نقد السّياسي والرّئيس السابق للمجلس الوطني التاسيسي مصطفى بن جعفر في تدوينة نشرها على صفحته الرّسميّة ليلة الخميس 07 نوفمبر 2019 الاحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية 2019 والتي تحصّلت على تمثيلية لها في مجلس نواب الشّعب وما تقوم به من تعطيلات في مسار تشكيل الحكومة الجدية وقال بن جعفر “إن نتائج الانتخابات التشريعة الأخيرة تفرض على الجميع التواضع فالكلّ أقلّي ولا شرعية مطلقة لأيّ طرف، ولا بد، و في إطار مستلزمات الدستور، من الكفّ عن تعطيل سير الدولة فالوضع لا يتحمّل مزيدا من التراخي. عندها ننطلق في إنجاز ما تتطلبه المرحلة المقبلة”.
كما استرجع بن جعفر تجارب الانتخابات الفارطة التي عاشتها البلاد من ذلك انتخابات سنة 2011 والتي حازت خلالها حركة النّهضة انذاك على اكبر عدد من المقاعد فيه ودعيت لتشكيل الحكومة تحت ضغوطات زادتها قوّة وتوتّرا الاستقالة المفاجئة لحكومة الرئيس الراحل الباجي قائد السّبسي فالاحزاب في تلك الفرة على حدّ تعبير بن جعفر “اخذها الحماس المفرط والمبالغ فيه وصدعت قبل الإعلان الرسمي للنتائج بخطاب معارض لحكومة لم تنطلق المشاورات في شأنها أصلا، و لم تسنح لها فرصة تقديم برنامجها”.
وأضاف بن جعفر أنّ مثل هذه المواقف المتسرعة لم ترتق إلى درجة المسؤولية التي تقتضيها تجربة تأسيسية ما زالت تتلمس الخطوات الأولى في طريق مليء بالأشواك، ولا تنسجم مع تقاليد العمل السياسي ونواميس الدولة الديمقراطية.
في سياق متّصل اشار بن جعفر “أنّ الشعب أراد تعديل المشهد وتصحيحه، فبعث إلى الطبقة السياسية برسالة تحيي النفس الثوري وتتضمن دعوة ملحة إلى التدارك، فكانت الموجة العارمة التي حملت الرئيس قيس سعيد إلى قرطاج” متسائلا “هل نحن قادرون كل من موقعه على استخلاص الدرس من أخطاء الماضي وهل ستكون لنا الشجاعة الكافية للتواضع وتقديم التنازلات الضرورية من أجل تونس التي نريد؟” مضيفا “قيل أن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتدقيق فهل نحن قادرون على النظر والتدقيق ؟
ويرى بن جعفر “أنّ الوقت قد حان لاستخلاص الدروس من تجاربنا وأخطائنا”.
كما دعا المنظمات الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل للعب الدور الوطني المناط بعهدتها خاصة في ما يتعلق بضمان الاستقرار الاجتماعي واعلاء قيمة العمل المنشودة للفترة المقبلة.
نصّ التّدوينة:
انها فرصة تاريخية، فلنتجنّب أخطاء الماضي !
قد تكون الذاكرة الجماعية قصيرة بعض الأحيان وقد تلقي المستجدّات بضلالها على الوعي الجماعيّ فينساق وراء تسارعها وصداها ويؤثّر ذلك على التحاليل الموضوعية والقراءات الدقيقة للأوضاع، وما أشبه ما نراه اليوم بما شهدناه عقب انتخابات 2011 حيث تحصلت حركة النهضة على أكبر عدد من المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي ودعيت لتشكيل حكومة تحت ضغوطات زادتها قوة و توترا الاستقالة المفاجئة لحكومة الأستاذ الباجي قائد السبسي رحمه الله. والعجيب في الأمر هو أن بعض الأحزاب السياسية التي تحصّلت على تمثيلية شعبية صلب المجلس أخذها الحماس المفرط والمبالغ فيه وصدعت قبل الإعلان الرسمي للنتائج بخطاب معارض لحكومة لم تنطلق المشاورات في شأنها أصلا، و لم تسنح لها فرصة تقديم برنامجها.
إن مثل هذه المواقف المتسرعة لم ترتق إلى درجة المسؤولية التي تقتضيها تجربة تأسيسية ما زالت تتلمس الخطوات الأولى في طريق مليء بالأشواك، ولا تنسجم مع تقاليد العمل السياسي ونواميس الدولة الديمقراطية.
شعرت حقّا بالخذلان آنذاك خاصة وأن الفاعلين كانوا من رفاق الدرب ولطالما ناضلنا جنبا لجنب من أجل التصدي للاستبداد وإعلاء راية الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ولكن عندما جاءت اللحظة التاريخية وأتيحت لنا الفرصة الفريدة لم يكن لنا ما يستلزم من الجرأة ونكران للذات لتلقفها وتقديم الأهمّ أي قيادة المسار الانتقالي إلى برّ الأمان على ما يبدو للبعض مهما وهو الصراع من أجل المواقع والمراهنة على فشل المنافس.
ليس المجال سانحا لتقييم مرحلة 2012 /2014 وقد يحتاج ذلك إلى الابتعاد أكثر عن زمن الأحداث وإلى مناخ أهدأ يسمح بالمساءلة والمحاسبة النزيهة لما حصل بإيجابياته وسلبياته، ولكن في المحصلة، رغم التعثرات والمصاعب والعراقيل والإرهاب، كسب التونسيات والتونسيون الرهان وعرّفت التجربة التونسية كمثال ناجح وملهم لبقية الشعوب التائقة للحرية سواء تعلق الأمر بالدستور التقدمي التوافقي أو بالتداول السلمي على الحكم أو بالمواءمة بين طبيعة المجتمع التونسي وخصوصياته من جهة والنظام الديمقراطي من جهة اخرى.
ثم جاءت اتنخابات 2014 وعشنا فترة كان من المفروض أن نحقق فيها أمرين لم نحقق أيا منهما، أولهما استكمال البناء الديمقراطي عبر وضع المؤسسات الدستورية وثانيهما مراجعة النموذج التنموي والانطلاق في الإصلاحات اللازمة قصد تحقيق مقومات الكرامة التي قامت الثورة من أجلها.
انتهت العهدة النيابية في ظروف أليمة وغير متوقعة، وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي و ما انجر عنها من انتخابات رئاسية مسبقة أدخلت شيئا من الإرباك على الانتخابات التشريعية.
ولا يمكن تقييم المحطات الانتخابية الأخيرة بمعزل عن حالة الفوضى التي شهدتها الساحة السياسيّة والحزبيّة والإعلامية في السنوات الأخيرة.
الغياب المستمرّ لجلّ المؤسسات الرقابية التي جاء بها دستور الجمهورية الثانية والغياب المريب لقانون ينظم نشاط الأحزاب ويضمن التسيير الديمقراطي صلبها والحد الأدنى لتمويلها وما نتج عن ذلك من سياحة حزبية وبرلمانية، وتركيز الصراع على المواقع وترذيل الخطاب السياسي بالإضافة إلى غياب الحوار حول البرامج واستشراء الفساد، كل هذه العوامل تسببت في التشتّت والتناحر الذي تعيشه الأحزاب وغيرت سلبا من منسوب ثقة المواطنين فيها وفي الطبقة السياسية عموما فكانت النتيجة اولا نسبة عزوف مرتفعة خاصة في فئة الشباب وانتخابات أعطت مجلسا نيابيا فسيفسائيا لا شك أن إدارته ستكون صعبة وستتطلب الكثير من الحكمة والرصانة.
وفي المقابل، و كأن الشعب أراد تعديل المشهد وتصحيحه، فبعث إلى الطبقة السياسية برسالة تحيي النفس الثوري وتتضمن دعوة ملحة إلى التدارك، فكانت الموجة العارمة التي حملت الرئيس قيس سعيد إلى قرطاج، و ها نحن، و بعد ثماني سنوات من انتخابات 2011، نعيش من جديد لحظة تاريخية تذكرنا بما غمرنا من اعتزاز ونخوة وشعور بثقل المسؤولية إثر هروب الطاغية.
إنها فرصة فريدة من الواجب أن يتلقفها كل وطني غيور يحب تونس ويحلم بمستقبل مشرق تعم فيه الحريات ويتحقق فيه الرفاه والعيش الكريم.
فهل نحن قادرون كل من موقعه على استخلاص الدرس من أخطاء الماضي وهل ستكون لنا الشجاعة الكافية للتواضع وتقديم التنازلات الضرورية من أجل تونس التي نريد؟
قيل أن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتدقيق فهل نحن قادرون على النظر والتدقيق ؟
لقد حان الوقت لاستخلاص الدروس من تجاربنا و أخطائنا.
