بعد هذا التدهور الذي شهدته حالة المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة يبدو أن تونس اليوم أمام سيناريوهات جديدة، وخيارات صعبة للغاية، بعضها كارثي لا يتحمله الشعب التونسي ولا يحتمله، وبعضها يمكن تحقيقه ولكن بصعوبة بالغة أمام التوتر الشديد الذي ظهر عليها الوضع الحالي.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد*
بعد الماراطون السياسي والمشاورات المكثفة التي أجراها الحبيب الجملي في الأيام الماضية لتشكيل الحكومة التونسية التي طال انتظارها ولم تخرج بعد إلى النور، وبعد بصيص الأمل الذي بثه الجملي في نفوس التونسيين بأن الحكومة المقبلة سيعلن عن تشكيلها الأسبوع المقبل، فاجأتنا الأحزاب المشاركة في تشكيلها بالانسحاب وعدم المجازفة في حكومة غير مستقرة، ورغم الموافقة المبدئية التي حصلت بين الأحزاب الأربعة في الأيام القليلة الماضية (حركة النهضة وتحيا تونس والتيار الديمقراطي وحركة الشعب) إلا أنه بعد مشاورات رؤساء الأحزاب مع مكاتبهم التنفيذية رأوا النأي بالنفس عن هذه الحكومة غير واضحة المعالم حسب رأيهم ولا تلبي رغبات المنضوين تحت لوائها، ولذلك عادت نقطة المشاورات إلى الصفر وخطوات سريعة إلى الوراء، وهذا يمثل خطورة كبيرة في مجتمع عاش فترات حرجة ولا يزال في مجالات الحياة المختلفة ويشهد تدهورا اقتصاديا واجتماعيا، ولا أدل على ذلك الاحتجاجات التي بدأت مع الاحتفال باندلاع الثورة والمصادمات مع رجال الأمن والشرطة للمطالبة بالحقوق التي سوف تموت مع موت السياسيين.
تدهور حالة المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة
وبعد هذا التدهور الذي شهدته حالة المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة يبدو أن تونس اليوم أمام سيناريوهات جديدة، وخيارات صعبة للغاية، بعضها كارثي لا يتحمله الشعب التونسي ولا يحتمله، وبعضها يمكن تحقيقه ولكن بصعوبة بالغة أمام التوتر الشديد الذي ظهر عليها الوضع الحالي، وبالتالي فإن حركة النهضة وهي الحزب الأكبر في البرلمان والمكلف بترشيح شخصية توافقية لرئاسة الحكومة تجد نفسها في طريق ضيق جدا ولم تعد أمامها خيارات مريحة، فإما أن تضع يدها في يد حزب قلب تونس كما فعلت في البرلمان لإنقاذ الموقف وتمرير الحكومة بيسر وسلاسة وهذا سيغضب أنصارها بالدرجة الأولى والمتعاطفين معها بالدرجة الثانية وسيجعلها محل انتقاد شديد لأنها قد وعدت الشعب التونسي بعدم إشراك حزب قلب تونس في الحكومة أيا كانت الظروف، وربما تحدث ثورة شبابية عارمة في وجه هذا الائتلاف إن حصل، وإما إن بقيت على رأيها بعدم إشراكه وفشل الحبيب الجملي في تشكيل حكومته وانقضت المدة اللازمة لذلك فإن من حق رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد أن يتدخل لترشيح شخصية أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة.
ويبدو أن السيناريو الثاني حتى وإن حصل، يبقى الصراع بين الأحزاب قائما، ولن تستطيع أي شخصية أخرى أن تشكل الحكومة الجديدة في ظل هذا الصراع الذي يزداد حدة يوما بعد يوم، ولم تعد تونس تتحمل تبعات هذا النزاع، وبدأ صبر الشعب التونسي ينفد أمام هذا التراخي المتعمد نسبيا في إنقاذ الموقف وتحريك عجلة السياسة والاقتصاد المتوقفة أصلا.
إلى أسوأ السيناريوهات حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة
بالتالي وفي هذه الحالة سيضطر رئيس الجمهورية إلى أسوأ السيناريوهات التي ستكلف تونس غاليا وهي حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وتبقى حلبة الحكومة تتأرجح أشهرا أخرى ويبقى يوسف الشاهد على رأس حكومة تصريف الأعمال إلى حين إقامة الانتخابات البرلمانية، ولا يضمن أحد أن تبقى تونس على حالها خلال هذه الفترة سواء من قبل الشعب الذي لن يتحمل المزيد ويزداد احتقانا وثورانا على كل الأحزاب السياسية بما فيها حركة النهضة ويحمّلها مسؤولية الفشل الحاصل في تونس أو من قبل الأحزاب التي تتناثر وتتنافس من أجل الحصول على أكبر مقاعد في البرلمان القادم، وقد تتغيّر التشكيلة تماما وتنقلب رأسا على عقب، فتنتصر أحزاب كانت قد خسرت وتأفل أحزاب بعد أن برزت وقد تظهر مفاجآت جديدة لا نعلمها.
ويبقى الحل في تونس الاتجاه نحو نظام رئاسي يحفظ البلاد من الانهيار والإفلاس، بعيدا عن أي صراعات حزبية، وتكون الكلمة لرئاسة الجمهورية في تشكيل الحكومات، على غرار كثير من الأنظمة في العالم، على أن يكون هذا النظام مقننا ومنظما ومرتبا، بحيث لا يحق لرئيس الجمهورية الترشح أكثر من ولايتين، وله أن يعين نائبا له، ويشكل حكومته المقبلة، ويعرضها على البرلمان الذي من حقه أن يرفضها أو يقبلها، أو يقبل بعضها، وفق الأنظمة والقوانين، وتعيين مجلس استشاري يرجع إليه الرئيس في كل قراراته والتصويت عليه بأغلبية مريحة، إما بخمسين زائد واحد أو بأغلبية الثلثين، ويحق لهذا المجلس استجواب الرئيس إذا خالف الدستور أو تجاوز صلاحياته أو أصبح عاجزا عن أداء مهامه، ويحق له بعد النظر في حاله عزلَه وإقالَته إذا رأى ذلك وفق إجراءات معينة، على أن يضم المجلس الاستشاري خبراء وقانونيين وشرعيين لهم باع طويل في الحياة ويتميزون بالحيادية التامة والخبرة والنزاهة، وبالتالي نستطيع أن نحفظ تونس من أي تقلبات سياسية ونحافظ على البلاد من أي موجات، ويبقى البرلمان يمارس مهامه التشريعية والرقابية على الوزراء في البلاد ومن حقه استجوابهم ورفع تقارير بشأنهم إلى رئاسة الجمهورية للنظر وإصدار القرارات في حقهم.
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك