الحقيقة لا أجد لمحاولات التهجّم على الزعيم الحبيب بورقيبة تفسيرا حتى الآن. فهذا قدر العظماء وصنّاع التاريخ. لقد كنت ولا أزال على يقين بأنّ الحقيقة مهما حاول البعض تشويهها فهي أكبر منهم، وأنه لازال هناك شرفاء يبذلون قصارى الجهد في سبيل الدفاع عنها.
بقلم العقيد (م) محسن بن عيسى *
ليس كل ما يقال يردّ عليه. ولكن ثمة جهالات لا بد من مواجهاتها خاصة عندما تكون كرامة الزعماء مهدّدة فيها. هناك حقائق موضوعية لا يمكن للمرء أن يتجاهلها مهما كانت قناعاته السياسية.
لقد حكم الزعيم البلاد حكما أبويّا دون الاستناد إلى المؤسسة العسكرية واستمدّ سلطته من النضال الوطني. فهو باعث النظام الجمهوري وباني دولة الاستقلال القائمة على الحق في التعليم والصحة والوظائف دون تمييز. هذا فضلا عن تحرير المرأة ونشر قيم الفكر المستنير.
لا زال الإرث البورقيبي حاضرا بقوة لدى التونسيين
من المهم التذكير أنّ من أسباب فشل بعض التيارات السياسية دخولها في صراع مع المكتسبات البورقيبية، وأنّ ما يعرقل مسار التحوّل الديمقراطي لدينا هو غياب الشخصية الوطنية ذات الحضور الكارزمي والخطاب السياسي المؤثر مع الرؤية الواضحة للمستقبل. لذلك لا زال الإرث البورقيبي حاضرا بقوة لدينا.
أفهم أنّ شخصية الزعيم وإنجازاته لازالت تزعج البعض. ولكن مهما كانت أخطاؤه في حقبات مُعيّنة من تاريخ البلاد، فانه لا يختلف إثنان أن عديد المكتسبات التي نتمتّع بها الآن وقد نتفوّق فيها على بعض الشعوب كانت بفضله.
صورة بورقيبة لا تملك سلطة على أحد ولا يُتوقع منها خطرا، إنما الخطر كامن في النفسية المرضية للحاقدين عليه أو الراغبين في اكتساب “سمعة ثورية” خارج القيم والمبادئ المتعارف عليها. إنّ الدعوة لاعتماد أسلوب القطع مع الماضي شخصيات وتنظيمات هو أسلوب عدمي عبثي لم يعتمده الإسلام حتى مع ما سبقه من عوالم الجاهلية حيث تعامل معها بتدرج لمعالجة انحرافاتها انطلاقا من مواطن القوة والسلامة فيها.
ضرورة التعاطي السليم مع الماضي المشترك
لقد آن الأوان لهؤلاء أن يعالجوا بعض التناقضات الفكرية لديهم في التعاطي السليم مع الماضي المشترك، وأن يحاولوا أسوة بالأنموذج التركي الذي يستهويهم العمل على محو إرث البغضاء كما فعل الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يحتفل باحياء ذكرى أتاتورك الذي يوافق بدء حرب الاستقلال التي قادها لتوحيد البلاد وإعلان الجمهورية، ويزور سنويا ضريحه في ذكرى وفاته ويرفع صورة “أبو الأتراك” في قاعات جلساته مدركا الرمزية الثابتة لهذا الزعيم لدى شعبه.
الزعامة هبة ربانية وغريزة شعبية لا تلحق بالإنسان مصادفة أو بضربة حظ سهلة.
* ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك