
في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على الفايسبوك، تحدث الكاتب و الناشط السياسي احمد فرحات حمودي عن أهم المحطات التي شهدتها ليبيا التي أدت إلى تشعب الوضع السياسي حتى أصبحت ميداناً للحرب النيابة بين مختلف القوى الإقليمية.
كتب في تدوينته :
” مساهمة بسيطة مني لمحاولة الفهم:
بمجرد بداية التحركات المناهضة لحكم معمر القذافي في ليبيا في 17 فبراير من سنة 2011 تشكل المجلس الانتقالي برئاسة وزير العدل المنشق حينها مصطفى عبد الجليل وقد تم تقديم هذا المجلس باعتباره السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد وقد شكل المجلس حكومة بقيادة عبد الرحمان الكيب وصاغ إعلانا دستوريا في 4 أوت 2011 يحدد ملامح ليبيا الجديدة ومؤسسات حكمها وقد تضمن الإعلان الدستوري ضرورة انتخاب المؤتمر الوطني العام سلطة عليا انتقالية في البلاد وشكل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات للإشراف على العملية الانتخابية من 17 عضو بداية ثم ليعدل الفصل ليقتصر عدد أعضائها على 11 عضوا.
تم تحديد عدد نواب المؤتمر الوطني ب 200 يتم انتخاب 120 منهم على الأفراد في دورة واحدة و80 يمثلون الاحزاب بنظام النسبية مع أفضل الباقي وتم اشتراط التناصف العمودي والأفقي في القائمات الحزبية لضمان تمثيلية اكبر للمرأة. وقد تم تقسيم النواب حسب الأقاليم باعتبار الكثافة السكانية بها فنال إقليم طرابلس (الغرب) 106 مقعدا ونال إقليم برقة (الشرق) 60 مقعدا فيما نال إقليم فزان (الجنوب) 34 مقعدا.
جدير بالتذكير أن المفوضية أصدرت قانونا يمنع الأحزاب ذات المرجعية الدينية سرعان ما تراجعت عنه بسبب ضغط الجماعات الإسلامية. تشكلت اربع كيانات سياسية رئيسية لخوض غمار انتخابات المؤتمر الوطني العام التي تأجلت من 19 جوان (حزيران) إلى 7 جويلية (تموز) من سنة 2012والتي بلغت نسبة التسجيل فيها 80 بالمائة، تشكلت اذن اربع كيانات وهي :
تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل والبناء والعدالة وهي فرع الاخوان المسلمين في ليبيا بقيادة محمد صوان القريب من الإسلامي علي الصلابي والجبهة الوطنية بقيادة محمد المقريف السفير السابق لليبيا في الهند والذي انشق عن حكم القذافي ليترأس جبهة إنقاذ ليبيا في دوارت عديدة وحزب الأمة بقيادة عبد الحكيم بلحاج ورغم الظروف الأمنية الصعبة الا ان الانتخابات جرت في موعدها وكانت نتائجها في صالح تحالف القوى الوطنية ب 39 مقعدا يليه حزب العدالة والبناء ب 17 مقعدا ومن ثم الجبهة الوطنية بثلاث مقاعد بالنسبة للكيانات السياسية.
عقد المؤتمر الوطني أولى في أوت 2012 لينتخب محمد المقريف رئيسا له والذي استقال في 28 ماي (أيار) 2013 على خلفية قانون العزل السياسي الذي يمنع من تقلد مسؤلية في حكم القذافي من تحمل اية مسؤولية سياسية ليخلفه جمعة عتيقة الذي خلفه النوري بوسهمين المدعوم من حزب البناء والعدالة الذي تم انتخابه في 24 جوان (حزيران) من نفس العام ب96 صوتا مقابل 80 صوتا للشريف الوافي وقد انتخب المؤتمر الوطني أيضا علي زيدان رئيسا للحكومة خلفا لعبد الرحمن الكيب في 14 نوفمبر 2012 ليظل في منصبه إلى غاية 11 مارس 2014 أين تم تعويضه بوزير دفاع حكومته عبد الله الثني.
لم تتمكن السلطة السياسية الجديدة من بسط نفوذها الأمني وحافظت الميليشيات المسلحة ولا سيما غرفة ثوار ليبيا والدرع على وجودها وأخضعت السياسة في مناسبات عدة إلى ارادتها.
