على المجتمع الدولي أن يبحث عن طريق وسط يحقن به دماء الليبيين و يرجع الأخوة الأعداء إلى صوابهم، فهذه بلادهم وهم أولى بها من غيرهم، هم أولى بثرواتها ومؤسساتها وترابها، فلا يتدخل أحد في المشهد السياسي ولا العسكري، لأن الاستنجاد بتركيا أو غيرها لا يحل المشكلة بل سيعقدها أكثر.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
رغم أن ليبيا تجتاحها الفوضى منذ 2011م، عندما بدأت شرارة الثورة أو الفوضى كما يحب أن يسميها جزء من الشعب الليبي، وتم القضاء على العقيد معمر القذافي في مشهد مأساوي فظيع، لم تبادر جامعة الدول العربية ولا منظمة التعاون الإسلامي ولا الأمم المتحدة بإيجاد حل سريع وناجع ولم نسجل سوى بعض المحاولات الخجولة التي قامت بها الأمم المتحدة عندما كلفت مبعوثيها و آخرهم غسان سلامة الذي فشل هو الآخر إلى حد الآن في ترميم البلاد وإيجاد التوافق بين الأطراف المتحاربة هناك، وعندما اعترفت الأمم المتحدة بحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج وحاولت إخضاع الجانب الآخر ممثلا بقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر لسلطة هذه الحكومة لم تتمكن من ذلك بل أصبح الماريشال حفتر معارضا شرسا لها، والمحاولات العديدة لجمع الرجلين على طاولة المفاوضات باءت كلها بالفشل الذريع وبقي صوت الرصاص يدوي في أرجاء ليبيا يحصد القتلى والجرحى أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، ولم يستطع أي طرف إيقاف نزيف الدم هناك.
عيون القوى العظمى على ثروات ليبيا من النفط والغاز الطبيعي
تعيش ليبيا اليوم أزمة سياسية وعسكرية خانقة، وبدأت الدول الكبرى والصغرى تتنافس من أجل أن تضع كل منها موطىء قدم هناك، بدعوى تأمين البلاد من الفوضى، لكن عيونها جميعا على ثروات ليبيا النفطية ومن الغاز الطبيعي.
أمام ضعف المنظمات الإقليمية والدولية الآنفة الذكر، وخاصة جامعة الدول العربية، استأسد هؤلاء وكشّر كل منهم على أنيابه لصيد أو اصطياد هذه الثروة بأقل خسائر ممكنة، ولذلك عندما أرادت تركيا مساعدة الحكومة المعترف بها دوليا قامت القيامة هناك وبدأت الوفود تتحدث عن مشكلة ليبيا رغم أن حفتر حاول مرارا وتكرارا احتلال طرابلس ولم يُفلح، وتبقى ليبيا تتأرجح تحت الوصاية الدولية الفردية دون أدنى تحرك رسمي من جانب الأمم المتحدة.
ليبيا أصبحت ساحة صراع مصالح القوى الدولية
وأمام حالة الضعف العربي، والوهن الذي وصلت إليه جامعة الدول العربية وتفكك عراها، لم يعد هناك حاجة لوجودها، فهي ميتة سريريًّا باعتبار أن كثيرا من الدول العربية تشهد تمزّقا سياسيا وانفلاتا أمنيّا وتدهورا اقتصاديّا، ولم تعد الجامعة جامعة للدول بل بقيت تتفرج من على الربوة وتنظر إلى الفجوة وتنتظر البلوى ومن بينها ليبيا التي لم تعد قادرة على الاعتماد على نفسها ولا على الجامعة المنكوبة فسارعت إلى الاستنجاد بدول أخرى خارج إطار الجامعة مثل تركيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت هناك التدخلات الأخرى التي تساند الطرف المعارض مثل مصر والسعودية والإمارات وغيرها من البلدان، منها من تعتبر حكومة الوفاق حكومة إخوان لأن تركيا وقطر تساعدها ومنها من تعتبر حفتر عدوا لدودا يريد أن يقضي على الشرعية وتساعده الإمارات والسعودية ومصر وبقيت الساحة الليبية ساحة صراع وتصفية حسابات.
أما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وربما بعض الدول الأخرى، بقيت في موقع المتفرج فيما يجري، لأن الوضع على حاله يساعدها في تحقيق مصالحها رغم الدعوات الجوفاء لطرفي الصراع بالالتزام بالميثاق الدولي واتباع سياسة ضبط النفس، وهي سياسة درجت عليها أمريكا وروسيا في إدارة الصراع المصلحي، فالتدخل العسكري في ليبيا أمر لا مفر منه في وضع كهذا متوتر للغاية ولكن أن يصدر من أطراف متعددة ومتناقضة ومتصارعة فذلك أمر مخيف جدا، وقد تتحول إلى صراع دولي يمتد إلى دول أخرى مجاورة.
الاستنجاد بتركيا أو غيرها لا يحل المشكلة بل سيعقدها أكثر
وعلى هذا ينبغي على العالم أن يبحث عن طريق وسط يحقن به الدماء ويرجع الليبيين إلى صوابهم، فهذه بلادهم وهم أولى بها من غيرهم، هم أولى بثرواتها ومؤسساتها وترابها، فلا يتدخل أحد في المشهد السياسي ولا العسكري، لأن الاستنجاد بتركيا أو غيرها لا يحل المشكلة بل سيعقدها أكثر.
وبالمناسبة فإن الجامعة العربية في موت سريري، ينبغي فضّها وحلّها لأنها لم تعد قادرة على حل المشاكل بل أصبحت وكرا لكل المشاكل، ولا حاجة لأمين عام ولا إلى موظفين، مادامت كل دولة عربية تنأى بنفسها وتدير الصراع حسب ما يقول لها عقلها ولا تحاول حل المشكلة العربية عربيا، وعلى طاولة المفاوضات، وبالتي هي أحسن، لأن ما يجري فعلا على الساحة العربية أمر مؤسف ومؤلم وموجع حقّا، دول بأكملها تفكّكت، وشعوب بأكملها احترقت، وثروات بأكملها نُهبت، والجامعة العربية في سبات عميق وكأنه لم يحدث شيء.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك