من أجل للحصول على المبلغ المحدد لتمويل ميزانية الدولة التونسية للعام 2020 لا يوجد أي خيار أمام حكومة الحبيب الجملي القادمة في مستهل مشوارها سوى تنفيذ طلبات صندوق النقد الدولي، ومنها رفع الدعم عن الطاقة، وهو أمر بالتأكيد لن يلقى الترحيب في الشارع التونسي الذي اكتوى بنار الزيادات المتلاحقة في أسعار المحروقات في السنوات الفارطة وسياسة التقشف و الزيادة في الضرائب.
بقلم فيروز الشاذلي
عند إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي كان الشعب التونسي ينتظر ترجمة خياراته الانتخابية على أرض الواقع حسب البرامج المقدمة من قبل الأحزاب الفائزة الممثلة في البرلمان الجديد، حيث قدمت هذه الأحزاب برامجها متضمنة وعودا بلا نهاية للناخبين بتغيير واقعهم الصعب نحو غد أفضل، لكن هذا الواقع يبدو صعب التغيير في ظل ولادة عسيرة لحكومة الحبيب الجملي المؤيدة من قبل أحزاب متناقضة التوجه، مما سيؤثر حتما على أدائها، وهي أصلا ستكون في مرحلة أولى تحت ضغط طلبات صندوق النقد الدولي غير الشعبية، ليجد التونسي في الأخير نفسه محكوما من قبل هذا الصندوق عوض أن يحكم وفق البرامج التي قدمتها الأحزاب ووفق نتائج صندوق الإقتراع، مما يعني أنه على أقل تقدير في المرحلة الأولى لهذه الحكومة سوف تكون إرادة صندوق النقد الدولي هي الغالبة على حساب صندوق الإقتراع لنشهد بذلك صراع الصناديق وتأثيره على حياة التونسيين في سنة 2020.
طلبات صندوق النقد الدولي من الحكومة الجديدة
حكومة السيد الحبيب الجملي سوف تكون في موقف لا تحسد عليه، ففي أول أيامها ستكون في مواجهة عديد الاستحقاقات في مقابل بداية سنة مالية تحتاج إلى تمويل ميزانية الدولة لبداية مشاريعها المبرمجة، في مقابل ذلك قام صندوق النقد الدولي بتعليق صرف مبلغ 1،2 مليار دولار لتونس والتي كانت مبرمجة ضمن الدفعتين السادسة و السابعة من القرض في انتظار التحاور مع الحكومة الجديدة خاصة فيما يتعلق بتعهدها بإكمال مسار الإصلاحات المتفق عليها ضمن الإطار العام للاتفاقية التي على ضوئها تم إسناد الخمسة أقساط الأولى من القرض، حيث من المنتظر في الأيام القادمة قيام بعثة من صندوق النقد الدولي بزيارة إلى تونس لهذا الغرض، وستكون النقطة الأساسية المطالبة بها الحكومة الجديدة حسب الاتفاقية الإطارية هي إكمال مسار رفع الدعم عن المحروقات، حيث كان من المفترض أن تقوم حكومة السيد يوسف الشاهد بالترفيع في أسعار المحروقات في آخر ثلاثية من سنة 2019 إلا أن الحكومة المغادرة لم ترغب في أخذ هذا القرار غير الشعبي وتركته على عاتق مسؤولية حكومة السيد الحبيب الجملي، وحتى أثناء إعداد ميزانية سنة 2020 قامت حكومة الشاهد بترك التحكم في دعم الطاقة وفق آلية التعديل الأوتوماتيكية في الأسعار أي أن أسعار المحروقات في تونس سوف تكون مربوطة مباشرة بنسبة الزيادة في الأسواق العالمية للمحروقات.
لهذا لا يوجد أي خيار آخر أمام حكومة الجملي سوى تنفيذ هذه الطلبات للحصول على المبلغ المحدد لتمويل ميزانية الدولة في مستهل مشوارها الحكومي، وهو أمر بالتأكيد لن يلقى الترحيب في الشارع التونسي الذي اكتوى بنار الزيادات المتلاحقة في أسعار المحروقات في السنوات الفارطة وسياسة التقشف و الزيادة في الضرائب، وهو ما يهدّد بعودة النسق التصاعدي لنسبة التضخم باعتبار أن تكلفة المحروقات تدخل تقريبا في هيكلة أسعار جميع المنتوجات، خاصة أن نسبة التضخم الآن في تونس تعتبر غير مطمئنة ما دامت فوق حاجز 6 %.
من جهة أخرى، هذا التمشي سوف يكون له انعكاس سلبي على صورة الحكومة لدى عامة الشعب التونسي لأن انتظاراته كثيرة حسب الوعود الانتخابية المقدمة له إبّان الانتخابات التشريعية ليفاجأ بأول قرار تتخذه الحكومة الجديدة بالزيادة في أسعار المحروقات تحت ضغط صندوق النقد الدول.
ترجمة إرادة صندوق الانتخابات هي الفيصل في نجاح الحكومة الجديدة
الأرضية التي ستنطلق منها الحكومة الجديدة بالتأكيد ليست بالطريق المفروشة بالورود ولكنها كذلك بالتأكيد ليست بالكارثية مقارنة ما وجدته الحكومات السابقة ولكن ما ينتظره المواطن البسيط هو وجود إرادة في ترجمة مطالبه التي عبر عنها في الانتخابات السابقة سواءا في التشريعية أو الرئاسية خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد الذي يبقى يمثل العائق الكبير أمام استكمال مسار التنمية الشاملة للاقتصاد التونسي وتركيز أسس قوية لديمقراطية ناشئة.
هذا التحدي يتطلب عاملين إثنين أولهما يتعلق بشخص رئيس الحكومة ووجود الإرادة الكافية لديه لفتح ملفات الفساد خاصة في القطاعات الحساسة التي أصبحت تسيطر عليها لوبيات مالية تنخر الاقتصاد التونسي وأصبحت تمثل حجر عثرة أمام تنافسية الإقتصاد التونسي ودخول مستثمرين جدد.
كذلك الأمر على صعيد التهرب الجبائي ومحاربة التجارة الموازية التي أصبحت تمثل دولة داخل الدولة، فتقريبا جميع قضايا التهرب الضريبي وغسل الأموال لم يفصل فيها بعد، وهنا يجب الإشارة إلى وجود عامل ثان فالخاصيات المطلوبة لفتح هذه الملفات لا تنحصر فقط في شخص رئيس الحكومة بل كذلك بالشخصيات التي ستكوّن الطاقم المحيط به، فلا يخفى على أحد أن الطاقم المحيط برئيس الحكومة السابقة السيد يوسف الشاهد كان له دور مكمّل وحاسم في مساعدة الشاهد في فتح العديد من ملفات الفساد بالرغم من التحفظات والسلبيات التي رافقت سياسة الشاهد في هذا المجال.
الحزام السياسي يبقى نقطة الضعف الكبرى للحكومات الائتلافية
لا شك أن الإرادة السياسية لأي رئيس حكومة أو مهما كانت القرارات المتخذة من قبل حكومته وجيهة لن تنجح من دون وجود سند سياسي قوي يتمثل في حزام سياسي للأحزاب المساندة للحكومة العتيدة سواءا على مستوى البرلمان لتسهيل عمل رئيس الحكومة من حيث مرور القوانين الخاصة بتسيير دواليب الدولة وتطبيق برامجها الاقتصادية والاجتماعية والحيلولة دون سقوطها بالتصويت في البرلمان، ومن جهة أخرى تمثل حزاما شعبيا في الشارع لما تمثله هذه الأحزاب من امتداد شعبي للناخبين.
لكن ما يلاحظ في التجربة التونسية الناشئة هو تصدّع الأحزمة السياسية لجميع الحكومات المتعاقبة منذ الثورة وهذا يعود بالأساس لوجود تحالفات حزبية هشة تكون وليدة مصالح ضيقة وآنية ولوجود تناقضات إيديولوجية عديدة مع حدة استقطاب أدّت إلى وجود انقسام دائم على كل الملفات بل في بعض الأحيان يتم استيراد هذه الخلافات من الخارج و الملف الليبي أبرز مثال ففي حكومة الشاهد كان هناك انقسام حاد بين الأحزاب الداعمة لحكومة الشاهد على ضوء هذا الملف.
هذا النمط من التصدّع على مستوى الحزام السياسي للحكومة من المنتظر تواصله مع حكومة الجملي بوجود أحزاب متناقضة فكريا و إيديولوجيا داعمة لهذه الحكومة، كما أن لرئيس الحكومة الجديدة مهمة ليست سهلة في التعامل مع رئيس الدولة قيس سعيّد فرئيس الحكومة من المفروض أن يكون في تفاهم كامل مع رئيس الدولة للاستفادة من امتداده الشعبي الطاغي على الساحة السياسية واعتباره سندا إضافيا لحكومته التي تتلمس خطواتها الأولى في الحكم، ولكن يبدو أن الخبرة قد خانته في أول تجربة حيث حمّل رئيس الدولة ضمنيا مسؤولية تعطيل الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة بسبب وجوده ليلة رأس السنة الإدارية لمتابعة الوضع الأمني الميداني في وسط العاصمة فكأنما الجملي مازال يتعاطى بعقلية الموظّف في شركة خاصة.
شارك رأيك