برز قيس سعيد تحت عناوين الغموض فلم يشر يوما لأنه يمتلك برنامجا مكتمل البنيان بالعكس كان يشير دوما الى أن برنامجه الوحيد هو تطبيق القانون وكأن تطبيق القانون أصبح حلما يراود التونسيين بعد سنوات العبث الأخيرة…
بقلم وسيم البوثوري *
يبدو أن الأمر يتجاوز الفهم القريب لتطبيق القانون بل هو المعنى البعيد لتطبيقه حيث يعج ذهن الرجل بعديد المبادرات التشريعية التي يأمل أن تصبح قوانينا ليطبقها خاصة تلك المتعلقة بالنظام السياسي والقانون الانتخابي… إذ لم يخفي الرجل في تصريحاته النادرة ميله لنظام مجالسي يحاسب فيه ممثلي الشعب وينتزع منهم التكليف في غياب واضح وجلي لأي نزوع لمحاسبة رأس النظام (رئيس الجمهورية).
لماذا عمل قيس سعيد على إفشال حكومة الحبيب الجملي ؟
خيل للسيد رئيس الجمهورية المنتخب بنسب مئوية عالية في الدور الثاني أنه يمتلك تفويضا شعبيا لممارسة سلوكات سياسية لا ينص عليها الدستور ولم ينبهه من يحيطون به أن الحظ أسعفه بمنافس ضعيف كان سببا مباشرا في مضاعفة أصوات ناخبي السيد سعيد بشكل لم يكن يتخيله، فبادر بعد بضعة أيام من مباشرته لمهامه بعقد صفقة مع رئيس حكومة تسيير الأعمال يوسف الشاهد أبعد بمقتضاها وزيري الدفاع والخارجية لأهواء شخصية تبين في ما بعد أن لا دخل لها بالتسيير اليومي لدواليب الدولة أو بمواقف معلنة بالوضوح في الحملات الانتخابية تجرم التطبيع (بيان وزارة الخارجية الأخير الموجه لألمانيا).
قرر قيس سعيد أن لا تمر حكومة الحبيب الجملي فأرسل مبعوثه الخاص لإقناع منافسه في الدور الثاني نبيل القروي بعدم التصويت للحكومة مقابل تعهدات – تبين انها وهمية – بموقع مريح ضمن الأغلبية الرئاسية، ليمر قيس سعيد لاختيار الشخصية الأقدر وفق ما يتيحه له الدستور فاختار شخصية كلفها بتكوين حكومة حول نفسه تجازي داعميه وتعاقب حتى منافسيه في إشارة واضحة لما يحيط بشخصية الرجل من تضخم “للأنا” حتى خيل له أنه ملك تونس المتأله.
هل يقتسم الرئيس سعيد السلطة مع حركة النهضة خلال السنوات القادمة؟
ليس هنالك هاجس يسيطر على ذهن الرئيس إلا الاختيار بين أن يواصل تكليف إلياس الفخفاخ بإفشال تشكيل الحكومة أو أن يحث حركة النهضة على عدم التصويت لها في صفقة عنوانها قانون انتخابي جديد يرفع من العتبة الانتخابية وتعديل للنظام السياسي يحوله من شبه برلماني الى رئاسي معدل وبالتالي يقتسم الرجل السلطة مع حركة النهضة للعشر سنوات القادمة، غير أن المحيطين به يدفعونه لسيناريو آخر أقل تكلفة وأقل مخاطر عبر إفشال مسار تكوين الحكومة وبالتالي احتفاظ الرئيس بورقة حل البرلمان – حيث لا يلزمه الدستور بذلك – فيحافظ على حكومة تسيير الأعمال ويصبح البرلمان تحت رحمته بعنوان ورقة حله وبالتالي تتمركز كل السلطة التنفيذية في يده وتصبح السلطة التشريعية كعرائس الدمى تنفذ مشاريع القوانين التي يعج بها ذهن الرجل ليطبقها من بعد بيد من حديد.
لم تكن تونس في التسع سنوات الأخيرة أمام خطر التغول المخيف مثل ما تعيشه الآن.
* ناشط سياسي والناطق الرسمي السابق للحزب الجمهوري.
شارك رأيك