سياسة الاغتيالات عقيدة ممنهجة في إسرائيل وهي ضمن خطة طويلة المدى، شرعنها الاحتلال لتبرير عملياته خارج إسرائيل سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في أي مكان في العالم.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتمرد وتمارس سياسة الاغتيالات خارج حدودها بعد الولايات المتحدة الأمريكية بدعوى مقاومة الإرهاب، لكن ربما يبين الفرق واضحا بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فأمريكا تستشير أو تستأذن من الدولة التي تريد اغتيال شخص ما فيها لكن إسرائيل تجتاز كل الحدود وفي الوقت الذي تريد، من أجل تنفيذ الاغتيال، دون استشارة أو استئذان وهذا ما يقلق العالم بأسره، وليس الدول العربية فقط.
دولة متمردة على القانون الدولي ولا تلتزم بأي خطوط حمر
لكن الملاحظ من خلال تاريخ إسرائيل القذر أنها تمارس سياسة الاستفزاز والقوة لتنفيذ ما تريد، فهي تعلم أن الدولة المستهدفة ضعيفة لا تقوى على الردّ أو الاحتجاج أمام المنظمات الدولية والأمميّة، ولا تتحرك الأمم المتحدة أيضا من أجل وقف هذه الإغتيالات التي تنتهجها إسرائيل بكل حرية، فهي تتحرك في الأجواء المعادية لها بكل سلاسة، بل وتمنحها الدول التي تمر في أجوائها الضوء الأخضر أحيانا لممارسة عملها الإجرامي، وما كانت لتُقْدم على هذا الفعل الشنيع ما لم تكن دولة متمردة على القانون الدولي ولا تلتزم بأي خطوط حمر في علاقاتها مع الدول الأخرى حتى الصديقة والشقيقة.
وعبر تاريخها الإجرامي فقد مارست إسرائيل عبر حقبها السياسية هذا الفعل الشنيع وكأنها عقيدة من عقيدتها التي لا تنفك عنها حكومة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بل تعتبر الحكومة التي لا تغتال القياديين حكومة مبتورة ناقصة لا تحظى باهتمام من الحاخامات ولا من الشعب الإسرائيلي ولا من المؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل، لكن الذي يثير في النفس أن دولة مثل إسرائيل تقوم بهذا العمل الاستخباراتي والعسكري في دولة أخرى ذات سيادة ولا تحرك ساكنا يجعلنا نشك في سياسة تلك الدولة وعلاقتها بفلسطين، فاغتيال القادة أبو جهاد وأبو نضال وعماد مغنية وأبو العطا وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام ومحمد الزواري وغيرهم من القادة الميدانيين في الداخل الفلسطيني والخارج يجعلنا نشك أيضا في القانون الدولي. فإسرائيل اليوم تخترق كل الحدود الدولية من أجل القيام بعملية اغتيال شخص واحد له أثره الكبير في حياة المقاومة، لكن عندما يأتي الرد من الفلسطينيين تقوم الدنيا كلها من أجل وقف الضربات الصاروخية على الكيان المحتل، ولإسرائيل الحق في الرد والدفاع عن نفسها كما يقول الأمريكيون.
إسرائيل تتمادى في غيها لأنها وجدت من يساندها بقوة من العرب والعجم
هذه السياسة هي التي أغضبت الثوار والمقاومين الذين يخافون على أنفسهم من الإرهاب الإسرائيلي المتواصل، وقد عجزت جميع المنظمات والتشكيلات العالمية عن إيقاف نزيف الاعتداء الصهيوني على أرواح الفلسطينيين العُزل الأبرياء وهم تحت وطأة الصواريخ الإسرائيلية لأنها منظمات مموّلة إسرائيليّا وأمريكيّا وهي تتبع سياسة الدولة المارقة والخارجة عن القانون كما في منظمة الأونروا التي كانت تغذّي الفلسطينيين وتمدهم بالغذاء أصبحت اليوم عاجزة عن أداء دورها بعد أن سحبت أمريكا معونتها وهي من أكبر الممولين لها، فقد كانت تؤدي دورا إنسانيا وعسكريا مبطنا، وهي تتبع في ذلك سياسة إسرائيل التي تسعى إلى تصفية القادة الميدانيين الذين شكلوا حسب رأيهم خطرا مباشرا عليها وخططوا للقيام بعمليات داخل إسرائيل، هؤلاء المقاومون يقومون بذلك لرد الاعتداء السافر لا للاعتداء المباشر ولا لأجل إلحاق الضرر بالمدنيين الإسرائيليين المسالمين، ولكن إسرائيل تتمادى في غيها وفي احتلالها وفي اعتدائها ولا تبالي لأنها وجدت من يساندها بقوة من العرب والعجم.
سياسة الاغتيالات عقيدة ممنهجة في إسرائيل وهي ضمن خطة طويلة المدى، شرعنها الاحتلال لتبرير عملياته خارج إسرائيل سواء في الأراضي المحتلة أو في أي مكان في العالم، كما فعلت في الإمارات العربية المتحدة وتونس وسوريا وماليزيا وفرنسا وغيرها كثير لكن هذه الدول لم ترفع يوما دعوى ضد إسرائيل لاختراق مجالها الجوي أو استخدام أراضيها لتنفيذ جريمة قبيحة أسوة بما فعلته تركيا عندما اغتيل الصحفي جمال خاشقجي على أراضيها، فقد شغلت العالم أجمع بما فعله السعوديون من عمل قبيح أيضا في دولة أخرى ودون إذن منها، فهذا العمل شبيه بما قامت به إسرائيل ولكن اهتز العالم وربا وبقي ساكتا وصامتا عندما قامت به إسرائيل في غزة وسوريا وغيرهما من المناطقوالدول، ولم تسع أي دولة إلى عقد جلسة لمجلس الأمن الذي يعقد عادة جلسات طارئة لبحث مشاكل عالمية تافهة أحيانا لكن إذا كانت المسألة تخص إسرائيل فإنه يصم آذانه ولا يتحرك إلا خجلا من بعض الدول والمنظمات الإنسانية، وفي النهاية يبقى الفيتو الأمريكي المطرقة التي تضرب رؤوس الجميع فينكّسون رؤوسهم، والحال أن إسرائيل دولة محتلة معتدية مغتصبة والعالم بأجمعه يدرك ذلك ويدرك مدى خطورة ما تفعله آنيا ومستقبلا، ولكن للمقاومين الأحرار في العالم رؤية أخرى في التعامل مع هذا الوحش الكاسر الذي لا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة القوة، وما كان غيرها فهو محض وهم لا يخيف إسرائيل لا من قريب ولا من بعيد.
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك