حجز أنواع من المخدرات من قبل السلط الأمنية و الديوانية في نطاق عملهم اليومي أمر قد تعودنا عليه لكن الشيء الذي لم نتعود عليه و يثير القلق و التساؤل هو المقدار الهائل للكميات المحجوزة من حيث الكمية و النوعية في هذا الوقت بالذات و البلاد تعيش في وضع إنتقالي وحسّاس.
بقلم فوزي العبيدي
تونس لم تشهد منذ قبل دخول هذه الكميات الهائلة في وقت قصير لم يتجاوز الشهرين و المعطى الأهم هو نوعية المخدرات فهذه المرّة كان التركيز كاملا على محاولة إدخال الحبوب المخدرة من نوع الحبوب المهلوسة (إكستازي وغيرها) وهذه الحبوب موجهة بالذات نحو الشباب.
هذا المسار المعتمد على محاولة إغراق البلاد التونسية بحبوب الهلوسة يجعلنا نطرح بصفة جدية سؤال حول مدى وجود مخطط لضرب وعي الشباب الذي يمثل العمود الفقري للمجتمع التونسي و إذا كانت هناك مساعي لإثارة اضطرابات اجتماعية مع قدوم شهر جانفي خاصة إذا عرفنا أن الدول التي تعيش مواجهات صدامية وقاتلة تم إغراقها بهذا النوع من الحبوب كالعراق، لبنان و ليبيا. لهذا يجب عدم التغافل على هذا التطور الخطير ومجابهته بحزمة شاملة من الإجراءات القانونية و الاجتماعية.
ارتفاع مهول وصادم
أول ظاهرة تدعو إلى الصدمة و الذهول هي الارتفاع الكبير في حجم الكميات المحجوزة من قبل السلط الأمنية و الديوانية في ظرف زمني وجيز أما التطور الثاني المقلق فهو أن الغالبية الساحقة من هذه الكميات المحجوزة هي من حبوب الهلوسة المعروفة “اكستازي”، حيث وقع حجز قرابة 50 ألف قرص في ظرف شهرين فقط خاصة بمطاري النفيضة و قرطاج الدولي وميناء حلق الوادي بينما في نفس الفترة وقع حجز أقل من 1 كلغ من مادة القنب الهندي التقليدية (الزطلة). مما يؤكد وجود مسعى لإغراق السوق التونسية بالحبوب المهلوسة خاصة إذا عرفنا أن الكمية المروجة بالتأكيد أكثر من المحجوز على الأقل بثلاثة مرات حسب معايير المنظمة الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة التابعة للأمم المتحدة وكذلك المنظمة الدولية للديوانة أي حسب هذه المعايير فإن حبوب الهلوسة التي يقع ترويجها بين الشباب التونسي في ظرف الشهرين الأخيرين فقط قد تصل إلى 150 ألف قرص مخدر من نوع “إكستازي” فقط بدون احتساب بقية الأنواع من الحبوب المهلوسة ، وهذا ينذر بخطر كبير نحو انتشار ظاهرة إدمان الحبوب المهلوسة وليس فقط الاستهلاك العابر في المناسبات و الاحتفالات كرأس السنة الإدارية و غيرها فجميع الدراسات التي قامت بها الهياكل الحكومية المعنية أو جمعيات المجتمع المدني تشير إلى وجود أكثر من 400 ألف مدمن من خيرة شبابنا في المعاهد و الكليات.
العالم الأسود للحبوب المهلوسة
منذ عدة سنوات خلت و الحبوب المهلوسة أصبحت الخطر الأول القادم علينا خاصة من البلدان الغربية التي يتم فيها تصنيع هذا النوع من المخدرات حيث أصبح خطرها يخيّم على شباب تونس محولا طاقة الشباب اليافع إلى كيان محطم غير قادر على التحكم في نفسه حتى يفقد احترامه الإنساني ليبقى مجرد بقايا إنسان غائب عن الوعي و الواقع قد أجهزت عليه الحبوب المهلوسة.
انتشار تعاطي الحبوب المهلوسة مع توفر هذا الطوفان من الكميات القادمة من خارج البلاد كفيل بأن يقوّض أسس و بنية المجتمع التونسي في سنوات قليلة، هذا يرجع بالأساس إلى الخصائص المدمرة لهذا النوع من المخدرات فهي عكس المخدرات التقليدية المنتشرة سابقا بالبلاد التونسية التي تعتمد بالأساس على القنب الهندي (ما درج على تسميتها بالعامية التونسية “الزطلة”)، فرغم أن “الزطلة ” لها مساوئ كبرى كالإدمان وصعوبة الإقلاع عن استهلاكها إلا أن الحبوب المهلوسة تبقى الخطر الأقوى للشباب الذي يقع في فخ إدمانها لتحول عالمهم من الأمل في إيجاد مستقبل أفضل إلى عالم أسود، وهذا يرجع بالأساس إلى أن حبوب الهلوسة هي نوع من المخدرات المصنعة من مؤثرات عقلية تحدث خللا شديدا في النفس البشرية وبالخصوص على مستوى الجهاز العصبي و لا يمكن بأي حال تلافي هذا الضرر الحاصل على مستوى الجهاز العصبي عند المداومة على استهلاك هذا النوع من المخدرات لذلك نجد أن الأغلبية المستهلكة لهذا النوع من المخدرات تكون نهايتهم مريعة إما بأمراض عقلية وعصبية أو الوقوع تحت تأثير و سيطرة أشخاص متطرفة لغايات إجرامية أو إرهابية أو استغلالهم في شبكات جنس و دعارة لأنهم يصبحون فاقدي القدرة و الأهلية على التفكير و أخذ القرار .
