بعد أن شهدت تونس هذه السنة صابات استثنائية للقمح و الغلال الصيفية و التمور، ها نحن نعيش اليوم على وقع صابة أخرى استثنائية، هذه المرة في قطاع انتاج الزيتون. إذ تقول التقديرات أن تونس ستحتل هذا الموسم المرتبة الثانية عالميا، و للمرة الأولى في تاريخها، كأكبر منتجي زيت الزيتون بإنتاج مقدر بحوالي 350 ألف طن من زيت الزيتون الرفيع. وكسابقاتها، نعيش مع هذه الصابة القياسية جملة من الصعوبات المتراكمة أهمها ندرة اليد العاملة، ارتفاع تكلفة الجني و التحويل، الديون و تراجع الأسعار في السوق الداخلية كما العالمية.
بقلم محمد ذاكر الحداد *
أمام هذا الوضع الكارثي و المنبئ بفشل الموسم، تدخلت الدولة التونسية في خطوة أولى عبر تأجيل سداد ديون المتدخلين لدى المؤسسات المالية إلى نهاية موسم الجني. خطوة اعتبرها أهل القطاع غير كافية، فكان المجلس الوزاري المضيق الأخير و الذي أقر حزمة من الإجراءات الاضافية، و التي كان من أهمها دعم قدرة تدخل ديوان الزيت بصك إضافي ب100 مليون دينار و إعادة جدولة ديون المنتجين و إلغاء خطايا التأخير في سدادها.
إجراءات هامة رغم محدودية إمكانيات الدولة، في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، تأتي لتنظاف إلى جملة الاعتمادات الهامة التي تضخ سنويا لدعم القطاع الفلاحي، لكنها لن تساهم إلا في تأجيل الأزمة. فقطاع الزيتون كغيره من القطاعات الفلاحية الاستراتيجية في البلاد يعيش أزمة هيكلية.
أزمة هيكلية يساهم فيها و يتحمل مسؤوليتها جل المتدخلين
أزمة هيكلية يساهم فيها و يتحمل مسؤوليتها جل المتدخلين، دولة و فلاحين و مصدرين، فالقطاع لازال يسير بطرق و آليات عشوائية و متخلفة تتجلى بكثرة المتداخلين في القطاع و نقص المراقبة و التأطير و تشتت مراحل الإنتاج و كثرتها و ضعف طاقة استيعابها و افتقار أغلب المنتجين للتكوين الضروري، زد على ذلك جملة من الممارسات المتخلفة و الغير مدروسة. كل هذا يؤدي طبعا إلى ارتفاع تكلفة إنتاج و نقل و تحويل المحصول مما يجعل القطاع عاجزا عن مجابهة تقلبات السوق العالمية و يحرم المواطن من الانتفاع بهذا المنتوج بأسعار معقولة و يعمق من انخرام الميزان التجاري الفلاحي.
لضمان ديمومة هذا القطاع و لجعله ذي قيمة مظافة حقيقية على الاقتصاد الوطني، وجب الكف، في نظري، عن دعم هذه المنظومة الفاشلة و المتخلفة من أموال دافعي الضرائب، و توجيه هذه الاعتمادات في شكل تشجيعات لحث الفلاحين على التنظم في شركات تعاونية كبرى. شركات يقوم نشاطها على الجمع بين جل أنشطة القطاع من جني و تحويل و تسويق بمواصفات عالية و آليات متطورة و بطاقة تحويل و تخزين أكبر. ما سيمكن من التحكم في الكلفة وتخفيضها و يسهل الحصول على تمويلات و يحصن من تقلبات الأسعار في السوق الدولية و يغلق الباب على الدخلاء و على تبييض أموال التهريب و القطاع الموازي.
الفلاحة تعاني من غياب البرامج و الحلول الجريئة
لا يمكن المرور دون الحديث أيضا عن الدور السلبي الذي تأتيه جل نقابات القطاع و خاصة اتحاد الفلاحين نهضاوي الهوى، و الذي ما انفك منذ صعود مكتبه التنفيذي الحالي في السعي إلى تأجيج الأوضاع و بث الاشاعات و المغالطات بحثا عن تسجيل نقاط سياسية، لا عن مصلحة الفلاح المغرر به و الذي يدفعه ممثلوه في هذا الاتحاد إلى اتيان ممارسات لن تزيد واقعه إلا تأزما و قتامة. كل هذا أمام غياب شبه تام لسياسة اتصالية ناجعة لمصالح وزارة الفلاحة.
الفلاحة كانت و لا تزال عمودا من أعمدة الاقتصاد الوطني، لكنها اليوم بكل مجالاتها تئن و تعاني لغياب البرامج والحلول الجريئة. ومزيد من التأخير في فتح حوار شجاع وصريح حول آفاق تطويرها و تنظيمها، هي التي تشغل مئات الآلاف، سيؤدي بها إلى انهيار كارثي على اقتصاد البلاد و معيش التونسيين.
* مهندس و ناشط سياسي.
شارك رأيك