أمام عجز السلطة في تونس على إيجاد الحلول للأزمات المتفاقمة بشكل ينذر بكل المخاطر، البلاد التونسية لا تحتاج اليوم إلى حكومات تحت مسميات شعاراتية، بل إلى رجال إنقاذ ذوي كفاءة عالية وتجربة ثرية وجرأة فاعلة، مهما كان شكل الجكومة التي ستضمهم.
بقلم مصطفى عطية *
تعيش الساحة السياسية على إيقاع تناقضات في جميع المجالات مما يؤكد بوضوح انها تعاني من الإرتباك الشديد حيث تتقاطع القيم والمبادئ النظرية مع الممارسات الخاطئة على أرض الواقع، وقد أخذ هذا الإرتباك في الأيام الأخيرة أبعادا مثيرة للحيرة والتساؤل في غياب رؤية واضحة لمواجهة المشاكل المزمنة والطارئة على حد سواء الشيء الذي جعل الإحباط يعم كافة المواطنين الملتاعين من عجز السلط على إيجاد الحلول للأزمات المتفاقمة بشكل ينذر بكل المخاطر.
بقي انه إذا ما نظرنا للمشهد السائد حاليا، من الجوانب البادية في الظاهر نجد اننا ندعي، نظريا على الأقل، ممارسة الديمقراطية حتى وإن أدت إلى دخول بعض المتطرفين من رافعي شعار داعش قبة البرلمان!
من المؤسف الإقرار بأننا نقفز على الحواجز ونهرول دون بوصلة وهو ما أوقعنا في العديد من المطبات والفخاخ، وأضاع علينا الكثير من الفرص. في حين أن الواقعية تفرض على السياسيين التعامل مع الأوضاع والمستجدات بكثير من التريث والهدوء وهو ما لم يحدث لأن سياسيينا إختاروا التسرع، في صراع هستيري على المناصب.
إنقلب كل شيء رأسا على عقب
إن هذا الشعب الذي إختار الصمود والصبر وتحمل كل الأعباء لتحقيق الأهداف التي ينشدها هو سليل مدرسة التحديث والتنوير التي ظهرت في بلادنا منذ منتصف القرن التاسع عشر ومكنت مجتمعنا من كسب الكثير من المعارك المصيرية كالإستقلال وقيام النظام الجمهوري وتحرير المرأة وتعميم مجانية الصحة والتعليم وتكوين كفاءات عالية في كل الميادين ثم التمهيد لإرساء قيم الحرية والديمقراطية بأقل التكاليف الممكنة بالمقارنة مع حصل في بلدان أخرى ماضيا وحاضرا.
حدث كل هذا تدريجيا وعلى مراحل، لكن إنقلب كل شيء رأسا على عقب ودخلنا مرحلة المزايدات والهرولة و”التشعبيط”، غير عابئين بالتداعيات الكارثية لهذه الممارسات التي تنم عن إفلاس سياسي فاق كل التوقعات.
ماالذي حصل فعلا حتى تكون كل المسارات، دون إستثناء، في الطريق الخطأ ؟
أليست الديمقراطية، كما يقول الغربيون، صرحا يبنى لبنة لبنة، حتى تصبح قاطرة النمو والرفاه ؟
لا شك ان من واجب المواطن التونسي أن يتحلى بالصبر وبالتالي بالمزيد من التريث والهدوء والإلتزام بالقوانين ونبذ كل أشكال الفوضى والإنفلات والعنف وتجنب الصراعات التي تغذي الإحتقان بين أبناء الشعب الواحد، والمساهمة في إرساء آليات المصالحة الحقيقية الشاملة، التي تبقى أساس النجاح في هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة والمحفوفة بالمخاطر، ولا شك أيضا أن إرث المرحلة الإنتقالية ثقيل جدا وهو خلاصة تراكمات من الأزمات المتفاقمة وخاصة في المجالات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية، لكن كل هذا لا يبرر مطلقا الإنهيار الذي تشهده البلاد على جميع المستويات، والإفلاس السياسي الذي أصبح عنوان هذه المرحلة.
هذه أسباب انخرام المنظومة بأكملها
إن كل المحاولات الإصلاحية أو شبه الإصلاحية باءت بالفشل لأسباب عديدة أولها إضطرام الصراع من أجل السلطة والنفوذ، وهو ما ولد هذا التسابق الهستيري المحموم والقفز البهلواني على الحواجز الطبيعية والبحث عن منافذ للتسلل إلى دوائر القرار، و إن ما يحصل حاليا، يؤكد اننا غرقنا في متاهات هذه اللهاث العبثي وراء المناصب والذي فرض في وقت سابق وما زال يفرض صعود غير الأكفاء وعديمي التجربة إلى سدة المسؤوليات العليا حتى إكتشف الملاحظون وعموم الناس ان شؤون البلاد والعباد بين أيدي من لا يفقهون فيها شيئا، وها هي المستجدات الأخيرة تؤكد السير في اتجاه إعادة إنتاج الأخطاء ذاتها، تلك التي أدت بالبلاد إلى متاهات التردد والإرتباك والعجز.
إن هذه السياسات الإعتباطية هي التي تعرقل عمل المؤسسات وتربك قراراتها وتضع العقبات أمام محاولات الاصلاح، فليس أخطر على الشعوب من إنعدام الكفاءة والتجربة لدى مسؤوليها.
لا غرابة إذن من تعثر المسارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وٱنخرام المنظومة بأكملها، وهو ما يفرض التعجيل بتحقيق الحد الأدنى من شروط العمل السياسي الناجع، بعيدا عن النظريات الميؤوس منها، والهرولة المشحونة بالإنتهازية الصارخة.
إن البلاد لا تحتاج اليوم إلى حكومات تحت مسميات شعاراتية، بل إلى رجال إنقاذ ذوي كفاءة عالية وتجربة ثرية وجرأة فاعلة، مهما كان شكل الجكومة التي ستضمهم.
كفانا شعارات لم نجن من ورائها إلا المزايدات العبثية والمزيد من إضاعة الوقت والفرص، ولنعمل على وضع المسؤول المناسب في المكان المناسب، فالبلاد تعج بالكفاءات القادرة على إصلاح الأوضاع.
* صحفي وكاتب.
شارك رأيك