بإمكان الحزب الدستوري الحر أن يتحول إلى حزب حداثي جامع شريطة أن يستنبط طرقا جديدة في استقطاب الناشطين والناخبين، من بينها الانفتاح أكثر على مختلف التيارات الوطنية غير الدستورية، إضافة إلى العمل على استقطاب الشباب ووضعهم في مواقع قيادية، مع تغيير الخطاب، فعوض التركيز على محاربة الإخوان من الأفضل التركيز على البعدين الاقتصادي و الاجتماعي وتوضيح المواقف من المساواة في الإرث و تجريم المثلية والعلاقة بنظام بن علي.
بقلم نضال بالشريفة *
منذ أحداث 14 جانفي 2011 و سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، برزت مئات الأحزاب من مختلف التوجهات السياسية و الفكرية، لكن معظمها لم يكن يحمل من الحزب إلا الصفة القانونية على الأوراق، بحيث لا وزن حقيقي لها على أرض الميدان و لا نشاط أو قواعد لها، و في الانتخابات بالكاد تتحصل على أصوات قياداتها، إن وجدت أصلا.
في الحاجة الماسة إلى حزب حداثي جامع كبير
طبعا هذا لا ينفي وجود أحزاب أخرى موجودة و لها ثقل و رمزية سوا ء كان تاريخي أو مالي أو شعبي، لكن بقي حزب النهضة بدون أي منازع الحزب الأقوى في غياب شبه كامل لأحزاب حداثية قوية.
هذه الوضعية أصبحت تمثل تهديدا جدّيا للديمقراطية الناشئة في تونس،التي كأي ديمقراطية تحتاج على الأقل إلى حزبين قويين و مهيكلين لكي تكون ديمقراطية صلبة و مسؤولة، لهذا أصبح من الضروري إيجاد حزب مهيكل له إنتشار شعبي و قدرة تمويلية كبيرة قادر على منافسة حزب النهضة و يمثل العائلة الحداثية.
و في حين يدّعي البعض أنّ الشعب التونسي رفض أفكار هذه العائلة ولفظها واختار طريق المحافظة و الرجعية، فإنّ هذا غير صحيح، فلو كانت هذه العائلة موحّدة لحصلت على الأغلبية في انتخابات هذه السنة، لكن ما فائدة الحصول على الأغلبية إن كنّا سنتحصّل عليها بحزب مثل حزب نداء تونس أي حزب بلا هوية أو توجه، حزب كان مجرّد ماكينة للفوز بالإنتخابات و فقط ثم يتنكر لكل وعوده؟ فهذا الحزب و لإن كان له دور في إنقاذ تونس من تغوّل حزب النهضة و من إيقاف “الديكتاتورية الناشئة” التي وعدنا بها حمادي الجبالي في إحدى زلاته الشهيرة، إلا أنه تبيّن أنه حزب للإستعمال المؤقت لا غير.
الحزب الدستوري الحر في موقع الريادة
ما الذي يجعل من الحزب الدستوري الحر هذا الحزب المنشود ؟
أولا، لديه قيادية كاريزماتية يمكن القول أنها هي من صنعت شعبية الحزب و أنها عوّضت نقص الإمكانيات المادية وهنا أتحدث طبعا على رئيسة الحزب الدستوري الحر النائب المنتخب حديثا عبير موسي، التي كان أوّل بروز لها في مارس 2011 عندما دافعت عن التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم في فترة بن علي، ثم غمرت لتعد للبروز مرّة أخرى سنة 2016 بعد انتخابها رئيسة للحركة الدستورية التي أعادة تسميتها ليصبح الحزب الدستوري الحر.
هذه المحامية أقنعت الكثير من التونسيين بمواقفها الصلبة و الراديكالية من الإسلام السياسي و بالرفض القاطع للتعامل مع قادته وكذلك بدفاعها عن نظامي الزعيم بورقيبة و الرئيس بن علي.
عبير موسي، رغم الأخطاء التي قد تصدر منها أحيانا، تبقى عنصر قوة لا تتوفر في بقية الأحزاب الحداثية.
ثانيا، هذا الحزب لا يتنكر لأية مرحلة من مراحل تاريخ تونس، فعكس الأحزاب الأخرى التي تنتمي للعائلة الحداثية، الحزب الدستوري الحر لا ينكر عهدة الرئيس الراحل بن علي و لا يتنصل منها، بل يعدد مكاسبها و إنجازاتها و في نفس الوقت أيضا يعترف بإرتكابها لأخطاء (و إن كان لم يوضّح بعد بشكل مفصّل ماهي هذه الأخطاء). هذا يجعل الحزب في حالة تصالح مع كل فترات تاريخ تونس ما بعد الإستقلال ما يمكنه من استيعاب أكثر ما يمكن من التوانسة الذّين ينتمون للفكر الحداثي-الوطني، فالعديد من الأحزاب الحداثية الأخرى رفضت استقبال وجوه تجمعية رغم نظافة يدها و رغم مستواها الفكري العالي و قدرتها على الإضافة و الإقناع، لكن إنتماءهم للنظام السابق جعلهم محل إقصاء.
ثالثا، هذا الحزب تحصل على المرتبة الخامسة من حيث عدد المقاعد (17) الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعد النهضة و قلب تونس والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة، بالرغم من أنّ الحزب لم يقدم شخصيات معروفة على رأس قائماته، و لم يقم بحملة ميدانية و فايسبوكية كبيرة ولم ينفق المال كثيرا مثلما إستعملته أحزاب أخرى و تحصلت على نتائج أقل منه، الدستوري الحر بفضل هذه الانتخابات اصبحت لديه كتلة برلمانية ب17 نائبا سيكونون صوت هذا الحزب الذّي سيتوجه به إلى الحداثيين وعموم الشعب التونسي.
حزب له فكر واضح و مرجعية سياسية واحدة
رابعا، الحزب الدستوري الحر له فكر واضح و مرجعية سياسية واحدة، فعكس نداء تونس الذّي كان يتبجّح بكثرة الروافد فيه،كثرة كانت عاملا من عوامل نجاحه في البداية و انهياره في النهاية، فإن الحزب الدستوري يتمتع بنوع من النقاوة الفكرية، فهو يقدّم نفسه كحزب وطني بورقيبي دستوري، لا يوجد فيه يساريون أو عروبيون أو إسلاميون-سابقون مثل النداء، بالتالي لا خشية من تفكك الحزب على أسس فكرية.
خامسا (و ربما الأهم)،لا يوجد في الحزب الدستوري الحر شخص إسمه حافظ موسي.
طبعا الحزب الدستوري الحر ليس بالحزب الكامل، بل يعاني من عديد النقائص التي تمثل عائقا أمام تطورّه و تحوله لحزب كبير،
و في الواقع العديد من نقاط قوته التي تم تذكره تمثل في نفس الوقت نقاط ضعفه.
نبدأ اولا بعبير موسي، فصحيح انها هي من صنع شعبية و نجاح الحزب، لكن في نفس الوقت حضورها شبه المنفرد في الإعلام يعطي الانطباع للعامة على أنها هي القيادية الوحيدة في الحزب و ان الدستوري الحر يعاني من انفراد قيادته بالرأي و من شح ديمقراطي داخلي، و لهذا على الحزب الدستوري الحر ان يحاول إظهار أكثر ما يمكن من قيادات الأخرى خاصة الشبابية و النسائية منها في الإعلام، و قد صرحت موسي في الماضي انها تريد هذا لكن الإعلام لا يريدها الا ان تحضر هي، و من المتوقع ان يتغير هذا مع تحول الحزب إلى حزب برلماني قوي.
ثانيا الطابع الدستوري و البورقيبي للحزب كان عنصر دفع للحزب حيث أن العديد من أنصار الزعيم بورقيبة خاصة من كبار السن رأوا في الحزب حزب الدولة الوطنية و الزمن الجميل و هو ما كان عاملا في نجاحه في الانتخابات الأخيرة، لكن على المدى المتوسط و البعيد سيفقد هذا العامل تأثيره و فاعليته، و على الحزب استنباط طرق جديدة لاستقطاب الناخبين و الناشطين، من بينها الانفتاح أكثر على مختلف التيارات الوطنية غير الدستورية (و هو ما دعت إليه عبير موسي نفسها) إضافة إلى العمل على استقطاب الشباب و وضعهم في مواقع قيادية في الحزب (و يجب البدأ في هذا من خلال تحسين عمل الحزب على الانترنات و النشاط الإلكتروني الذي يعاني من ضعف كبير).
ثالثا، يجب على الحزب ان يغير من بعض مواقفه التي يمكن اعتبارها محافظة او حتى رجعية، فلا يمكن لحزب يطمح ان يمثل الحداثيين في تونس ان يكون مع تجريم المثلية الجنسية و ضد إلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية (و ان قالوا انهم مع إلغاء الفحص الشرجي) عليه أن يطالب بنسخ هذا الفصل كليا!
كما أنه على الدستوري الحر ان يقدم رؤية واضحة لموقفه من مسألة المساواة في الارث بعيدا عن التهرّب و المراوغة، الأمر الاخر هو موضوع النظام السابق، فمن المحبذ ان يقدم الحزب الدستوري الحر رؤيته النقدية الخاصة به لتلك الفترة و ان يوضح اين أخفق نظام الرئيس الراحل بن علي، هذا لكي يتخلص من الصورة النمطية التي لصقت به أي صورة “حزب التجمع القديم المتجدد”.
طبعا هنالك توجه داخل الحزب الدستوري الحر نحو الإصلاح و خاصة نحو تغيير الخطاب، فعوض التركيز على محاربة الإخوان أصبح خطاب قيادات الدستوري تركز بشكل كبير على البعد الاقتصادي و الاجتماعي، حيث أعلنت موسي أن حزبها يمتلك العديد من المبادرات التشريعية الإقتصادية و السياسية سيقوم بعرضها في البرلمان كما قالت أنها ستطالب بلجنة برلمانية للتدقيق في القروض و الهبات التي تحصلت عليها تونس منذ 2011 و التي قالت إنها فيها شبه فساد أو سوء تصرّف. و هذا التغيّر جيّد و مطلوب حيث أنّ هذا بإمكانه أن يوسع من القاعدة الشعبية للحزب على أمل أن يترجم هذا الخطاب على أرض الواقع من خلال إصلاح هياكل الحزب و إبراز قيادات جديدة قادرة على إقناع شرائح إجتماعية أخرى غير تلك التي تقنعها عبير موسي و خطابها و التي تبقى طبعا عنصرا هاما و أساسيا في نجاح الحزب الدستوري الحر و إستمراريته.
* طالب سنة أولى ماجستار قانون أنجلو-أمريكي بكلية العلوم القانونية بتونس.
شارك رأيك