بعد مرور تسع سنوات على ثورة 17 ديسمبر 2010، حان الوقت لإنهاء هذه المهازل التي تسيء للبلاد وديمقراطيتها الناشئة وذلك بتطبيق القوانين المعمول بها والإلتزام بشروط الحرية وقيم ومبادئ الديمقراطية لأن تواصل مثل هذه المهازل والفضائح والدونكوشوتيات والفلكلوريات سيزيد في إحباط المواطنين ويعمق شعورهم بخيبة الأمل ويوسع الفجوة بينهم وبين السياسيين ويقلص، تبعا لذلك، من مشاركتهم في الشأن العام بالبلاد…
بقلم مصطفى عطية *
بدأت مكعبات الزيف والإنتهازية والغش والتحيل بٱسم “لثورة” وتحت مظلات “الحرية والحقوق” تتفكك وتتساقط بعد تسع سنوات من الجمر، وبدأ الأخطبوط الرهيب في الإنقضاض على رأسه في ٱنتظار الفتك به، وٱهتزت الأرض تحت أقدام كل الذين ركبوا سروج الحراك الشعبي في الساعة الخامسة والعشرين بعد حدوثه وتسللوا إلى قطاعات السياسة وحقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني والإعلام من بوابة الإنتهازية والإنتفاعية المبتذلة بعد أن عرت الوقائع المتواترة معدنهم الرخيص وكشفت زيفهم وخداعهم ومغالطاتهم طيلة ما تسع سنوات عجاف، لقد ” تسردكوا” و “تطاوسوا”على الشعب وٱنتهكوا ذكاءه وتظاهروا بالثورجية والنظافة ولكن ها قد تأكد أن حبل زيفهم قصير فسقطت أقنعتهم تباعا. ها هي الرؤوس التي “أينعت” في مستنقعات الغش والتحيل والتجارة بالدين والقيم الإنسانية تتساقط تتدحرج في مجاري الفضائح.
إن ما يحدث في تونس لا علاقة له، من قريب أو بعيد، بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والممارسات السياسية… وإنما هو ضرب من اللؤم والإسفاف والإستهتار والفساد وقلة الحياء!
أجل لقد تعددت مظاهر الإنحدار إلى دهاليز الحضيض، والشعب يتابع كرنفال الوضاعة والرداءة والسفالة بدهشة وٱستغراب وٱستياء…
السياسيون المشعوذون ورياح الإنتهازية الوضيعة
دأب العديد من المشعوذين السياسيين على الرقص على حبال الإثارة والإستفزاز وقد أبدوا من الإنحدار اللغوي والوضاعة السلوكية والإفلاس المعرفي والفساد المفضوح ما أفقدهم أدنى مصداقية لدى الرأي العام.
كنا نعتقد وهما، أن الأمر لا يتجاوز حفنة من قليلي الأدب وكثيري الفساد وعديمي الحياء، ولكننا إكتشفنا، بمرور الوقت وتواتر المصائب على الوطن والشعب، أنهم يمثلون جزءا هاما من هذه الطبقة السياسية والحقوقجية والإعلامية التي جاءت بها رياح الرداءة.
وكنا نعتقد، أيضا، ان بقاءهم في الساحة لن يطول ولكنهم تسمروا في كل أرجائها بل إحتلوا أهم المواقع فيها.
يحدث كل هذا في ظل موجات هادرة من الفوضى والإنفلات والتذبذب والإرتباك وانهيار هيبة الدولة ومؤسساتها دون أن تظهر في الأفق مؤشرات جدية لقرب إنتهاء هذا الكرنفال التراجيدي-الكوميدي، المشحون بكل أنواع الرداءة ، والذي حول العمل السياسي والحقوقي والإعلامي إلى ضرب من ضروب العهر.
ساحة سياسية موبوءة بالإفلاس
كان التونسيون يتندرون، في ما مضى من الزمان، بما يحدث أحيانا من مهازل في بعض البلدان القريبة منا حتى إكتشفوا فجأة ان ساحتنا السياسية الموبوءة بالإفلاس الفكري والأخلاقي والمعرفي تزخر بالغرائب والغرائبيين وبالفضائح والفضائحيين وبالفساد والفاسدين مما يؤكد، بوضوح، وجود خلل وظيفي خطير في هذه المنظومة الغارقة في الأوحال.
لن أتحدث أكثر من اللزوم عن المشاحنات والملاسنات والسب والشتم والقذف والضرب تحت الحزام والتشابك بالأيدي تحت قبة مجلس نواب الشعب، ولن أتعرض إلى المشعوذين الذين دأبوا في كل مناسبة على كشف ما يختزنونه من لؤم وقذارة ونشر الإشاعات الخطيرة لزعزعة الإستقرار الهش في البلاد ولكني سأتوفف هذه المرة عند هؤلاء الذين دأبوا على إلقاء دروس الوعظ والإرشاد والتظاهر بالتقوى والورع والإستقامة ونظافة اليد ولكن الأحداث أسقطت أقنعتهم وكشفت عن معدنهم الرخيص.
إنها علامة من علامات اإنحدار منظومة “مفيوزية” طالما هيمنت على البلاد، ولا بد من التحرك بجدية وفاعلية لفضح كل هؤلاء الذين إستفادوا من الفوضى والإنفلات وجعلوا منهما أصلا تجاريا لتأكيد حضورهم وتأجيج الصراعات وعرقلة كل محاولات الإصلاح و الإساءة للوطن والتذيل للبلدان الأجنبية وتنفيذ أجنداتها المشبوهة.
إنهم لا يستطيعون العيش إلا في بؤر التوتر والفتن ومجاري العمالة والخيانة وقواميسها المشحونة بالسوقية ومستنقعات التحيل والفساد والإثراء غير المشروع.
لقد تفطن الشعب، أخيرا، لحقيقة كل هؤلاء الذين أغرقوه، منذ ركوبهم سروج الثورجية الزائفة، في بحار من الشعارات الرنانة والوعود المغرية وفضح أكاذيبهم وترهاتهم وزيفهم…
ضرب المسار الديمقراطي في الصميم
حان الوقت لإنهاء هذه المهازل التي تسيء للبلاد وديمقراطيتها الناشئة وذلك بتطبيق القوانين المعمول بها والإلتزام بشروط الحرية وقيم ومبادئ الديمقراطية لأن تواصل مثل هذه المهازل والفضائح والدونكوشوتيات والفلكلوريات سيزيد في إحباط المواطنين ويعمق شعورهم بخيبة الأمل ويوسع الفجوة بينهم وبين السياسيين ويقلص، تبعا لذلك، من مشاركتهم في الشأن العام بالبلاد وهو ما سيتسبب في ضرب المسار الديمقراطي برمته في الصميم ويبدد الحلم بٱستعادة البلاد لعافيتها وخروجها من النفق المظلم الذي تردت فيه. من الحماقة.
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك