المنصف المرزوقي وصل إلى “مرحلة اليأس” وٱقتنع، في قرارة نفسه، ب” نهايته السياسية المحتومة” خاصة بعد إندثار الحزب الذي بعثه (“المؤتمر من أجل الجمهورية “)، كما أن الحزب الذي أراده معوضا لهذا الأخير (“حراك تونس الإرادة “) ولد ميتا، وهو بذلك يدفع ضريبة شتمه للتونسيين وخدمته لأجندات قطر والاخوان المسلمين.
بقلم مصطفى عطية *
أعلن مؤخرا الرئيس المؤقت سابقا والمنهزم في في موعدين إنتخابيين رئاسيين إثنين، محمد المنصف المرزوقي، عن انسحابه النهائي من المشهد السياسي، وإذا ما نظرنا لهذا القرار من منظور جدي وذي مصداقية فإننا لا نعتقد مطلقا أنه يمثل خسارة سياسية لأي جهة إذا ما استثنينا جماعة الإخوان المسلمين ودولة قطر التي سهرت على إيوائه والإحاطة به زمن “عبوره الصحراء ” كما يقول المثل الفرنسي في وصف “فترة المتاهة”، ثم حرصت على دعمه سياسيا وإعلاميا لما ارتقى إلى سدة الرئاسة المؤقتة بسبعة آلاف صوت من بقايا أصوات ناخبي ولاية نابل !
الرئيس المؤقت الذي شتم التونسيين ووصفهم بأقذر النعوت
أما إذا كان هذا القرار مناورة أو بالون اختبار لقياس مستوى ردود الفعل السياسية والشعبية، على الطريقة التي عودنا بها صديقه الهاشمي الحامدي، فإن الأمر يصبح فصلا جديدا في مسرحية “الفضائح المرزوقية”.
يتذكر التونسيون جيدا وبكثير من المرارة أن المرزوقي فتح أبواب قصر قرطاج أمام الإرهابيين، وشارك في عملية تسليم البغدادي المحمودي للمليشيات الليبية، وحرض ضد سوريا، وتسبب في العديد من من المشاكل الديبلوماسية مع مصر والإمارات والسعودية والبحرين والجزائر وروسيا، وغض الطرف عن عمليات تسفير الكثير من التونسيين والتونسيات إلى بؤر التوتر للقتال وممارسة “جهاد النكاح “، وأهان كل التونسيين عندما انحنى صاغرا لتقبيل يد الملك المغربي محمد السادس، وكانت التصريحات التي دعا فيها التونسيين إلى الإصطفاف وراء قطر في خلافها مع بعض البلدان الخليجية والعربية قد فضحت طبيعة “علاقته المسترابة” مع هذه الدولة ونظامها وأثارت ردود فعل سياسية وشعبية مكثفة وعنيفة في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الإجتماعي والمنابر الشارعية، وقد وصل الأمر ببعض الأطراف المحتجة، في تلك الفترة، وأمام هول تصريحاته، إلى التفكير في التظاهر أمام مجلس النواب لقطع المرتب الشهري الضخم الذي يتقاضاه من جيوب دافعي الضرائب الذين شتمهم ووصفهم بأقذر النعوت في أحاديث خص بها قناة الجزيرة القطرية، علما وأن المرتب التي يتقاضاه يقدر ببثلاثين ألف دينار، إضافة إلى الإمتيازات الكبيرة الملحقة به، علما وأن هذا المرتب والإمتيازات أقرهما الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، وهو الإرث الوحيد الذي تركه هذا الأخير وحافظ عليه المرزوقي عندما أصبح رئيسا مؤقتا لسنة واحدة لكنه بقي عنوة ثلاث سنوات كاملة.
رجل الإنقلابات في المواقف
ليست هذه التصريحات الإستفزازية التي سردناها هي الأولى التي تصدر عن المرزوقي منذ فشله في الإنتخابات الرئيسية الأولى ثم الثانية، بل تعددت منذ تلك الفترة على إيقاع “تصعيدي” غريب لا يليق برئيس جمهورة سابق، حتى وإن كان مؤقتا ومنتخبا في المجلس الوطني التأسيسي بفواضل الأصوات كما ذكرنا آنفا، إذ هو لا يعير اهتماما لواجب التحفظ الذي يعتبر من أهم الإلتزامات القانونية والأخلاقية لكبار مسؤولي الدولة.
يمكن أن نصدق المرزوقي في إعلانه عن ٱنسحابه من الحياة السياسية بعد الهزيمة المذلة التي مني بها في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة لكن الذين يعرفونه وخبروه طيلة مسيرته يدركون جيدا قدرته على التغير والتلون والتراجع بطريقة إستفزازية وصادمة، فقد بدأ قوميا ناصريا ومعارضا شرسا “للأممية الإسلامية” ثم تحول فجأة إلى شيوعي ملحد قبل أن يرتمي في أحضان الوهابية دون أن يتبنى أفكارها بشكل رسمي وواضح ولكنه إقترب منها كثيرا وتعامل مع رموزها كما تعامل مع رموز الإخوان المسلمين وٱنخرط في مشروعهم، دون أن ننسى دعمه للرئيس زين العابدين بن علي في أواخر تسعينات القرن الماضي كما تدل على ذلك كتاباته الصحفية الموثقة، كما لم تكن مسيرته “الحقوقية” مستقرة هي الأخرى، فبالرغم من دفاعه المستميت على طالبي اللجوء السياسي، والذي كان أحدهم في فترة من الفترات، سمح، عندما أصبح رئيسا مؤقتا للجمهورية، وكما أشرنا إلى ذلك في ما سبق، بتسليم اللاجئ السياسي الليبي البغدادي المحمودي إلى المليشيات المسلحة في هذا القطر، في خيانة علنية للمبادئ التي كان يدعي تبنيها والترويج لها.
الرئيس المؤقت السابق من مرحلة اليأس إلى النهاية السياسية
يرى البعض أن المرزوقي لم يغفر للشعب التونسي إسقاطه وإذلاله في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة فسعى إلى رد الفعل بإعلان إستقالته من المشهد السياسي موهما نفسه بأن الجماهير ستخرج أفواجا لمطالبته بالتراجع عن قراره !
أما البعض الآخر فيعتقدون أن المرزوقي وصل إلى “مرحلة اليأس” وٱقتنع، في قرارة نفسه، ب” نهايته السياسية المحتومة” خاصة بعد إندثار الحزب الذي بعثه (“المؤتمر من أجل الجمهورية “)، كما أن الحزب الذي أراده معوضا لهذا الأخير (” تونس الإرادة “) ولد ميتا، وهو ما دفع به إلى لعب كل أوراقه الإستفزازية دفعة واحدة وذلك بٱستهداف السلطة الحالية وتركيبتها ورموزها والأحزاب السياسية بمختلف إتجاهاتها ومهما كانت مواقعها في الحكم أو المعارضة، ثم الشعب التونسي برمته، قبل أن يرمي بالمنديل صدقا أو تمويها.
لا بد من الإعتراف، والحال تلك، بأن محمد المنصف المرزوقي ظاهرة فريدة من نوعها في المشهد السياسي التونسي، ولا بد من التعامل معه على أساس تلك الصفة الخصوصية، حتى وإن كانت غرائبية، وليس بالمنطق التقييمي المتعارف عليه .
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك