من الأدوات الإعلامية معروفة المصالح ذهبت مباشرة إلى اختصار الزيارة في انحياز تونس لطرف على حساب آخر وتم بكل وضوح التشويش على المضمون الحقيقي للندوة الصحفية وتصريحات الرئيسين قيس سعيد و رجب طيب أردوغان و اقتصار الأخبار المتداولة على التحليلات الصحفية التي تصب في خانة تشويه رئاسة الجمهورية.
بقلم فيروز الشاذلي
هناك في المدة الأخيرة موجة من التهجمات على شخص رئيس الجمهورية قيس سعيّد كانت تنذر بوجود نزعة إلى اختلاق رأي عام مناهض له و الحد من شعبيته الجارفة، وهذا أمر مفهوم خاصة من قبل لوبيات تريد تكسير هذا النمط الجديد الذي جاء به قيس سعيّد إلى الحكم وما رافقه من دعوة إلى محاربة الفساد وتفكيك لوبياته، حتى أن البعض دخل في منطق السفسطائية السلبية، فترى شقشقة لفظية لا تعكس الواقع ولا يبتغى منها نقد أخطاء رئاسة الجمهورية بل هي مجرد سيناريوهات حاضرة لتقزيم المد الشعبي لرئيس الجمهورية غذّتها الرئاسة بكثرة الأخطاء الاتصالية التي ظهرت بالكاشف بالأمس عند زيارة الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان إلى تونس، فعوض أن تسوّق المصالح الإعلامية والاتصالية برئاسة الجمهورية للزيارة وتشرح خلفياتها، وجدنا أن المعلومات كافة وتكييفها يتم عبر خصوم إعلاميين لقيس سعيّد منذ أن كان مرشحا لرئاسة الجمهورية.
الاراء المسبقة أكثر من البحث عن الحقيقة في المشكلة الليبية
أكبر عامل غذى هذا التوجه هو بحث الأطراف التونسية كأحزاب و أدواتها الإعلامية في إسقاط الخلافات الداخلية التونسية على الأزمة الليبية وليس تناول الموضوع باعتباره شأن أمن قومي حسّاس لا يحتمل أخطاء فادحة يمكن أن تستورد مشكلة إقليمية إلى الداخل التونسي، ولتناول الموضوع بأكثر عمق يجب الرجوع إلى بداية الأزمة عندما كان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي هو المشرف على السياسة الخارجية بالطول والعرض ويكتسب سنوات طويلة خبرة في مجال السياسة الخارجية، ألم يكن الباجي رحمه الله أول من نادى بضرورة الحياد عندما هلّلت نفس هذه الأبواق الإعلامية إلى الحملة العسكرية التي أعلن عنها المشير خليفة حفتر الذي يسيطر بالأساس على الجزء الشرقي من ليبيا حيث قال بأنه سوف يحرر العاصمة طرابلس في غضون أسبوع واحد قبل شهر رمضان الماضي، وقد شهدت ساعتها الساحة السياسية التونسية هجوما شرسا على الباجي قائد السبسي نتيجة موقفه المحايد، حيث طالبته تقريبا نفس الجوقة الحالية بضرورة وقف التعامل مع حكومة الوفاق والاقتصار على التعامل مع بن غازي ولكن المرحوم الباجي بحنكته السياسية رفض ذلك وطالب بضرورة وجود حل سياسي مضيفا أن تونس تتعامل مع جميع الأطراف الليبية باعتبارها مشكلة داخلية و أي تدخل إقليمي سوف يعمّق المشكلة، وهذا ما حصل بالفعل، فانتصارات حفتر الخاطفة لم نشهدها إلا على مواقع التواصل الاجتماعي و القنوات التابعة للمحور الداعم له.
خلاصة القول أن سياسة المحاور وتدويل الأزمة الليبية لن تفيد أي طرف لأن كل محور إقليمي داعم سوف يوفر السلاح من أجل مصالحه سواءا قطر وتركيا أو مصر والإمارات، ولكن الضحية الوحيدة سوف يكون الشعب الليبي.
أما بخصوص الموقف التونسي في عهد قيس سعيّد فهناك تعمّد لعدم البحث عن الحقيقة الواضحة بل فقط هو مواصلة التهجم على رئاسة الجمهورية بسبب مواصلة سياسة الحياد التي واصل فيها خلفا لسلفه المرحوم الباجي قائد السبسي، وهذا كان واضحا منذ الوهلة الأولى التي تم الإعلان فيها عن الاتفاقية بين تركيا وليبيا ممثلة في حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج حيث تمت مباشرة مهاجمة رئاسة الجمهورية ودعوتها لاتخاذ موقف معادي لهذه الاتفاقية وعدم انتظار أي موقف رسمي من قبل الجهات المختصة كوزارة الخارجية أو لجنة المياه و البحار لتحديد ما إذا كانت الاتفاقية تهم مياهنا الإقليمية أو لا.
بل أكثر من ذلك الدعوة مباشرة لرفض هذه الاتفاقية كما فعلت مصر و اليونان وهذا موقف فاضح للدخول في تركيبة المحاور ليس فقط في المشكلة الليبية بل كذلك يتعداها للدخول في مشكلة تقاسم ثروات النفط والغاز بشرق المتوسط التي لا تعنينا أصلا، بعد ذلك جاء تكملة مسار الأحكام المسبقة والتهجم بدون بحث في واقع الأمور على هامش الزيارة غير المعلنة للرئيس التركي لتونس فبالرغم من عدم صدور أي موقف تونسي أو على لسان رئيس الجمهورية في الندوة الصحفية ما يشير إلى تموقع تونس ضمن المحور التركي القطري إلا أن العديد من الأدوات الإعلامية معروفة المصالح ذهبت مباشرة إلى اختصار الزيارة في انحياز تونس لطرف على حساب آخر وتم بكل وضوح التشويش على المضمون الحقيقي للندوة الصحفية وتصريحات الرئيسين واقتصار الأخبار المتداولة على التحليلات الصحفية التي تصب في خانة تشويه رئاسة الجمهورية.
الأخطاء الاتصالية لرئاسة الجمهورية ساهمت في هذه الحملة
ربما كان مسموحا في الفترة الأولى لتسلم رئاسة الجمهورية من طرف قيس سعيّد وجود بعض الأخطاء الاتصالية بحكم الحداثة على المنصب ولكن الآن أصبح الأمر غير مشفوع بالمرة خاصة أن البلاد قادمة على أحداث إقليمية جد مهمة بالنسبة للأمن القومي الداخلي.
بالأمس كان مفهوما أن تكون الزيارة غير معلنة مسبقا بحكم الترتيبات الأمنية للجانب التركي وهذا ما وقع بالضبط مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عند زيارته للقمة العربية المنعقدة بتونس لكن غير المفهوم أن تتعامل المصالح المسؤولة عن الاتصال بالرئاسة بهذا المستوى من عدم اللامبالاة بعدم توفير المواكبة الكاملة للزيارة من الناحية الإخبارية ووضعها في إطارها خاصة أن الزيارة تأتي في إطار الاستعدادات لعقد لقاء برلين بين الأطراف المتصارعة في الساحة الليبية وتونس معنية أكثر من غيرها بهذه الأزمة فعدم توفير المعلومة الصحيحة والتفاعل مع تساؤلات الشارع التونسي ترك المجال فسيحا للتأويلات الخاطئة حتى أن البعض راح بعيدا في تشويه مسار الأمور والاتصال بما سموه مصدر أمني من الأمن الرئاسي لسؤاله عن وجود مدخنين خلال المؤتمر الصحفي بينما كان واضحا تصريح الرئيس التركي بقصده عن عدم رغبته في وجود مناخ معاد له و البحث عن المواجهة بل فقط يبحث عن الإحترام المتبادل والمساعدة فقط في تونس (حسب تصريحه) فجاءه الرد من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد بأنها رائحة عطرة صادرة عن مطبخ تونسي يتميز بزيت الزيتون والتمر ولكن خلافا لذلك كانت الدعاية المنتشرة عن هذا اللقاء هو دعم حكومة السراج على حساب الشرق الليبي بسبب قصور في التواصل من مصالح الجمهورية.
المصالح و الاستهداف السياسي هي الفيصل في تونس
هناك من يذهب في تشخيص أصل المشكلة السياسية في تونس و الاستقطاب الحاد الذي يقع على خلفية أي حدث مهما على شأنه أو صغر على أنه استقطاب إيديولوجي حاد بين مشروعين متنافرين يعيشان مرحلة صراع محتدم لكن مع تتالي الأحداث السياسية وتواتر التحالفات الحزبية المتناقضة أصبح واضحا أن المشكل الإيديولوجي في تونس ليس السبب والفاعل الرئيسي في الساحة السياسية بل مصالح اللوبيات التي تبحث عن موطأ قدم يكفل لها نفوذها السياسي الذي يحمي مصالحها الاقتصادية وكانت الأيام كفيلة بأن تثبت أن كل الأحزاب تقريبا مستعدة أن تتحالف مع أي حزب يناقضها إيديولوجيا مادام هذا التحالف يكفل لها مصالحها في الحكم ، لذلك المطلوب هو استهداف أي طرف يريد الخروج من بوتقة هذه المعادلة التي تحكم الساحة السياسية في تونس بعد 2011 و الطرف الذي يجب تحجيم دوره في هذه المرحلة هو رئيس الجمهورية فرغم الصلاحيات المحدودة التي بين يديه إلا أن شعبيته مقلقة لهذه اللوبيات التي تعتبر نفسها مسيطرة على الساحة السياسية.
شارك رأيك