الرئيسية » فوزي بن عبد الرحمان: “يوم 14 جانفي لم يكن اجهاضا للثورة بل كان اليوم الذي تحقق فيه أمل الثورة”

فوزي بن عبد الرحمان: “يوم 14 جانفي لم يكن اجهاضا للثورة بل كان اليوم الذي تحقق فيه أمل الثورة”

بمناسبة الذكرى التاسعة لثورة 14 جانفي الذي يحتفل به التونسيون، روى فوزي بن عبد الرحمان وزير الشغل سابقا والقيادي في حزب افاق تونس، ما عاشه لحظة بلحظة في ذلك اليوم الذي انتفض فيه الشعب، نساءا و رجالا، شبابا و شيوخا، هو ذلك اليوم الذي هو امتداد طبيعي لثورة 17 ديسمبر 2019 بسيدي بوزيد.

يروي بن عبد الرحمان هذا اليوم الذي خرج فيه التونسيون صفا واحدا، و بصوت واحد ليقولوا لبن علي، الرجل الذي جثم على البلاد مدة 23 سنة “ارحل!”.

يتحدث بن عبد الرحمان عن اليوم الفاصل في تاريخ بلاده و كل توابعه من اخفاقات و نجاحات في تدوينة هي من وحي الساعة، هي رواية شاهد على عصر هي نظرة على الماضي، هي نظرة ثاقبة للمستقبل.

كنت من بين عشرات الآلاف التي خرجت يوم 14 جانفي إلى شارع الحبيب بورقيبة أمام وزارة الداخلية. أتذكر جيدا أصدقائي الذين ذهبت معهم و أتذكر جيدا مسافة شارع محمد الخامس سيرا على الأقدام و أتذكر جيدا كيف كنا نمشي معا رجالا و نساء، شبانا و فتياتا منهم من يحمل علم تونس و أتذكر جيدا شعورا مشتركا بضرورة النزول إلى وسط العاصمة بالرغم من إعلان الإتحاد عن إلغاء الإضراب يومها و بالرغم من التوجس من خروج أنصار التجمع في مسيرة مضادة و بالرغم من عدم الثقة في ردة فعل قوات الأمن المجندة ذلك اليوم.

كان ذلك يوم 14 جانفي، و كان ذلك اليوم تواصلا طبيعيا ليوم 17 ديسمبر بسيدي بوزيد، و تواصلا ليوم 19 ديسمبر بمنزل بوزيان، و… بتالة و تواصلا لكل الأيام التي سبقت و منها يوم 12 جانفي بصفاقس يوم خرجت أضخم مظاهرة على الإطلاق.

لم يكن يوم 14 جانفي إلا تواصلا مع كامل جهات الجمهورية و لكن كان تتويجا لعدة أسابيع من التظاهر و أسابيع عديدة من الأمل و الألم الذي صاحب سقوط أكثر من.. شهيد و مصاب في كل أنحاء البلد.

لم أكن ممن أخرجتهم السفارات الأجنبية بتونس مثلي مثل عشرات الآلاف من التونسيين و التونسيات.. لم نر يومها في الشارع إلا أناسا غير مكترثين بما يمكن أن يصير. لم تحاول أي قوة سياسية الإلتفاف على تلك الهبة.. كانت مية الجريبي و رفاقها من جملة المتظاهرين.

خرجنا لأنه كان يحدونا أمل مشترك.. و خرجنا نعبر عنه بتلقائية نادرا ما تجتمع في لحظة.. و كان ان اجتمعت يوم 14 جانفي بالعاصمة.. و كان لهذا اليوم ان يغير المعادلة راسا على عقب و أن يغادر بن علي ارض الوطن و أن يسقط النظام يومها.. العاصمة هي بلد كل التونسيين و كان لها عبر التاريخ أن يكون تأثيرها مصيريا نظرا للقيمة الرمزية التي تحملها كعاصمة لتونس.. و عاصمة لكل التونسيين.

كنا يومها متحدين.. لم يكن هناك جنوب و شمال، أو شباب و شياب او رجال و نساء او شغالون و عاطلون او اطارات و عملة او جامعيون و طلبة او نخب و مواطنون او متحجبات و سافرات.. كنا مجموعة واحدة.. كنا شعبا واحدا.. و كانت تجمعنا صيحة واحدة لم تهمسها لنا سفارة او خيانة : “الشعب يريد إسقاط النظام” و لم نكن نحلم يومها أن النظام سيسقط في نفس اليوم.

نعم.. إنها ثورة.. قام بها شعب.. بدون قيادة.. و كما تابع اهل العاصمة باهتمام شديد حوادث المدن و القرى.. تابع كل التونسيين حوادث 14 جانفي بالعاصمة بكل جوارحهم.. و كانت تونس على وسائل التواصل موحدة.. و كنا يدا واحدة.. لانه كان يجمعنا حلم و أمل واحد. لم نختلف على تاريخ الثورة هل هو تاريخ البداية او تاريخ الانتهاء.. لم نختلف يوما على مكان الثورة.. كانت تونس كلها.. واحدة موحدة.

مرور جنازة شهيد أشعلت المظاهرة أمام وزارة الداخلية و أشعلت الأجواء التي صاحبها فيما بعد عنف بوليسي أدى إلى تفريق المتظاهرين و ترويعهم.

و تواصلت وحدة المواطنين بعد يوم 14 في كل أنحاء تونس للحفاظ على أحيائهم و مصانعهم و مرافقهم. غاب الأمن في الأيام التي تلت و لكن حظر شعور رائع و نادر.. تونس بلدنا و لن نتركها تسقط و سنحافظ على الأمن العام.. و كانت مشاهد في غاية من الروعة و إكتمال الوعي الجماعي.. نتذكرها جميعا و نتحسر عليها.

يوم 14 جانفي و الأسابيع التي تلت كانت بالنسبة لنا أملا.. أملا أن تونس ستكون أفضل و ستكون بخير و أملا أن نسترجع جميعا شيئا من السلطة الرمزية للتأثير في مصيرنا.

تفرقت بنا السبل بعد ذلك.. تفرقنا بين أزلام و ثوار، بين مسلمين و كفار، بين حداثيين و تقليديين، بين أنصار بورقيبة و أعدائه ، بين نزهاء و فاسدين، بين سكان الشطوط و الجبال، بين الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب، بين المترفين و الضعفاء.. ثم تفرقنا بين العشائر و القبائل (بمفهومها الحديث و القديم).
أن نتفرق بين الأحزاب لإختلاف في الرأي حول إدارة الشأن العام فهو مشروع.. أما أن نتفرق حول أسس الوحدة الوطنية و مبادئ العيش الكريم المشترك.. فهذا هو الخطر.

تفرقنا في الواقع بين التاريخ و المستقبل. كان لا بد أن نقرأ تاريخنا و أخفقنا في ذلك أيما إخفاق و كان لا بد أن نتجاوز و أن نطوي صفحة التاريخ لبناء مستقبل أفضل و أخفقنا في ذلك و كان لنا أن نجدد عقدنا الإجتماعي المشترك و لا نزال مخفقين في ذلك.

إلى اليوم.

يوم 14 جانفي لم يكن إجهاضا للثورة بل كان اليوم الذي تحقق فيه أمل الثورة.

كل 14 جانفي و أنتم بخير في كل ربوع هذا الوطن المتعب.


شارك رأيك

Your email address will not be published.