الثقافة الجنسية أمر ضروري لأطفالنا، نعلمهم كيف يدافعون عن أنفسهم عندما يريد أحدهم أن يمسّهم بسوء، ولا يخضعون له بالقول ولا بالإغراء ولا بأي نوع من الأنواع وليُظهروا الصلابة في أقوالهم ويستنجدوا بالناس من حولهم، ويبلغوا أهاليهم بما يتعرضون له خلال رحلتهم المدرسية … لكنها غير كافية لمواجهة غول الإعتداءات الجنسية على الأطفال.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
بعد الاستشعار بالخطر الداهم على طفولتنا، وتعرضها للانتهاكات الجنسية المتكررة، دون مثول الكثير من المعتدين على الأطفال أمام المحاكم وتكتم بعض الأطفال الشديد على ما يتعرضون له، ربما خوفا من عقاب الأسرة، وإخفاء الجريمة من قبل الأهالي خوفا من الفضيحة أيضا، بادرت الدولة التونسية إلى تضمين المناهج الدراسية الثقافة الجنسية حتى يتعلم الطفل وهو في مراحل عمره الأولى تفسير ما يفعله المجرمون الذين يقتنصون الفرص لإغواء الطفل وإغرائه سواء بلعبة أو مال أو غيره ليفعل به ما يشاء، ويتعرض الطفل بذلك لانتهاك جنسي وجسدي فاضح.
وبما أن الأمر قد فاق التوقع ولم يكن حالة شاذة عابرة بل أصبح أمرا محيرّا ومقلقا، رأت الدولة أنه من الواجب عليها أن تمنهج المناهج وتدخل فيها ما يقي الطفل من هذه الانتهاكات التي تبدو غير صحية في مجتمع مسلم ومثقف، ومن يفعل هذه الأفعال هو شخص مضطربٌ نفسيّا، شاذٌّ سلوكيّا وحيوانٌ جنسيّا، يستغل ضعف الأطفال البدني وعدم معرفتهم بتصرفاته القبيحة ومآربه الشخصية ونزواته الشيطانية، وأمام هذا الاستشراء كان ينبغي وضع حد لهذه التصرفات الغريبة والعجيبة.
إدراج مادة التربية الجنسية في المنهج الدراسي ينبغي أن يخضع لضوابط
فجميلٌ أن يعرف أطفالنا في تونس التحوّلات الجسدية التي تطرأ في حياتهم الشخصية وفي نموهم وتدرجهم البيولوجي، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، والأجمل من ذلك أيضا أن يعرف الطفل كيف يدافع عن نفسه من الإغراءات التي تستخدمها الذئاب البشرية للانقضاض على الأطفال الأبرياء واستخدامهم لإشباع رغباتهم الجنسيّة والحيوانية دون أي اعتبار لبراءتهم وطفولتهم وحقّهم في الحياة والعيش بأمان، لكن إدراج هذه المادة في المنهج الدراسي ينبغي أن يخضع لضوابط حتى لا تخرج عن نطاقها الطبيعي، وأن يضع المنهجَ أساتذة متخصصون لهم باع طويل في التربية والثقافة، بل لديهم معرفة واسعة بعلم النفس، حتى تأتي المادة مرتّبة ومنقّحة حسب عمر الطفل وتتدرج شيئا فشيئا حسب نموّ الطفل وبالتالي يمكن أن تساهم ولو بشكل بسيط في تغير الطفل وسلوكه تجاه من يريد أن يعتدي عليه بأي طريقة من الطرق التي يستخدمها.
لكن إدراج هذه المادة في المنهج الدراسي التونسي لا يكفي للقضاء على الجريمة، فقد يستخدم المعتدي القوّة لتحقيق مآربه إذا تعنّت الطفل وعانده، ومن هنا لا نستطيع القضاء على الجريمة كليّا، بل يمكن أن تقلّ قليلا فقط، والأفضل طبعا أن يكون هناك قانون رادع يمكن من خلاله معاقبة المعتدي بعقاب أليم حتى لا تحدثه نفسه أو غيره بالاعتداء على البراءة والطفولة وحتى لا يقدم المجرم على فعله إذا تذكر ما ستؤول إليه الأمور، فالاعتداء الجنسي من أخطر الاعتداءات التي تسبّب للطفل ألما نفسيا كبيرا فضلا عن الألم الجسدي، ويصبح مضطربا طوال حياته، وقد يتحول إلى شخص عنيف إذا ازدادت حالته سوءا، وقد ينعزل عن أسرته ومجتمعه فيعيش حالة من اللاوعي، الاكتئاب الشديد قد يؤدي به إلى الانتحار في النهاية وهو ما نقرؤه في وسائل الإعلام التونسية المختلفة وينذر بسوء، حيث ازدادت حالات الانتحار في صفوف الأطفال في تونس لتعرضهم للاغتصاب، مما يدق ناقوس الخطر فعلا للتحرك العاجل من الدولة وإرساء قوانين رادعة وقوية لوقف النزيف وإلا ستحل الكارثة.
توفير حافلات تقل الطلبة والطالبات الصغار من منازلهم إلى مدارسهم
على الحكومة الجديدة بكافة توجهاتها أن تراعي هذا الأمر وتوليه الأولوية القصوى لان يمس شريحة كبيرة من أطفالنا، خاصة وأنها لا توفر للطفل البيئة المناسبة للتعلم حيث يقطع المسافات الطويلة للوصول للمدرسة مما يجعل ضعاف النفوس يستغلون الفرص ويفعلون بأطفالنا الأفاعيل كيفما شاؤوا دون محاسبة ولا مراقبة ولا عقاب ، ولذلك تفشى هذا الأمر في مجتمعنا، حيث تقود الغريزة هؤلاء إلى مرتع الجريمة ولا يبالون بالنتيجة الكارثية عليهم وعلى الأطفال المستهدفين، صحيا ونفسيا، وبالتالي من الضرورة بمكان أن تستنفر وزارة المرأة والطفولة قواها لمطالبة الدولة بتوفير حافلات تقل الطلبة والطالبات الصغار من منازلهم إلى مدارسهم، والعودة بهم بأمان، حتى نقي أطفالنا من شر النفوس الضعيفة.
وبهذا يمكن القول إن الثقافة الجنسية أمر ضروري لأطفالنا، نعلمهم كيف يدافعون عن أنفسهم عندما يريد أحدهم أن يمسّهم بسوء، ولا يخضعون له بالقول ولا بالإغراء ولا بأي نوع من الأنواع وليُظهروا الصلابة في أقوالهم ويستنجدوا بالناس من حولهم، ويبلغوا أهاليهم بما يتعرضون له خلال رحلتهم المدرسية، فهذا ما ينبغي أن نعلمهم إياه في هذه المرحلة.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك