تحية إلى روح المناضلة السياسية والناسطة النسوية مية الجريبي في إلى زعيمة الحزب الجمهوري الرّاحلة، مَيَّة الجريبي، في عيد ميلادها الستّين… حتّى لا نكون ʺإكسسواراʺ لزينة المجالس!
بقلم كريمة مكي *
كلّ عام و أنتِ فخرنا… أنتِ التي يَصْدُقُ فيك، حقّا، قول الشّاعر الأعظم في رثاء أُمّ ʺسيف الدولةʺ:
ʺو لو كانت النّساء كمن فقدنا
لَفُضِّلت النّساء على الرّجالِ.
و أفجعُ من فقدنا من وَجَدْنَا
قُبَيْلَ الفقدِ مفقود المثالِ.ʺ
رحمك الله يا – مَيَّة-،
كانت السّياسة حُلمك الذي فيه أفنيت عمرك! و كانت هذه المعشوقة اللّدودة، معك قاسية و عصيّة ولكنّها أكرمتكِ بطريقتها! لم تُهديك الحكم و السّلطة كما هو منتظر و لكنّها أهدتك ما هو أجمل و أبقى: الاعتراف بفضلك على العمل السّياسي الذي صار ممكنا أن نرى فيه امرأة بخصالك!!!
بإصرارك…
بصبرك و إيمانك
بصِدقك و صدق نضالك،
بأخلاقك الرّفيعة،
بأياديك النّظيفة،
برجاحة عقلك،
برحابة فكرك،
بفصاحة قولك…
يا الله…
أيُّ خِصال، هذه التي كانت يا – مَيَّة- خصالك!
ʺأتعبتِ النّساء، والله، بعدك!ʺ
كُنتِ المناضلة الصّادقة و كنتِ زعيمة الحزب الوازنة، و كنتِ النائبة المحترمة المقتدرة، فكنتِ نِعْمَ المُناضلة و نِعْمَ القائدة و نِعْمَ النّائبة.
آهْ، لو تدرين، يا – مَيَّة- ما حالُ أدعياء النّضال بعدك،
لا فَهِمُوا…و لا قدروا…و لا ابتعدوا … يا ليتهم فقط استتروا و ما انكشفوا كما انكشفوا!
آهْ، لو تدرين يا – مَيَّة- ما حالُ حزبك اليتيم بعدك و ما آل إليه من خروج مُذلّ من إطار الخارطة السياسية للوطن بما لا يليق أبدا بذكراكِ و لا بذكراهِ!!
و آهْ يا – مَيَّة- و ألفُ آهْ على حال ʺمجلس النوّاب ʺ في هذه الأيّام!!!
في عهدك و في عُهدتك النيابية يا – مَيّة- ، كانت تأتي للمجلس الروابط المأجورة لحماية الثورة و تقف على بابه لتقذف المعارضين ʺللترويكاʺ – وكُنتِ منهم- بأقذع النّعوت و أحطّ الشتائم.
اليوم دخل أعضاء روابط حماية الثورة للمجلس و صاروا ʺحضرات النوّاب المحترمينʺ و ما عاد العراك و الشتم و السّباب يقف أمام الباب أو حتّى عند حدّ حوائط الفايسبوك، بل صار يتم فوق الحلبة الخضراء و بين الكراسي و فوق الكراسي!
كما صار للنائبات – يا مَيَّة-، أسماء جديدة غير أسمائهن المعروفة، فهذه ʺالمريضة المهسترةʺ و تلك ʺاليتيمة الزّغراطةʺ و الأخرى ʺوجه الغوريلاʺ…
نعم…هذه حالة مجلس نواب الشعب الذي كان يُسمَّى يوما ʺمجلس الأُمّةʺ و ما تزال أمّي تُسمّيه كذلك حتّى يومنا هذا، و مازلتُ إلى اليوم، أذكر صديق والدي الصَّدُوق، الشّيخ ʺالقزوني السويسيʺ، رحمه الله، و صوته الجَهْوَرِي الذي كان يعشقه الجميع و خاصّة ʺمحمّد مزاليʺ المفتون أبدا بالعربيّة و سِحرها فكان كثيرا ما يعبّر للشيخ ʺالقزونيʺ عن استمتاعه بخَطَابَتِهِ و جمال تدخلاته في المجلس بل و يطلب منه أن يزيدهم، دوما، من زاده.
كان أبي يقول لي: ʺالشيخ القزونيʺ زيتوني التكوين، لا يعرف من اللّغة الفرنسيّة إلاّ مفردات قليلة و مع ذلك صار نائبا في الأمّة.ʺ
و كان للكلمة وقعها في قلبي.
كانت كلمة ʺالأمّةʺ تعبّر عن عظمة الرّسالة و جسامة المسؤولية و عمق اللفظ و المعنى حتى صرنا اليوم إلى حال لم يكن ليخطر لنا على بال.
لقد أنزلونا يا – مَيَّة- إلى سفالة الحضيض، و كنّا، معك أنتِ بالذات، نحلم بمجلس يقطع مع الرّداءة في مختلف تجلياتها ليرتقي بتونس إلى ما هو أجمل و أبهى.
في عيد ميلادك الستّين، أردتُ أن أقول لكِ:
كل عام و أنت بخير، هناكَ، في عُلاك.
و هُنا، مازلنا سنُحيي ذكراك… و منها نستلهم الصّورة الأرقى للعمل السّياسي فلا تكون فيه المرأة – بموجب قانون التّناصف الغبي- إكسسوارا لزينة المجالس، بل تكون، باستحقاقها، السّياسيّة الفاعلة و العاملة لما فيه خير الأسرة التونسية و الأجيال التونسيّة و الأُمّة التونسية.
* كاتبة ومدونة.
شارك رأيك