في ظل أزمة اقتصادية وتوثر اجتماعي ومناخ سياسي متوتّر، كيف ستنشأ هذه الحكومة التونسية الجديدة؟ وأمامها مجلس نواب مضطرب جدا، تسوده الخلافات الأيديولوجية العميقة، حتى لا تكاد تُعقد جلسة حتى تنبري الأصوات عاليا تنادي بأيديولوجيتها المعهودة تاركة خدمة الوطن وراء ظهرها، ولم نعد نرى الانسجام والاحترام والعمل من أجل غد أفضل الذي ينبغي أن يكون بين أعضاء مجلس النواب،
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
ينتظر الشارع التونسي بفارغ الصبر ولادة الحكومة الجديدة التي تأخّر تشكيلها بعد أن كلّف السيد قيس سعيّد، رئيس الجمهورية التونسية، السيّد الحبيب الجملي رسميّا بتشكيلها، وظل الشارع التونسي يترقب ما ستؤول إليه المشاورات التي بدأها رئيس الحكومة المكلّف حتى تتشكل هذه الحكومة وتباشر عملها في أقرب الاجال، لأن الأوضاع الاقتصادية على الحافّة، واختلطت معها الأوضاع الاجتماعية وربما النفسية أيضا وهذا ما تفسره حالات الانتحار المتعددة التي حدثت أخيرا وتنبئ بوجود إخلالات كبيرة في الدولة التونسية تحتاج إلى تدخّل سريع وإعادة هيكلة لكل القطاعات، وأهمها في هذه الفترة قطاعا الصحة والتعليم.
حتى تسترجع الدولة الثقة المفقودة من الشعب
كما أن الحكومة مطالبة باستحداث جهاز رقابة صارم للإدارة التونسية التي تميّعت وخرجت عن السكة ولم تعد تؤدي دورها كما ينبغي في ظل التساهل المعتاد بعد الثورة، والإضرابات المتعددة التي تخفي الوجه الآخر القبيح لها، ومن ثم فإن المراقبة اللصيقة للإدارة وكل العاملين في قطاع الخدمة المدنية ومتابعة ما يقدمون من أعمال وخدمات للوطن مهم جدا في هذه المرحلة.
وفي الوقت نفسه يجب ألا تتسامح الدولة مع أي كان يريد أن يقضي وقته دون أن يقدم شيئا يُذكر ودون أن يؤدي عمله بسرعة وإتقان، فخدمة المواطنين مهم جدا في هذه المرحلة الحساسة، حتى تسترجع الدولة الثقة المفقودة من الشعب.
وفي ظل مناخ متوتّر، كيف ستنشأ هذه الحكومة؟ وأمامها مجلس نواب مضطرب جدا، تسوده الخلافات الأيديولوجية العميقة المسيطرة على الوضع، حتى لا تكاد تُعقد جلسة حتى تنبري الأصوات عاليا تنادي بأيديولوجيتها المعهودة تاركة خدمة الوطن وراء ظهرها، ولم نعد نرى الانسجام والاحترام والعمل من أجل غد أفضل الذي ينبغي أن يكون بين أعضاء مجلس النواب، وإنما أصبحنا نسمع أصواتا نشازا، تعبر عن فتنة قد تبرز في أي لحظة لتشعل الخلافات كما هو حادث الآن بعد أن نطقت نائبة من حزب النهضة بكلمات بذيئة سبّت زملاءها من كتلة الدستوري الحر واعتبرتهم “كلوشارات” وهي لفظة تونسية باللهجة العامية تعني قُطّاع الطرق مما حدا بالكتلة المستهدفة إلى أن تقوم باعتصام وتوقف جلسات البرلمان إلى أن تعتذر النهضة عما صدر من نائبتها، وإلا سيبقى الاعتصام مفتوحا، مع خلافات أخرى عميقة بين الأحزاب في تشكيل الحكومة المقبلة والتي أرى أن تشكيلها قد يعكّر الأمور أكثر مما يصلحها.
وحول هذا الموضوع يبدو أن السيد الحبيب الجملي متردّد في اختيار الوزراء المناسبين، أهو سيختار من الأحزاب التي تكتّلت لتشكيل حكومة وتبنّت الخط الثوري، أم سيشرك جميع الأحزاب فيها، أم سيطعمها بالمستقلين الأكفاء، وهل ستكون الحكومة المقبلة حكومة أحزاب فقط، أو حكومة تكنوقراط فقط، أو مزيجا بين الاثنين؟ ولهذا صار الشارع التونسي يشكّك في قدرة الجملي على تشكيل الحكومة المرتقبة.
تحديات ليست سهلة أمام الحكومة القادمة
ومهما كانت التكهّنات فإن السيد الحبيب الجملي أعلن الأسبوع القادم موعدا لتشكيل الحكومة، لكن الذي يحزّ في النفس حقا أن الشارع التونسي لا يكترث لمثل هذه الإعلانات ما لم تحمل الحكومة أسماء تبنت الاتجاه الثوري الذي بنيت عليه الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وما لم تعلن الحكومة الجديدة أن أولوية برنامجها السياسي محاربة الفساد بكل أشكاله ملفًّا ملفًّا دون إقصاء أي ملفٍّ، ودون محاباة لأحد، وإنعاش الاقتصاد التونسي، ورفع العملة المحلية وخفض الأسعار إلى مستوى يقدر المواطن التونسي أن يعيش بسهولة، وكلها تحديات ليست سهلة، ولكن يمكن تحقيقها في ظل الإرادة والعزيمة والإصرار على الوصول للهدف بأي ثمن.
وفي ظل التجاذبات السياسية المعهودة، على الحكومة أيضا أن تعرف كيف تتعامل مع الإتحاد العام التونسي للشغل الذي أعلن أمينه العام نور الدين الطبوبي أنه لن يتوانى في مراقبة الحكومة ويدعوها صراحة إلى الاهتمام بالمواطن التونسي أيًّا كان وأينما كان، ومتابعة حاجياته الأساسية، ويقول أنه لن يسكت على أي تجاوز منها، ويطالب بقضاء نزيه يكشف الجناة الذين كانوا وراء الاغتيالات السياسية كمحمد البراهمي وكري بلعيد ومحمد الزواري وغيرهم الذين قضوا في تونس، ويهددها بمواصلة النضال والإضرابات كلما دعت الحاجة لذلك.
ولكن أيضا في المقابل نطالب من جهتنا الحكومة بالتدقيق في حسابات الاتحاد العام التونسي للشغل وجعله خاضعا للمراقبة الدقيقة، حتى تمارس الدولة واجبها، وتنفض غبار الشك لدى كثير من التونسيين أن الاتحاد العام التونسي للشغل وكرٌ للفساد المالي ويطالبون بحلّه إن اقتضى الأمر ذلك.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك