مسرحية “سيكاتريس” المدرجة ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية في دورتها الواحدة والعشرين تابعها جمهور الفن الرابع يوم الأحد 8 ديسمبر بقاعة الفن الرابع وهي من إنتاج فضاء لارتيستو أخرجها غازي الزغباني وكتب نصها حاتم جوهر وقدّم أدوارها محمد حسين قريع ونادية بوستّة ومريم الدريدي ومحمد علي القلعي وطلال أيوب.
“سيكاتريس” تحكي قصة صحفي تعرّض لشتى أنواع القمع والظلم في فترة النظام الديكتاتوري جعلته يتحوّل إلى مدمن كحول لينتهي به الأمر في مستشفى الأمراض العقلية… هناك يستحضر مراحل مختلفة من محطات حياته: الحب والخيانة وفقدان الأمل والحلم… كلها خلّفت جراحا في النفس والروح قد لا تراها العين ولكن وقعها في الداخل عميق وموجع، ندوب يحسّها ولا يتحسّسها، ولا تجدي معها المراهم نفعا…
بداية عنيفة اختارها غازي الزغباني لهذا العمل الموجع، عنيفة عنف الانكسارات التي تتالت على بطل العمل…حكاية ذات تفاصيل معقدة تبدأ بالسرد: رجل وامرأة في مقدّمة الركح أمام المصدح وخلفهما رجل وامرأة تبدو عليهما علامات الإعياء والتوتر، حكايتهما يرويها بلهجة واضحة المرأة والرجل أمام المصدح… يخرجان أحيانا ونتابع تفاصيل تعارفهما وانكسارات كل واحد منهما وحياتهما المحطمة بأسلوب استعادي (فلاش باك) في البيت والحانة والجريدة… لا شيء يتغير على الركح سوى لون مفرش الطاولة وطريقة تصفيف الكراسي كدلالة على تغيير الأمكنة والأزمنة.
هي: راقصة فاتنة شغلت كل حرفاء الحانة وقع في حبها من أول نظرة وتزوجها وحوّلها إلى امرأة عادية تنتظر عودته لتخدمه وتتعرض لشتى أنواع الاهانات من طرف الزوج الذي يفرغ في جسدها كل نقمته على العالم والوضع…
هو: صحفي بالقسم السياسي وقع ضحية تزلّف ونفاق وانتهازية رئيس التحرير ليتحول إلى صحفي مجمّد يحرر “حظك اليوم” وملاحَق، يسكر كل ليلة حتى يفقد وعيه ويحمله النادل (تهامي) إلى بيته ليصبح هذا الأخير عشيقا للزوجة بعدما ورّطه في ديون متراكمة.
زمن المسرحية نتبيّنه من مكتب رئيس التحرير: بداية العدوان على العراق ومن هناك تتالى الأحداث إلى أن تصل لتونس بعد الثورة، زمن فُقدت فيه البوصلة الاجتماعية والأمنية حيث يتعرض البطل إلى العنف الشديد من قبل مجهولين يظل على إثره ثلاثة أيام في العناية المركزة ومنها يُنقل إلى مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية… في الأثناء يتحول النادل (تهامي) إلى واحد من أثرياء الثورة ويجبر الزوجة عن طريق محاميه على بيع البيت الذي ولدت فيه وتزوجت وعاشت حكايات الحب والألم ويرمي بها في الخارج…
أمّا الزوج/الصحفي والمريض فيظل تائه الفكر مغيّبا عن الواقع يعيش على ذكرى امرأة اسمها “مها” يتهم زوجته بقتلها، تنبيّن لاحقا أنها لم توجد أصلا وإنما هي طيف صنعه خياله الحالم بامرأة لم يلتقيها على أرض الواقع وإنما تمنّاها عاشقة صادقة.
“سيكاتريس” عمل جريء في طرحه وتناوله حمل كلّ أوجاع المجتمع ولخّصها في شخصيتين، رجل وامرأة وبينهما طيف… حلم لم يتحقق ضاعت في ثناياه الذاكرة والشخصيات والملامح… “سيكاتريس” في نظرة عميقة هي حكاية وطن شوّهته الندوب وخلخلته الانكسارات.
شارك رأيك