صحيح أنّ هذا الشّعب اليتيم صار محتاجا أكثر من أيّ وقت مضى لأيّ قشّة يشتم منها رائحة الوطنيّة ليتعلّق بها، و لكن ليس لدرجة أن نجعل من المضاربين في سوق السّياسة أبطالا و قادة، و ننطلق فورا في التّهليل و التّطبيل للسيد نبيل القروي الذي أسقط النّهضة و سينقذ تونس من دمارها!
بقلم كريمة مكّي *
سقطت النّهضة في أوّل امتحان في العهدة البرلمانية الجديدة… فهنيئا لتونس أوّلا، و هنيئا للصّادقين في حبّها الذين ابتهجوا بانزياح الكابوس الأطول… و ما هذه إلاّ البداية، فافرحوا قليلا و احذروا أكثر فللنّهضة التقيّة مخالب و أنياب خلفيّة!
أمّا من يُريد أن ينسب شرف إسقاط حكومة النّهضة لرئيس حزب ״قلب تونس״ فيجعل منه الوطني الغيور و الفارس المغوار الذي ضحّى بمصالحه الخاصّة من أجل عيون هذا الوطن، فهذا هو عين الخَوَرْ.
السّياسة أصبحت ملاذا للمستثمرين الخائفين المرتعشين
صحيح أنّ هذا الشّعب اليتيم صار محتاجا أكثر من أيّ وقت مضى لأيّ قشّة يشتم منها رائحة الوطنيّة ليتعلّق بها، و لكن ليس لدرجة أن نجعل من المضاربين في سوق السّياسة أبطالا و قادة، و ننطلق فورا في التّهليل و التّطبيل لِ ״سي نبيل״ الذي أسقط النّهضة و سينقذ تونس من دمارها!
فالسيّد نبيل القروي – و هذا ما يعرفه أعوانه قبل غيرهم – دخل للملعب السياسي فقط لحماية مصالحه التجارية بعد أن أصبحت السّياسة ملاذا للمستثمرين الخائفين المرتعشين، هي التي كانت في الأصل قدر الوطنيّين الصّادقين الذين يصنعون بحياتهم المجد لأوطانهم. و لذلك فانّ رئيس ״قلب تونس״ لا يمكن أن يكون قلبه على تونس أوّلا، كما يُحب عبثا أن يوهمنا هو و قناته التّرويجية لأعماله الخيرية إذ ليس من الهيّن – على فاقد الشيء – إقناعنا بأنّه يحمل همّ تونس بين جنبيه لِنُصدّق أنّه – في اللحظة الحاسمة – سينسى حساباته الخاصة و يندفع اندفاعا لإنقاذها!!! و لتنظروا لقسمات وجهه الباردة و لابتساماته الكثيرة الخاوية و لكل حركاته المتصابية لتفهموا أنّه رجل في الخمسين و يتصرّف بصبيانية طفل في العاشرة!
إسألوا أعوانه السّابقين لتعرفوا كم عانوا من نرجسيته المتورّمة
و قديما قيل: ʺلِتعرفوا الرّجل، اسألوا عنه أهل بيته!ʺ و لأنّ ʺسي نبيلʺ شخصيّة عامّة فبإمكانكم أن تسألوا عنه المقرّبين و خاصة أعوانه السّابقين لتعرفوا كم عانوا من نرجسيته المتورّمة. و يكفي لتعرفوه أكثر أن تسألوا عمّا فعله بالمرحوم سفيان الشعري من مماطلة وعدم تسديد لمستحقّاته في آخر حياته ولورثته، من بعد مماته.
سيقول أنصاره الذين أوصلوه لنهائي الرّئاسيات في 2019 أنّه رجل أعمال ناجح و ذكي.
و سنقول : نعم … و هذا واضح و جلي و لكنّه النجاح الذي يكون فقط بمقياس الرّبح أو الخسارة المالية و ليس بمقياس أخلاق المعاملات و السّمعة التّجارية، و يوم الجمعة الفارط 10جانفي 2020 و من داخل برلمان تونس أثبت لنا ʺسي نبيلʺ أنه فعلا تاجر ناجح يعرف كيف يحسبها جيّدا لفائدته، إذ قام باقتناص الفرصة و أسقط حكومة ʺالجمليʺ التي كانت فرضية سقوطها أقوى بكثير من احتمالية مرورها رغم أنّ السيّد الحبيب الجملي بدا و اثقا من نفسه و مقنعا في خطابه و لو كان الظّرف غير الظَّرف لمرّت حكومته بسلاسة و لصار مضربا في الكفاءة: و لكنّها ظروف جدّت و اجتمعت عليه ليلتها فأسقطته واجتمعت لِنبيل القروي فصعد اسمه كالسّهم في بورصة تونس للأوراق السياسية فهنيئا لِ ʺسي نبيلʺ… و ليفرح بنجاحه إلى حين.
أمّا أن يستمرّ بعد ذلك اليوم، الحديث مجدّدا عن مُنقذ لتونس اسمه نبيل القروي، فليعلم أصحاب الحديث أن للوطنية رجال و نساء سيخرجون قريبا من رحم هذا المخاض الطّويل العسير لنعرف حينها من الذي يعمل لأجل تونس و من الذي يستعمل تونس لأَجْلِهِ.
* كاتبة و مدونة تونسية.
شارك رأيك