التقية السياسية من المصطلحات التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بمنهج حركات الإسلام السياسي خاصة أثناء الأزمات التي تعصف بها في مواجهة الأنظمة الحاكمة مما يتيح لها هامشا كبيرا من المناورة. هذا التمشي له أعذاره و أسبابه العديدة في زمن الدكتاتورية لكن في المشهد السياسي التونسي نرى بكل وضوح أن حزب حركة النهضة مازال يمارس التقية السياسية منذ الثورة إلى الآن وختام هذه التقية السياسية هو تكوين حكومة تحت عنوان “وزراء مستقلين” بينما في واقع الحال هي مجرد تحالف مصالح بين حزبي النهضة وقلب تونس في شكل زواج متعة ينتهي حالما تتبدل الظروف ومصالح الطرفين.
بقلم فيروز الشاذلي
السمة البارزة لتشكيل الحكومة الجديدة هو تقديم متحزبين من الصف الخامس ومقربين من حزبي حركة النهضة وقلب تونس في شكل مستقلين وهذا الأمر ينطبق على تعيين رئيس الحكومة بنفسه السيد الحبيب الجملي، فقد قامت حركة النهضة منذ البداية بممارسة التقية السياسية كالعادة وتقديم الحبيب الجملي على أساس كفاءة وطنية مستقلة، بينما يعرف الجميع أنه من المقربين من الحزام السياسي الحاكم لحركة النهضة منذ أيام حكومة الترويكا بعد سنة 2012 عندما كان الحبيب الجملي بوزارة الفلاحة ومن المقربين من الوزير محمد بن سالم، وكان هذا التمشي ملائما لقلب تونس الذي يطالب بحكومة كفاءات تكون واجهة لتحالف غير معلن بين الطرفين حتى مرور حمى التراشق الإعلامي بين الطرفين أثناء الانتخابات التشريعية، في إعادة صياغة لنفس أسلوب التحالف إبان الانتخابات التشريعية سنة 2014 بين حركة النهضة و نداء تونس.
هذا التحالف غير المعلن أصبحت ملامحه واضحة من خلال الأسماء المقترحة لوزراء الحكومة فنجد أسماء سوف يتم توزيرها مادامت النهضة سوف تكون في المرتبة الأولى في الانتخابات كالسيد نور الدين السالمي و طارق ذياب و أسماء أخرى تمثل حزاما سياسيا سواء لحركة النهضة أو قلب تونس كالسيد الفاضل عبد الكافي ومها العيساوي بينما غالبية الأسماء المتبقية نجدها لبست لباس الطاعة أثناء حكم بن علي وبعد الثورة استبدلته بالطاعة العمياء للنهضة فعن أي استقلالية نتحدث؟
تحالف حركة النهضة “الثورية” مع “حزب المقرونة” الرجعي
لا شك أن لحركة النهضة الحق الكامل في تأليف الحكومة و اختيار تحالفاتها و لا يحق لأحد المجادلة في ذلك و إلا فإنه لا فائدة من العملية السياسية برمتها و ما تكلفته الانتخابات من مليارات على حساب المجموعة الوطنية، مقابل أن تتحمل مسؤولية اختياراتها السياسية في الخمس سنوات القادمة، لكنها وجدت نفسها مقيدة بلاءات قطعتها على نفسها أمام جمهورها الذي انتخبها على قاعدة معاداة قلب تونس أو ما دأبت قيادات النهضة على تسميته بحزب “المقرونة” والنفي القاطع بوجود أي تحالف مستقبلي مع حزب نبيل القروي لوجود شبهات فساد تحوم حول الرجل وللمناورة أمام هذا المأزق السياسي كان الحل بابتداع وجود حكومة مستقلة كنتيجة لمجهودات رئيسها المستقل بما يشبه الوصول إلى النتيجة مسبقا قبل وجود أي مشاورات بين النهضة وقلب تونس.
ربما هذا التفسير السطحي ما تريد النهضة ترويجه بين مناصريها ولكن الثابت والأكيد أن التشكيلة الحكومية كانت ثمرة مسمومة لمشاورات معمقة بين الحزبين وكان عرابها الحبيب الجملي، فلا يمكن لهذا الأخير أن يعلن التشكيلة الحكومية إلا برضاء الأطراف القوية المساندة له وهي حركة النهضة وقلب تونس، وما تصريحات قيادات النهضة بوجود العدد الكافي من النواب لتنال الحكومة الثقة في البرلمان خير برهان على ذلك.
تحالف هش يمكن أن يسقط في أي لحظة
هذا التحالف التكتيكي بين الحزبين والذي أملته نتائج صندوق الانتخابات الفارطة يمكن في المدى القصير أن يكون القاعدة المثلى لنيل الحكومة للثقة بتضافر الجهود مع الكتل المقربة من الطرفين ككتلة ائتلاف الكرامة المقربة من حركة النهضة أو كتلة الإصلاح الوطني المقربة من قلب تونس، لكن سيبقى دائما عامل الضغط السياسي لهذا التحالف السياسي الهش يلقي بظلاله على مصير الحكومة وستكون حكومة هشّة حتى وإن مرت عدديا في مجلس النواب، خاصة أن البلاد مقبلة على مرحلة صعبة لأن الحكومة المطلوبة وصفاتها المحددة لهذه الفترة لا تتوفر عليها حكومة السيد الحبيب الجملي.
هذه الوضعية سوف تزيدها صعوبة توازن القوى داخل البرلمان فأول مرة بعد الثورة ستكون المعارضة السياسية أقوى من السند السياسي للحكومة، فنحن أمام معارضة برلمانية شرسة تقودها كل من الكتلة الديمقراطية التي تضم التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إضافة إلى كتلة الحزب الدستوري الحر بقيادة السيدة عبير موسي، بينما لا نجد في موالاة الحكومة داخل البرلمان أصوات مسموعة ولها صدى مؤثر سوى كتلة النهضة فحتى المنتمين لكتلة قلب تونس لا تضم الشخصيات السياسية البارزة.
هذا الضعف على مستوى الحزام السياسي للحكومة سوف يجعل حكومة الجملي تترنّح مع كل ملف جديد يفتح، ونحن لسنا في حاجة الآن إلى الأيادي المرتعشة مع وجود بوادر حرب إقليمية على حدودنا الشرقية بالجارة ليبيا وبالداخل بالكاد سوف تبدأ تونس فتح ملفات الإصلاحات الكبرى على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي وهي ملفات لا تنتظر لأنها موضوع تعهدات من قبل السلطات التونسية لدى المؤسسات المالية المانحة خاصة صندوق النقد الدولي.
تبعا لذلك، أداء الحكومة هو من سيحكم على مستقبل التحالف بين حزب حركة النهضة وقلب تونس فأي فشل سوف ينجر عنه بحث الطرفين إلى تحميل المسؤولية للطرف الثاني. في نفس هذا الإطار، هذا التحالف التكتيكي الذي أملته ظروف الطرفين سوف يتأثر كذلك بمآل المتابعات القضائية ضد رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي فيما يعرف بقضية تبييض الأموال و التهرب الضريبي… هذا إن لم تعمل حركة النهضة من خلال تحكمها في القضاء إلى “تبييض” حليفها والتحكم في قرارات حزبه في نفس الان بمسك الملفات القضائية كسيف دمقليس فوق رأسه.
لعل أهم نتيجة توصل إليها هذا التحالف الهجين هو صيغة حكومة المناصرين في عباءة المستقلين لتكون مولودا لزواج المتعة بين الحزبين فإن كان المولود حسن الخلق و حاز رضا الناس قاموا بتبنيه و إن كان العكس فيتم التبرؤ منه فهم في النهاية تم تقديمهم على أساس مستقلين وحزب النهضة وقلب تونس يريدون الدخول بأسمائهم في حالة الربح فقط.
شارك رأيك