يقتلُ زوجته الشابّة٬ يعتدي على صديقته بِواسطة “ياجورة” ٬ يُطلق النار على زوجته العجوز٬ يذبحُ زوجته٬ يضْربُ رأس خليلتِه على الأرض و يخنُقها٬ يطعنُ خطيبته.
بقلم فتحي الهمامي *
هيّ عيّنة لا غير من سرطان العنف المتفشي في جسم المجتمع. أو غيْضٌ من فيْضٌ . إذْ نقلتُ فقط ما تمّ تداولُه في الإعلام من أواسط أكتوبر إلى منتصف نوفمبر1 2019 من جرائم قتل ضد نِساء (féminicides) أما أوجه العُنف الأخرى المُسلّطة عليْهُن٬ أيْ غير القاتلةِ ٬ فقد أهْمل أهْل الإخْبار التكلّم عنْها إلاّ فِيما ندر! و إنْ تكلّم فذلِك منْ بابِ البحْثِ عن “البوز” أو لِرفعِ العتب ! 2
فتلك الأفعال المُشينة٬ و التي عددُها أكثر من أن يُحصر أو يُعد 3 ٬ يبدو أنّ المُجتمع قد طُبع على قبول رواجها ٬ و عوّده انتشارها على التّهاون معها.
و يُشكّل إِحياء يوم 25 نوفمبرمن كل عام فُرصة لِلإعلام لِلاسْتدراك٬ بأنْ تُخصصّ فقراتهُ لِلْاستِماعِ إلى النساء المُعنفات سِواء كان الاعتداء ماديّا (منه التفقير أو الاستغلال) أو معنويّا (إساءة – إهانة – تهديد – تمييز)٬ لِلْتوعيّة بأضراره ٬ لِلتوجيهِ و الإصلاح. و يا حبّذا لو يكون ذلك بِصفة قارّة في الإذاعة و التلفزيون.
و يعتبر ” اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة “٬ و الذي خصّصتهُ الجمعيّة العامّة لِلأمم المتحدة لِتنطلق سنويّا حملة الستّة عشرة يوما (من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر׃ اليوم العالمي لِحقوق الإنسان) من أجل وقفِ العُنف ضدّ النِساء٬ مُناسبة لنا – أيضا – في تونس للتأكيد على نبْذِ العُنف المسلّط على النساء و القيام بِحملات ضدّه.
مع العلم أن حملة 2019 ستُركّزُ على مُناهضة الاغتِصابِ ׃ “لوِّن العالم برتقاليّا׃ جِيلُ المساواةِ يُناهض الاغْتِصاب” و هي حلقة من مُبادرة كان أطْلقها الأمين العام للأمم المتحدة شعارُها ׃ ” اتّحدوا من الآن إلى 2030 لإنْهاءِ العنف ضدّ النساء ” .
وقد اعتبرت الأمُم المتحدة أن العُنف المُسلّط على النساء جائِحة عالميّة له عدّة أشكال: جسدي٬ جنسي ٬ نفسي٬ اقتصادي. و يُمارس في كلّ من الأماكنِ العامة و الخاصة.
و يُعدّ العنف الأسري و التحرّش و المضايقة الجنسيّة و الاتّجار بالبشر إلى جانب الاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي٬ من مظاهرِه الأكثر انتشارا٬ تونسيّا و دوليّا !
و يعْني تعْبير “العُنف ضدّ النساء” : أيُّ فِعل عنيف تدفعُ إليْه عصبيّة النوع الاجتماعي أي العصبيّة الذكوريّة. و يترتّبُ على هذا العنف أذى و معاناة للمرأة سواءً من الناحيّة الجسمانيّة أو الجنسيّة أو النفسيّة بِما في ذلك التّهديد بِأفعال من هذا القبيل أو القسْر أو الحِرمان التّعسفي من الحريّة.
و يُلاحظ – هُنا – أنّ العُنف المُسلّط على النساء يشتدّد أثناء النزاعات و الحروب. و أنّ سطْوته تتفاقم على فئات بِعينها بِسبب وضْعُهُنّ الهشّ كالفتيّات و المُسنّات و المُهاجرات و المُعوِزات و غيرهنّ.
و ليْس هناك من شك أنّ العنف ضدّ المرأة يُشكّل:
– تعدّ فضيعٍ على كرامتِها و مهانة بالغة تجرحُ ذاتها الإنسانيّة٬
– انْتهاكا لِحقوقها الإنْسانيّة و حريّاتها الأساسيّة مِما يعوق تمتّعِها بِهذه الحقوق و الحريّات الأساسيّة بِصفةٍ كاملة٬ٍ – هيْمنة للرّجل عليها و تمييزٍ ضِدّها بِحكم تواصل علاقات قُوى غير مُتكافئة بينهما٬ و تمادي التوزيع التقليدي للأدوار بينهما٬
– تكريسًا لِوضعية التبعيّة للرجلِ بِوصْفه (العنف) آليّة من آليات الإخْضاع الاجتماعي.
