بعد أن انتقد مصطفى بن جعفر، وبشدة غير مسبوقة، حركة النهضة، متسائلا عن مصادر تمويلها لمؤتمرها “الباذخ” ويدعو إلى التدقيق في ذلك، هاهو اليوم يبارك إنجازاتها وينوه بحكمة قادتها وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي. لكن وكما يقول المثل التونسي “الطماع يبات ساري”.
بقلم مصطفى عطية *
كثف مصطفى بن جعفر، رئيس ما كان يسمى ب”المجلس التأسيسي” وحزب “التكتل” المندثر، خلال إطلالاته الشارعية والإعلامية خلال السنوات الخمس الأخيرة، من انتقاداته المكثفة والقاسية، بل “الجارحة” أحيانا لحركة النهضة ورموزها وقيادييها، ومن باب الصدف أن تقاطعت هذه الإنتقادات العنيفة مع أخرى لا تقل عنها قساوة صدرت عن الرئيس المؤقت السابق منصف المرزوقي !
“الحليف الوفي جدا” يتحول إلى خصم لدود وشرس
لم تمر تصريحات مصطفى بن جعفر ، الحليف السابق للشيخ راشد الغنوشي، دون أن تثير عواصف من ردود الفعل المتباينة خاصة وأنه كان، خلال المرحلة الإنتقالية وهيمنة حكومتي “الترويكا” بنسختيها الأولى والثانية، أشد المدافعين عنه وعن حركته واختياراتها وتوجهاتها، وهو الذي عمل معه طويلا وخبرالمحيطين به، وكان قد أبدى من شراسة الدفاع عن حليفه في الحكم، أثناء ما سمي وقتها ب”إعتصامات الرحيل”، ما أثار إستغراب الغنوشي وقادة حركة النهضة وأنصارها في المقام الأول وقبل خصومها أساسا.
فجأة، وبعد إنهيار هذا “التحالف” الإنتقالي نتيجة ما جاد به صندوق الإقتراع في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية قبل الأخيرة ( 2014)، تحول “الحليف الوفي جدا” إلى خصم لدود وشرس، ويتذكر التونسيون كيف انتقد مصطفى بن جعفر، وبشدة غير مسبوقة، المؤتمر العاشر لحركة النهضة، التي طالما نوه بها وعمل على استقطاب أتباعها ليصبح بين عشية وضحاها حريصا على أن لا يفوت فرصة ليكيل لها شتى أنواع النقد والإنتقاد حتى وصل به الأمر إلى التنكيل بأحد قادتها التاريخيين، رئيس حكومة الترويكا الأولى وشريكه في العديد من القرارات المثيرة للجدال، حمادي الجبالي، ومن ثنايا هذا الإنتقاد الشديد ذاته خرج صاحب مقولة “أنجزنا أحسن دستور في العالم”، التي أصبحت محل تندرالتونسيين، ليتساءل، في حله وترحاله، عن مصادر تمويل الحركة لمؤتمرها “الباذخ” ويدعو إلى التدقيق في ذلك قبل أن يتهمها بمغالطته ويطلق العنان لسيل عارم من الإتهامات ضد شركائه السابقين في الحكم الإنتقالي.
سار على هذا المنوال الكثير من قادة المؤتمر من أجل الجمهورية وحراك تونس الإرادة وحزب التكتل أو ما تبقى منها، بعد نزيف الإستقالات الذي أصابها في صميم وجودها، وأتباع بعض الأحزاب الأخرى التي كانت تدور في فلك حركة النهضة وحلفائها.
وها هو مصطفى بن جعفر يعود اليوم ليتموقع تموقعا شبه يومي في أحد بلاتوهات قناة مقربة لحركة النهضة، مباركا إنجازات هذه الأخيرة ومنوها بحكمة قادتها وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي.
معظم سياسيينا لا يفرقون بين الإستحقاق والطمع وبين “الحلفاء” و”الحرفاء”
حدث هذا الإنقلاب الجذري والمفضوح في مواقف مصطفى بن جعفر بعد أن تسربت أخبار طائشة وضعيفة السند والمصداقية أن حركة النهضة تفكر في اقتراح إسمه لرئاسة الحكومة المرتقبة، كما كانت أوهمته قبل الإنتخابات الرئاسية لسنة 2014 بأنه سيكون مرشحها لقصر قرطاج، ولكن يبدو أنه لم يستخلص الدرس من تلك الواقعة المهينة.
ندرك جيدا معنى أن تتغير المواقف، طبقا للمستجدات الحاصلة، ونتفهم الجنوح الطبيعي إلى تنفيذ مراجعات جذرية في بعض الأحيان، فالسياسة حركة لا تقنع بما كان ولا بما هو كائن، ولكن أن تأخذ التغييرات شكل “الإنقلابات” بهذه الطريقة السافرة والمشحونة بأطماع السلطة حتى وإن كانت وهمية، فمعنى ذلك ان الكثير من سياسيينا، بمن فيهم الذين تقدمت بهم السن وأوهنهم الإنتظار أمثال مصطفى بن جعفر، لم يرتقوا إلى مستوى الممارسة الديمقراطية السليمة ولا يفرقون بين الوهم والحقيقة وبين الإستحقاق والطمع وبين “الحلفاء” و”الحرفاء” !!
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك