أمام تزايد قضايا العنف ضد المرأة التي تصل حد القتل فإن اصدار قانون خاص بالقضاء على العنف ضد المرأة لا يكفي لمعالجة هذه الظاهرة التي استفحلت في المجتمع التونسي وأخذت أشكالا مخيفة خلال السنوات الأخيرة إذا لم تتوفر إرادة سياسية فاعلة وإمكانات مادية و لوجستية واليات لإنفاذ القوانين والإجراءات على أرض الواقع.
بقلم فيروز الشاذلي
جرائم القتل البشعة في تونس تزداد وحشية والسمة المشتركة بينها أن المرأة هي في أغلب الحالات المستهدفة والضحية. فهي مازالت تمثل الحلقة الضعيفة في المجتمع و كل ما يتم الترويج له من السبق في الحقوق التي تتمتع بها المرأة التونسية بالمقارنة مع قريناتها في الدول الأخرى يحتاج إلى التنسيب، كما أننا نحتاج اليوم إلى توفير آليات تنفيذ قانون القضاء على العنف ضد المرأة حتى يكون في خدمة الشرائح الاجتماعية الهشّة والخروج من منطق النخبوية الدعائية.
موجة من جرائم القتل الفظيعة
كانت أكثر الجرائم فظاعة ما أقدم عليه مؤخرا زوج شاب من معتمدية أولاد الشامخ بولاية المهدية من ذبح لزوجته من الوريد إلى الوريد بلا رأفة تجاه شريكة حياته ثم لم يكتف بذلك بل قام بعد قتلها بإلقاء جثّتها في سبخة بالمنطقة قبل أن يسلّم نفسه للسلطات الأمنية وحسب الاعترافات الأولية للقاتل فقد برّر جريمته بوجود خلاف سابق بينه وبين زوجته.
في جريمة شنيعة أخرى شبيهة بما وقع في المهدية أقدم شاب بولاية قفصة على قتل خطيبته ودفنها قبل أن يبلغ أهله بالجريمة ويلوذ بالفرار، لتتواصل هذه الجرائم الفظيعة ضد المرأة بإقدام شاب على قتل صديقته داخل منزل في طور البناء بمدينة صفاقس حيث أقام معها علاقة جنسية ليقوم لاحقا بقتلها بعد ضرب رأسها على الأرض عدة مرات وخنقها إلى حد الوفاة، ثم يضع جثتها في كيس بلاستيكي ويخبئها تحت سرير خشبي ويغادر المكان.
وفي تواصل لهذه الموجة الفظيعة أقدم مؤخرا شاب من معتمدية أكودة بولاية سوسة على قتل صديقته بواسطة قطعة آجر (ياجور) على مستوى الرأس عدة مرات، مخلفا لها جروحا دامية عميقة على مستوى الجبين والوجه و العينين مما أدى إلى وفاتها.
إحصاء جرائم القتل ضد المرأة الأسبوع في الفترة الأخيرة لم يتوقف إلا بإضافة جريمة أخرى كانت ضحيتها فتاة بأحد النزل بمنطقة كورنيش بوجعفر حيث أكد مصدر طبي أن الهالكة تعرضت للخنق باليد وإصابة بليغة على مستوى الرأس.
مكتسبات حقوق المرأة التونسية مازالت نخبوية
تعودنا في تونس على إبراز المكتسبات و الحقوق العديدة التي تتمتع بها المرأة التونسية مقارنة بالمجتمعات الأخرى و للحقيقة فهذا في جزء كبير منه واقعي و يعبر عن المكانة المتميزة التي أصبحت تحتلها المرأة التونسية في مجتمعنا و اكتساحها لجميع المجالات مساهمة منها في بناء الدولة التونسية، لكن رغم ذلك تبقى هذه الحقوق نخبوية وعلى أرض الواقع لم تشمل المرأة في أعماق الشرائح الاجتماعية الهشّة التي تعاني الأمريّن ونستطيع القول أنها فشلت في توفير الحماية اللازمة للمرأة الكادحة صلب المجتمع سواءا في ظروف العمل كالعاملات الفلاحيات وخاصة ما تتعرض له المرأة من عنف أسري تتطور في الآونة الأخيرة إلى عنف قاتل ومدمّر للعائلات وهذا ما تبيّنه الإحصائيات الرسمية للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، إذ تتعرض47% على الأقل من النساء للعنف الأسري في حياتهن.
هذا الإستهداف نتيجة تحوّل المرأة إلى ضحية لأزمة مجتمعية ترجع لعدة أسباب رئيسية أولها استمرار فعل الموروث الاجتماعي والثقافي التقليدي والتي تقوم على مفاهيم السيطرة والإخضاع لا على الحوار، السبب الآخر فيعود للتساهل مع ظاهرة العنف ضد المرأة في الأوساط الاجتماعية الشعبية. من جهة أخرى فإن التربية السائدة في العائلة العربية عموما تشرّع العنف ضد المرأة بالرغم من تعارضها مع تعاليم الدين الإسلامي.
قانون القضاء على العنف ضد المرأة مازال بعيدا عن الواقع
قانون القضاء على العنف ضد المرأة و الذي يشمل العنف الأسري، والذي أقره البرلمان التونسي في سنة 2017، كان خطوة مفصلية لحقوق المرأة في تونس ولكن رغم الاحتفاء بهذا الإنجاز على المستوى الوطني إلا أنه بقي بعيدا عن الواقع الصعب للمرأة التي تتعرض للعنف خاصة أن غالبية جرائم القتل ضد النساء سبقها التعرض للعنف من نفس الشخص القاتل ولكن عدم توفر حماية لها وردع الشخص المعتدي سهّل من عملية المرور للعنف القاتل وهذا يرجع بالأساس إلى عدم توفير الآليات اللازمة وخاصة التمويل المالي لمنظومة حماية المرأة ضد أشكال العنف وتوفير الأمن للنساء الناجيات من العنف.
القانون يتضمن التزامات بمساعدة الناجيات من العنف الأسري، منها تقديم الدعم القانوني والطبي والمتعلق بالصحة العقلية. كما يسمح هذا القانون للنساء بالتماس أوامر زجرية ضد مرتكبي الانتهاكات ضدهن، دون تقديم دعوى جنائية أو طلاق كإلزام الجاني المعتدي بإخلاء المنزل والابتعاد عن الضحية وأطفالها، والامتناع عن العنف أو التهديد أو الإضرار بالممتلكات أو الاتصال بالضحية.
يبقى أهم تحدي للتطبيق الكامل لهذا القانون هو دعم عمل وحدات للعنف الأسري داخل قوات الأمن الداخلي لمعالجة شكاوى العنف الأسري التي نص عليها القانون ولكن للأسف مازالت هذه الوحدات لم يتم دعمها لوجستيا فحتى الآن لا توجد أوامر أو قرارات ترتيبية صادرة بالرائد الرسمي تبيّن تركيبة هذه الوحدات و التي من المفروض حسب قانون تجريم الاعتداء على المرأة أن تضم على الأقل امرأة واحدة و مختص في سماع الضحايا وهو ما لا تتوفر عليه أغلب هذه الوحدات.
إلى جانب هذه المشكلة التنظيمية لهذه الوحدات التي نصّ عليها القانون هناك المشكلة الأكبر وهي توفير الأمن للضحايا بعد الاعتداء فالقانون يشترط على هذه الوحدات بالتنسيق مع الجهات المختصة إحالة النساء إلى الملاجئ إذا كنّ في أمس الحاجة إليها إلا أنه لا يوفر آليات لتمويل ملاجئ حكومية أو غير حكومية.
هذه المشكلة تصطدم بعدم وجود طاقة استيعاب كافية بالنسبة لأماكن الإيواء الآمنة التابعة بالأساس لوزارتي الشؤون الاجتماعية و وزارة المرأة كما أن القانون لا يتضمن أحكاما تنص على تزويد الحكومة بالمساعدة المالية في الوقت المناسب لتلبية احتياجاتها أو مساعدتها في إيجاد مساكن طويلة الأجل، باختصار لا ينصّ القانون على كيفية تمويل الدولة للبرامج والسياسات التي وضعتها في القانون.
شارك رأيك