كان أمل الليبيين معقودا على انتخابات مجلس النواب في 25 جوان 2014 كبيرا لإنهاء التوتر الأمني والتدهور الاقتصادي والاجتماعي وجرت الانتخابات في ظروف أمنية صعبة وخطيرة ما أدى إلى تراجع كبير في نسب التصويت التي لم تتجاوز 18 بالمائة من المسجلين بل ان الانتخابات لم تجر في مناطق درنة والكفرة وسبها ليتم انتخاب 188 عضوا من أصل 200 وتكبدت قوى الإسلام السياسي هزيمة تاريخية بحصولها فقط على 23 مقعدا وهو ما حدا بتياراتها السياسية وبمليشياتها المسلحة إلى رفض نتائج الانتخابات ورغم ذلك عقد مجلس النواب أولى جلساته بحضور دولي كبير واعترفت به الأمم المتحدة وأغلب الدول وتم انتخاب عقيلة صالح رئيسا له وأقام جلساته في مدينة طبرق بدل مقره الرسمي في بنغازي نظرا للظروف الأمنية الصعبة. استندت تيارات الإسلام السياسي في طرابلس على هذا المعطى لتطعن في شرعية المجلس وأصدرت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا قرارا في 6 نوفمبر 2014 ببطلان أشغال مجلس النواب وقد كانت المحكمة العليا في ذلك الوقت محاصرة بمقاتلي غرفة ثوار ليبيا. استندت التيارات الإسلامية على ذلك القرار وقالت ببطلان مجلس النواب واستمرار المؤتمر الوطني كسلطة عليا في البلاد. في مدينة طبرق كما في جل عواصم العالم لم يؤخذ بقرار المحكمة العليا الليبية وشكل مجلس النواب حكومة ترأسها عبد الله الثني وفي طرابلس شكل المؤتمر الوطني ذي الغالبية الإسلامية حكومة ترأسها خليفة الغويل في غضون ذلك ازداد الوضع الأمني سوء وسقطت درنة في يد الإرهابيين وكذا جزء كبير من بنغازي ثاني اكبر المدن الليبية وايجدابيا فيما كانت طرابلس ترزح تحت غرفة ثوار ليبيا والدرع وميلشيات أخرى بقيادة هيثم التاجوري والبقرة وغيرهم. عين مجلس النواب العسكري المشير خليفة حفتر قائدا للجيش وطلب منه تطهير ليبيا من كل مظاهر الميليشياوية المسلحة فأطلق عملية الكرامة التي نجحت في القضاء على الإرهاب في بنغازي ودرنة وايجدابيا ولكنها لم تتمكن من دخول طرابلس بل على العكس اعتبرت القوى السياسية المشكلة للمؤتمر الوطني الليبي في طرابلس اعتبرت عملية الكرامة انقلابا على الشرعية ووحدت الميليشيات المتواجدة هناك لمقاومة كل من يحاول دخول طرابلس. رأت دول مصر والإمارات والسعودية في خليفة حفتر الحليف الذي سيمكن من القضاء على دابر الإسلام السياسي في ليبيا ورأت تركيا وقطر في حكومة طرابلس الحليف الذي يرعى مصالحهم تحولت ليبيا اذن الي مجال صراع إقليمي بأياد ليبية.
لم تنقطع محاولات رأب الصدع بين الفرقاء الليبيين وتوجت هذه الجهود بإبرام اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2015 الذي ينص على تشكيل مجلس رئاسي يتكون من أعضاء من برلمان طبرق وأعضاء من المؤتمر الوطني في طرابلس.
تم الاتفاق على فايز السراج ليرأس المجلس وليشكل حكومة الوفاق الوطني وأن يوفر الظروف الملائمة لإجراء انتخابات عامة في أجل أقصاه عامين واعترفت الأمم المتحدة بشرعية المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق وانطلق العمل على انجاز اتفاق الصخيرات بصفة فعلية في 6 افريل 2016. لم يتمكن السراج من دخول طرابلس الا بعد وقت طويل وجهد كبير حكم من تونس ثم من قاعدة قبالة سواحل طرابلس.
رفضت الميليشيات المسلحة في طرابلس هذا الاتفاق ولم تساعد على إنجازه ولم يتقدم السراج بصفة مذكورة في تنفيذ بنود ومواد الاتفاق وانتهت المهلة المحددة في افريل 2018 ومر عام بعد نهايتها ولا شيء تم وانتهت مدة مجلس النواب القانونية (خمس سنوات).
وأمام هذا الشلل السياسي قرر المشير خليفة حفتر الهجوم على طرابلس ل”تطهيرها” حسب قوله من الميليشيات.
اتحدت غرفة ثوار ليبيا وبعض المجموعات المسلحة الأخرى مع السراج لتقدم نفسها مدافعة عن الشرعية وعن حرمة طرابلس.
عقد السراج مع أردوقان اتفاق تعاون عسكري وتستعد تركيا لارسال العتاد والمقاتلين لطرابلس. تستمر المعارك في محاور طرابلس وضواحيها لا غالب في المعركة والمغلوب الوحيد هو الشعب الليبي.
يعي الليبيون وحدهم مطامع الجميع في بلدهم وخيراتها يجاهد بعض من نخب ليبيا ووجاهاتها لاستنباط حل لحقن دماء أبنائهم.
يستعر خطاب التحريض والفتنة في غياب شبه كلي للسياسة ويعرف الليبيون وحدهم أنهم وحدهم سيتحملون أعباء ما يحدث.
انقسم جيران ليبيا بين داعم لحفتر ومحايد وداعم للسراج.
يعاد الحديث بقوة عن شكل ليبيا القديم بأقاليمها الثلاث فيدراليات ضمن جمهورية فيدرالية في أحسن الأحوال ودول قائمة الذات في أسوئها. “


شارك رأيك