لا غرابة في الجرائم المقترفة تحت تأثير هذا النوع من المخدرات إذا عرفنا مدى التأثير الكبير لهذه المخدرات على الإنسان الذي تحوله إلى وحش آدمي خاصة أن تلك الحبوب تعمل على زيادة إفراز مادة “السيروتونين” وتلك المادة عند زيادة معدلاتها في الدماغ تحدث تغيرات شديدة في عملية الإدراك و التفكير كما تؤثر بوضوح على آلية عمل حواس الإنسان وتحدث حالة من الهلوسة الملحوظة، حيث تبدأ تلك المادة في الإفراز بعد 30 إلى 90 دقيقة من التعاطي وبعدها يدخل الشخص المدمن في حالة هلوسة شديدة تمتد إلى 12 ساعة و إذا استهلك من هذه الحبوب أكثر من المسموح به يمكن أن تؤدي إلى شلل دماغي كامل وهو ما سجلته عديد المستشفيات العمومية من موت مفاجئ لمدمنين نتيجة لذلك.
علاوة على ذلك لحبوب الهلوسة مضار كثيرة تكون واضحة للعيان على الشباب المدنين لهذا النوع من المخدرات، من بين هذه المضار تحول المدمن إلى شخص متشنج و عصبي في حالة دائمة يميل إلى العنف القاتل، كما أن خطر عقاقير الهلوسة يظهر بوضوح في تأثيراته الضارة للغاية على صحة وسلامة معدة الإنسان وجهازه الهضمي و الأخطر من ذلك ما تحدثه من خلل شديد في سمع و بصر الإنسان فعند وقوع الشخص في حالة إدمان يصبح يسمع و يرى أشياء لا وجود لها في الواقع أو على غير حقيقتها لذلك يجعل من المستحيل على الشخص المدمن لأقراص الهلوسة أن يتخذ قرارا سليما في كافة أوجه أنشطة الحياة الخاصة به فيصبح أسيرا لعالم أحادي يعيش فيه في عزلة بسبب إدمان المهلوسات التي تصيبه بنوع من الهلع و الخوف الدائم حيث يشعر بوجود أشياء تثير داخل نفسه الخوف من أشياء لا وجود لها في الواقع.
مواجهة مشكلة المخدرات لا تكون إلا بتحويلها إلى معركة شاملة
تمثل مشكلة إدمان المخدرات خاصة الأنواع المستجدة كحبوب الهلوسة مشكلة أزلية تؤرق تقريبا جميع المجتمعات في دول العالم بأسره، في هذا الإطار وحسب المنظمة العالمية للصحة فقد نجحت فقط في محاربة هذه الظاهرة المجتمعات التي حوّلت محاربة إدمان المخدرات إلى معركة شاملة لا تكتفي بالجوانب التشريعية و الزجرية فقط بل يجب كذلك التركيز على مسبباتها الاجتماعية و النفسية التي تدفع إ‘لى مزيد استقطاب الشباب.
كما أن اللغط الحاصل في تفسير التنقيح الذي تم بخصوص قانون مكافحة المخدرات قد كان له أثر سلبي لذلك من الضروري ربط التخفيف في الحكم القضائي بحكم عدم وجود سوابق في الاستهلاك بخضوع المعني إلى فترة تأهيل بمراكز المساعدة على الإقلاع على إدمان المخدرات مع تشديد العقوبات تجاه المتاجرين بهذه السموم لأنهم أصل الداء.
في نفس السياق لا يمكن أن تكون الحرب شاملة إلا إذا توفر الجانب الوقائي خاصة أن بتطور نسبة استهلاك الشباب لهذه المخدرات سوف نجد في الخمسة سنوات القادمة وجود شاب مدمن على الأقل من كل عائلة تونسية لهذا يجب أن تتضافر كل الجهود الوطنية من هياكل حكومية ومكونات المجتمع المدني وخاصة الأسرة للتعريف بمخاطر الإدمان عبر الأنشطة التوعوية و التثقيفية وتأهيل العائلة التونسية لتكون أهلا لمرافقة الأبناء في سن حساسة جدا لتوفير الوقاية اللازمة من السلوكيات السلبية و الإرشاد و التوجيه الأسري و التركيز كذلك على إعادة إدماج ضحايا هذه الظاهرة نظرا للعراقيل الاجتماعية و الاقتصادية التي تعترضهم في إعادة إدماجهم.
شارك رأيك