لا بد من القطع مع منطق الإقصاء والكراهية والتفرقة، منطق «الأزلام» و «الخوانجية»، منطق المزايدات والمناورات والتراشق بالتهم وتصفية الحسابات في المنابر الإعلامية وإرسال الرسائل المشفّرة والمباشرة والتعبئة للفكر الواحد، هل هذا هو المناخ الذي يسمح بالتفاوض حول مصير البلاد في هذا الظرف الدقيق؟ إن مثل هذا السلوك ليس سليما ولا جديا ولن ينفع لا البلاد ولا العباد ولن ينفع الطبقة السياسية قاطبة بل سيجذبنا إلى الوراء ويعمّق الهوّة بين الشعب والسياسيّين،
إحساسي أن نسيم الثقة يعود شيئا فشيئا خاصة في صفوف الشباب، فلا تغلقوا النوافذ ولنتنفسه بملء رئتينا!
لأن الثقة مكسب نادر وثمين وهو عنصر أساسي وضروري لكل من يحمل مشروعا وطنيا يخرج البلاد من أزمتها الخانقة ويبني تونس الجديدة، تونس المستقبل.
ولكن الثقة لا تدوم إلا بفعل يخدم المصلحة العامة، ولا مناص لنا من التخلص من عيوب الأنا لنعبئ كل طاقاتنا للصالح العام.
إن نتائج الانتخابات التشريعة الأخيرة تفرض على الجميع التواضع فالكلّ أقلّي ولا شرعية مطلقة لأيّ طرف، ولا بد، و في إطار مستلزمات الدستور، من الكفّ عن تعطيل سير الدولة فالوضع لا يتحمّل مزيدا من التراخي. عندها ننطلق في إنجاز ما تتطلبه المرحلة المقبلة.
و في هذا الصدد، و بدون إنكار وجود أزمة الديمقراطية التمثيلية وضرورة التفكير المعمق في الآليات التي تكرس ديمقراطية القرب والسلطة المحلية، فإني أعتقد أن مراجعة النظام السياسي في أي اتجاه كان ستلهينا عن تعبئة طاقاتنا لإنجاز أولويات المرحلة القادمة، وهي واضحة بل ملحّة:
– مواصلة البناء المؤسساتي الديمقراطي وإرساء دولة القانون
– الانطلاق في أقرب وقت بالإصلاحات الكبرى في ما يخصّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
– وضع قانون الأحزاب و مراجعة القانون الانتخابي بما يضفي الاستقرار السياسي الضروري لإنجاح الإصلاحات المنشودة.
– وضع منهجية جديدة للتفاوض بين الحكومة والمنظمات الوطنية عبر تفعيل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي.
– الاتفاق على ميثاق أخلقة الحياة السياسية خطابا و ممارسة و إعلاما.
في كل هذه المجالات، و على عكس ما يسوّق له، فإن صلاحيات رئيس الجمهورية، معززة بالاستفتاء الشعبي، تسمح له القيام بدور مهمّ، خاصة دور الحكم من أجل تقريب وجهات النظر والسهر على تذليل كل العراقيل التي تطرأ على سير دواليب الدولة.
ولا شك أن سر نجاح هذا العمل يكمن في الانسجام الضروري مع رئيس الحكومة لإعطاء سياسة الدولة وجهة متناسقة تقنع المواطن و تدعم ثقته في الماسكين بالحكم.
إنها فرصة لا تعوّض لإعادة قطار التغيير على السكّة الصحيحة وتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية كي نطوي صفحة الحقد والكراهية نهائيا وإلى الأبد.
هكذا نكون أوفياء لشهداء ثورتنا المجيدة و نجدد العهد من أجل تحقيق ما استشهدوا من أجله الكرامة الوطنية التي لن تتجسّد إلا بالتقسيم العادل للثروة الوطنية وتكريس مبدأ التمييز الإيجابي لوضع حد للتفاوت بين الجهات.
كما لا يفوتني ان ادعو المنظمات الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل للعب الدور الوطني المناط بعهدتها خاصة في ما يتعلق بضمان الاستقرار الاجتماعي واعلاء قيمة العمل المنشودة للفترة المقبلة.
بالفعل «الشعب يريد» ! فـــلننصت كلنا إليه ولنحمل آمال الشباب من أجل تونس !
شارك رأيك