”
كما تحدث سمير السايح عن موقع مركز الفنون بــ”السويس” وأهمية وجوده في حي شعبي لاستقطاب أطفال ويافعين وشباب وحمايتهم من الأخطار التي يمكن أن تهدد حياتهم ومستقبلهم (العنف، الانحراف، الإرهاب، الانقطاع المبكر عن الدراسة… وغيرها) من خلال الورشات التقنية والتربصات التكوينية وأنشطة أخرى تحولهم من مجرد جمهور متابع إلى عناصر فاعلة في العملية الإبداعية…
“مراكز الفنون الدرامية والركحية بالجهات” موضوع مائدة مستديرة
وانطلق يوم السبت 26 أكتوبر المهرجان الوطني للمسرح التونسي بسوسة معلنا عن جملة من الفقرات التي توزعت بين الورشات مختلفة التقنيات والعروض المسرحية الهاوية والمحترفة… واختتم فعالياته أمس الأربعاء 30 أكتوبر بمائدة مستديرة انطلقت أشغالها في العاشرة صباحا بالمركز الثقافي محمد معروف لتبحث في موضوع “مراكز الفنون الدرامية والركحية بالجهات” افتتحها السيد الشاذلي عزابو المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بسوسة بكلمة ترحيبية ومثمنا الدور الذي تلعبه مراكز الفنون المنتشرة بكامل ولايات الجمهورية في نشر ثقافة الوعي والبناء.
المائدة المستديرة أدارها الأستاذ سامي النصري المنسق العام للمهرجان الوطني للمسرح التونسي وحضرها مجموعة من مديري مراكز الفنون بالجهات المجاورة…
استهل الأستاذ سامي النصري مداخلته ” بأن المهرجان يمثل تاريخ المسرح التونسي ليس حاضرا وراهنا بل هو يمتد إلى أوائل السبعينات زمن بعث أسبوع المسرح التونسي الذي بُني على نشاط الفرق الجهوية القارة…هذه الدورة انطلقت من الكاف واستمرت بكامل الولايات لتصل إلى سوسة بعراقتها في مستوى الحضور في المشهد المسرحي وبالذاكرة بشكل عام”
وأضاف أن مراكز الفنون مشروع يعود بنا إلى الهيكلة والتاريخ التأسيسي الأول وتكوين الجمعيات المسرحية التي أعطت لمحة عن خصوصية التجربة التونسية في المجال المسرحي، هذا الفن الذي يعطي رؤية بوعي جماعي… وقدم في الاثناء لمحة تاريخية عن بداية المسرح من خلال فرق لم تكن لها هيكلية واضحة وبداية المسرح الخاص في التسعينات وتفرعه لتأسيس مراكز الفنون… كل هذا مهّد لتطوّر الهيكلة المسرحية فيما بعد… وأضاف “الآن ندخل مرحلة جديدة بوجود رغبة سياسية لإعطاء المسرح المكانة التي يستحقها، ونحن في الطريق لاكتشاف هذه اللحظة بإحداث المؤسسة الوطنية لمراكز الفنون التي ستعنى بهيكلتها هذه المؤسسة ستكون فاتحة أولى لهذا المشروع وسيكون لها دور أساسي في اقتراح السياسات الثقافية الخاصة بالجهات من حيث ابرام العقود وتمتين علاقة المراكز بجهاتها ووضوح في مستوى أرضية التكوين بشكل عام كما ستكون لها شبكة توزيع خاصة بها وهذه مسألة مهمة لأنها ستسمح بأرضية هامة للإنتاج المسرحي، كما أن المؤسسة تساهم في تطوير علاقة المسرح بالجمهور وتدعم الأعمال المسرحية في الخارج من خلال التعاون الدولي والحضور في المهرجانات… وامتيازات أخرى عديدة ستعمل هذه المؤسسة على تحقيقها لتحسين مردودية مراكز الفنون وضمان استمراريتها.
وواصل النصري مداخلته متعرضا لتساؤلات المثقف حول مستوى الممارسة المسرحية واشكالية البرامج والمخططات… موضحا ” نحن نواجه أزمات اجتماعية عديدة كالعنف والإرهاب… والمسرح يمكن أن يتصدى لهذه الأزمات ويواجه الأفكار الهدامة، هنا تكمن أهمية المشروع وحاجة الجهات لمراكز الفنون” وأكد على وجود مراكز نجحت بامتياز في إعطاء رؤية ناجحة في سؤالها حول خصوصية جهاتها…”
النقاش الذي دار إثر مداخلة الأستاذ سامي النصري تناول عديد المسائل من أهمها الوضعية القانونية لمراكز الفنون والإمكانيات المرصودة لها والهيكلة القانونية كما تحدث البعض عن غياب المتابعة بما تعنيه من توثيق لأعمال سابقة تمكّن من تقييم تجارب الفرق القارة ولما لا تدريسها لبناء حاضر مسرحي يستأنس بتاريخه وعراقته ويطمح للتحليق خارج إطاره المكاني… من المسائل التي طرحت بشدة خلال تفاعل الحضور مسألة التكوين الذي صار مطلبا ملحا للنهوض بمستوى الفاعلين في الحقل المسرحي… والتفكير في التجديد كمسألة حيوية وأهمية قانون 1986 الذي اعترف بالمهن الفنية وغيرها من الإشكاليات التي تهم المبدع ويحتاجها المسرح كثقافة تعمل على الخصوصية والنوعية وليست ثقافة حشود كما يعتقد البعض.
عصر يوم اختتام المهرجان الوطني للمسرح التونسي بسوسة 30 أكتوبر 2019 انتظم بالمركز الثقافي محمد معروف حفل لتكريم مجموعة من الوجوه المسرحية بالجهة للدور الذي لعبته في تعزيز المشهد المسرحي كتابة وإخراجا وتمثيلا… كان على رأسهم الراحل رضا دريرة الذي غادر الساحة الثقافية سنة 2015 تاركا مسيرة حافلة بالأعمال في سوسة وتونس العاصمة توجت بعديد الجوائز في مختلف المحافل الثقافية الوطنية والعربية ومجموعة قصصية بعنوان “إشارات البشرية” ستعمل المندوبية على إصدارها في قادم الأيام.
من المكرمين أيضا رضا بوقديدة وكمال العلاوي ولطفي بن صالح وطارق الزرقاطي والحبيب الزرافي وعلي عزوز وسالم باللطيفة ومحمد الجلاصي وبوراوي الوحيشي وعبد المجيد جمعة والصادق عمار.
“الجمل يهدر” عمل مسرحي من نوع الحكواتي
من إنتاج “تيريزي 13” كان عرض اختتام المهرجان الوطني للمسرح التونسي بسوسة حاملا عنوان “الجمل يهدر” وهو عمل مسرحي غنائي من نوع الحكواتي أو “القوال” كما يسميه المخرج وكاتب النص إبراهيم زروق.
“الجمل يهدر” يحكي عن جمل يبحث في ماهية الأشياء يتجول في الأرض سائلا عن أسرار الكون وخصوصية المكان الذي يعيش فيه… يسأل ويتنقل، سؤال يفضيه إلى شخص وشخص يقوده لمكان مختلف… حكايات وأشخاص تتداخل وتتشابك لتصنع تفاصيل الحكاية، يتعرف الجمل على ناقة ويقع في هواها وعندما يتقدم لخطبتها يخضعه والدها لعدة اختبارات… رحلة يكتشف خلالها الجمهور جانبا من الموروث الغنائي الشعبي من جنوب البلاد إلى شمالها مع التعريج على خصوصية بعض المناطق سواء من حيث العادات والتقاليد أو المناخ… عمل حافل بالحركة والرقص الفلكلوري والموسيقى الحية التي تعزف على الركح…علاوة على سينوغرافيا مبهرة إضاءة وديكورا…
عمل كتبه وأخرجه إبراهيم زروق وقام بأدواره كل من محمود تركي وفيصل هميلة ورضوان بن عثمان وأيوب العلاقي وروعة العايدي.
شارك رأيك