كانت هناك مقولة تقول: ״يفقد الوزير نصف عقله يوم دخوله للوزارة و يفقد النصف الآخر يوم خروجه منها״. ربّما كان هذا القول صحيحا عندما كان لكلمة وزير وقعٌ في قلوب أهل المطامح و المطامع و لكن اليوم لا أرى أحدا من هؤلاء الوزراء سيفقد شيئا من عقله إن فرحا يوم الدخول أو قهرا يوم الخروج.
بقلم كريمة مكي *
اليوم، لا وزير مازال كما كان الوزير و لا وزراء اليوم يملكون عقولا ليفقدوها، و لو ملكوها ما كانوا ليقبلوا بهذه الهديّة الملغومة التي اسمها الوزارة بعد أن صار أوّلها كآخرها إذلال شديد و مهانة.
كان الوزير إذا سمّي وزيرا ينطلق من غده في مهامه الجسيمة و قدره محفوظ و كرامته مُصانة.
أمّا اليوم فيُعلنون ترشيحه قبل مدّة من تعيينه فيكون مروره الأوّل عبر بوّابة ״الفايسبوك״ التي تقوم – متطوّعة – بتعريته للعموم حتى لا يبقى منه شيئا مستورا و حينها يباح لكل من له عليه ملف أو ضغينة أو حتى شيء من الغيرة وعدم الاستلطاف أن يقوم بنهشه و السخرية من شكله و التعريض به و بزوجه و بأهله.
ثمّ و بعد أن تلوكه الألسن لفترة قد تطول و قد تقصر و إذا ما تمسّك بحلم الوزارة و تمسّك به من عيَّنهُ رغم هول ما قيل فيه و ما كُتب فانه يستجمع همّته و يرتدي بدلته و يذهب ليجلس في مجلس قيل أنه لنواب الشعب و فيه يمنحون الثقة للمقبلين على الوزارة فان كان ذو شبكة مالية و اتصالية نافذة فسيشترى أصوات النوّاب بنفس الطريقة التي اشتروا بها أصوات ناخبيهم و سيضمن بكل يسر سكوتهم عن فضائحه و لو كانت مُدويّة و إن كان جديدا في مجال الفسق السياسي فانه لن يسلم منهم و لو كان نقيا تقيا بلا عيوب و لا سوابق و سيكون يوم مروره بالبرلمان يوم المذبحة فكلّ مشروع وزير هو مشروع صيد ثمين لكل نائب و نائبة ممّن احترفوا إهانة الوزراء و التعريض بهم على الملأ من أجل إغواء جمهور الناخبين لضمان أبدية وجودهم البرلماني. هذه هي علاقة النّائب (البرلمان) بالوزير (الحكومة): مقايضة للتسهيل أو مسائلة للتّعطيل.
هذا هو – يا سادة – نظام الحكم المفروض علينا اليوم و الحصيلة كما ترون: حكومة عاجزة… برلمان كسيح و دولة تضيع في مهب الرّيح.
و تريدون لتونس أن تنجح و للنّاس أن تفرح.
غيّروا نظام الحكم – يرحمكم الله – حتى لا يقال فقد شعب تونس كلّ عقله يوم أدخل رأسه – بكلّ براءة – في وكر السياسة.
* كاتبة و مدونة تونسية.
شارك رأيك