و ليْس في الأمرِ جديدٍ إنْ قُلنا أنّ العُنف بِصفة عامة (ماديا أو رمزيا) ٬ لا يُسبب سوى المُعاناة للإنسان٬ فما بالك – إذن – بِذلك المسلّط على المرأة بِسبب النوع الاجتماعي٬ و الذي يُلحق بِصحتها النفسيّة و الجسمانيّة و الجنسيّة و الإنجابيّة أشدّ الأضرار. و يجعل من المرأة أسيرة لِسلطان التّوتر و الخوف من النوع الاجتماعي المُقابل (أي الرجل).
فكيْف لها و الحالة تلك٬ أن تُسهم إسْهاما فعّالا و كاملا في حياة المجتمع٬ و هي مهدورة الكرامة فاقدة لِتوازنها !؟
و بِلادنا رغم المكاسب الجمّة التي تحققت لِلنساء٬ و رغم حيويّة مُجتمعها المدني و رغم جهود وزارة المرأة و مؤسّساتها٬ في بابِ مقاومة داءِ هذا العنف الخصوصي و التي من بيْنِها نذكر׃
– سنّ قانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة المؤرخ في 11 أوت 2017 ٬
– إحداث على مستوى المركزي بوزارة الداخلية وحدتيْن مختصتين تحت اسم “الفرقة المركزية بِالبحث في جرائم العنف ضد المرأة و الطفل ” و فرق جهوية في كل منطقة أمن و حرس وطنيين٬
– إحداث مراكز لإيواء و قبول و توجيه النساء المعنفات (عددها قليل و موارده قليلة)٬
– بعْثِ رقم أخضر مجاني 1899 للتبليغ عن حالات العنف (يعمل فقط في التوقيت الإداري)٬
– توسيع مركز الاستماع و الدعم و التوجيه للنساء ضحايا العنف التابع لجمعية النساء الديمقراطيات إلى الجهات٬ – القيام بحملات دعائية للقانون الجديد أو بِحملات تشْهير بِالعنف ضد النساء (لكن بِصفة موسمية) لكن أمام هوْل هذه الظاهرة و تضخم أرقام العنف٬ يتبيّن كمْ أن الطريق لا تزال طويلة أمامنا لِقطع دابِره٬ و لعلّه لا نُذيع سِرّا إنْ قُلنا أنّ الحركة النسوية و الحقوقية تؤكدان على ضرورة توخي المقاربة الشاملة لِمواجهتِها. و التي تقوم على التصدّي لِمُختلف أشْكال هذا العُنف بِالوقاية و بِتتبع مرتكبيه و معاقبتهم و بحماية الضحايا و التعهد بِهم و بِتغيير القوانين التمييزية ضد النساء٬ و التي تعدّ سببا من أسباب العُنف على أساس النوع الاجتماعي 4 .
لهذا من الأهميّة بِمكان أنْ تتوجّه العنايّة إلى التّالي ׃
– تكثيف الحملات التوعيّة لِتحرير النساء من عقدة الخوف إذ لا يزال مُعظم الاعتداءات غير مبلغ عنها٬ – إنشاء المرصد الوطني لمناهضة العنف٬ طِبقا لِما ينصّ عليه القانون الأساسي عدد 58 . تكون مُهمته مُراقبة الظّاهرة و مُتابعتها٬ بِما يُمْكّن من تطويرِ السّياسات المُنتهجة في مجالِ مُقاومة العنف ضدّ النساء – مقاومة واقع الإفلات من العقاب بِتسريع النظر في الشكاوى من قبل القضاء و بِإنزال الأحكام الضّرورية ضدّ المُعتدين ٬ – إدْماج مفاهيم حقوق الإنسان و مناهضة العنف ضد النساء في المناهج التعليمية ٬
– وضح حدّ لِفصول قانونيّة تشرّع بِطريقة ما للعنف ضد المرأة (على غرار الفصل 13 من مجلة الأحوال الشخصية׃ليس للزوج أن يجبر المرأة على البناء…)٬
– احْترام مواد الدستور الداعيّة إلى المساواة بين الجنسين ٬وذلك بِمراجعة القوانين كافة التي تخالف مبدأ المساواة ٬ منها ما جاء في׃ مجلة الجنسية و المجلة الجزائية و مجلة الأحوال الشخصية و مجلة الشغل. فأحدّ أسباب العنف يكمن في واقع التمييز الواقع على المرأة.
فلْنرفع أصواتنا عاليّا إذن لنقول ׃ ” فلْيتوقف العُنف ضدّ النساء بِكافة أشكالِه “.
*ناشط حقوقي.
هوامش:
1 – أنظر موقع الالكتروني “زووم تونيزيا”.
2 – أنظر ما تعرّضت إليه بية الزردي من عنف لفظي من “مغني” راب. فعِوض أن يلقى ذلك الاعتداء الاستهجان و أقصى التنديد يتبادل بعض إعلام الموضوع و كأنه حادثة عادية.
3- رقم قدمته وزارة المرأة׃أكثر من 40 ألف قضية عنف ضد المرأة و الطفل من فيفري 2018 الى ديسمبر 2018 ׃ أنظر ” شمس فم” بتاريخ 28 مارس 2019.
4- أنظر رسالة جمعية النساء الديمقراطيات الموجهة إلى رئيس الحكومة ׃ حقائق أون لاين بتاريخ 1 ديسمبر 2019.
شارك رأيك