من الأكيد أن الصينيين سيتمكنون من القضاء على فيروس الكورونا سيء الذكر قبل أن يتمكن الساسة التونسيون من تشكيل حكومة جديدة بينما البلاد على حافة الإفلاس. الذكاء والمسؤولية من جهة والغباء واللامسؤولية من الجهة الثانية : لا مجال لأية مقارنة بين شعبين تفصل بينهما قرون من العلم والعمل…
بقلم فتحي الهمامي *
1- الأخبار عن فيروس ” كورونا ” تُسابق الزّمن٬ و تتسابق مع الفيروس. منْ مِنهُما الأسْرع انتشارً؟ الفيروس وحش شّرس مُهلِك٬ انْفلت فجأة في الصينِ. لِينْطلق هذا البلد في حرْبٍ ضدّه لا هوادة فيها. و إنْ أقرّ الصينيون أنّ قُدرة “كورونا” على الانْتقال تزْداد قوّة. فإنّهم – في المُقابل- يُدْهِشون العالم بِسرْعةِ تحرّكهم لِمُواجهتِهِ٬ و بِقدُراتِهم على تعْبئة قُواهم. الوقت قُدْسُ الأقداس عندهم ٬ وروحُ القُدْسِ: تمكّن الصين – في وقت قياسي مُثير – من بِناء مستشفى جديد٬ يقدم العِلاج لِلْمُصابين.
2- الحِكمة الصينية تقول: “من اسْتهان بِالوقت نبذه الزمن”. أمّا في تونس٬ الوقتُ ليْس من ذهب. في حين تتطلّبُ نجدة وطنِنا العجلة و عِصيان الزمن. إذْ ليْس جديدا القول أنّ جِسم الوطن يشكو من ألام عدّة ٬و أن أكثر أعضائه تئِن و تتوجع٬ و أنّ أضْواء مُؤشراته الصّحيّة مُضطربة.
3- و في الوقت الّذي تشدّ فيه الأزمة على رقبةِ البلاد٬ مُطْبقة عليها. يسْتغرقُ “قادتها” في لُعبة التّشكيل الحكومي! يتريثون٬ يتمهلون٬ يتباطئون ٬ ينظرون إلى الوقت غير مُبالين. ولكن لِماذا هذا السلوك؟ رُبما هم يُشبهون الكواسر. الّتي تنْتظر إصابةِ الفريسةِ بِالإعياء(المغْنم الفئوي) قبْل الانْقِضاضِ عليْها.
4- أحزاب – إذن – تتصيّد الغنيمة٬ و أُخرى تتحيّن الفرصة. يتبارزون من أجْلِ إعلاءِ الراية الفئويّة. بلْ بينُهم من يُفضِّلُ الإخْلاصِ للرّاية الفئويّة على الإخلاصِ للوطنِ. نفسه الرئيس يغرق في نسْجِ رايته الذاتية !
و الأسئلة على ضوْء ذلك: متى تبدأُ عمليّة تخلِيصِ البِلاد من أزمتِها ؟ و من يبدأ ؟ هلْ نستورد حكومة جاهزة من الصين تتولى المُهِمة؟ بما أنّ المشْيٙ على طريقِ الوحدة الوطنية مُقفلا حاليا أمام السيْرِ٬ إذْ تسدّ اليافطات ” الطائفية ” الدخول إليه؟
5- أقول: نظريّا طريق الوحدة الوطنية يبقى الطريق الأسلم٬ الدرب المُوصل إلى برّ الأمان.
ألمْ تسْلك أُممٍ عدة في التاريخ٬ عند مُواجهة عدو أو طارئ٬ ذلك الطريق ؟ لا شك أن السيْر في ذلك الطريق شاقّ و صعْب ! إذ أنّ الوقود اللازم للسيْر عزيزٌ و نفيسٌ٬ فهو طاقة نادرة٬ يتأتى مصدرها من قِيمٍ ثمينة: التآزر والتّضامن والإيثار. كلّ الصعوبة – إذن – تكمن في توفير تلك الطاقة.
6- و من الطبيعي أن تكون الترجمة السياسية لذلك الطريق٬ انجاز حكومة الوحدة الوطنية. و الّتي يرتكِز توجُهها على بناء عقدٍ اجتماعيّ فيهِ:
1.6 تقاسم التضحيّات
2-6 نزع فتيل حرب المواقع السياسية٬ و التطلعات الفئوية (ولو إلى حين)٬
3-6 التوافق على برنامج إنقاذ واضِح المعالم٬
4-6 تكوين إجماع (أو الاقتراب منه) سياسي يُناصر الحكومة٬
5-6 تعبئة وطنيّة للإسناد و الانْجازِ.
7- و الدّعوة إلى حكومة الوحدة الوطنية: حقّ عند البعْض٬ مُداهنة و مُداراة عند البعض الآخر. حزب النهضة – نفسه- دعا إلى حكومة الوحدة الوطنية (أنظر بيان مجلسه الأخير)! كيف؟ ألم يرفع رايته الفئويّة على حساب الراية الوطنية في أكثر من مرة: إنْفاذِها (الراية) في وزارتيْ العدل و الداخليّة٬ انتدابات عشوائية لِفائدته أغرقتِ الإدارة٬ مُقايضة ذي الشبهة ماليّا و أعوان العهد السابق للخضوع لها٬ سياسة خارجية قائمة على مُولاة رايتها٬ مُحاولا ت إخْضاعِ الإعلام لِرايته٬ الدّخول بِقوة لِفرْضِ حُكومةٍ (الجملي) مُنضبطة لِرايتِه٬ مُكافئة حملة راياته بِالتعيين في ديوان المجلس النواب٬ و غيره كثير. ألا يُعدّ ذلك من باب المُخاتلة ؟ أو ذرّ الرمادِ في الأعيُن ؟
8- أمّا الرئيس٬ الّذي كان بِالإمكان أن يكون رمز الوِحدة الوطنيّة عند الشدائد٬ اخْتار – من جِهته – أن يبْعث بِمناسبةِ التّكليف الثاني بِرسالة لونُها فئوي٬ و الّتي – فِيما أرى – لن تزيد إِلا في إهدارً الوقت. إذ صنع لِحكومةِ إلياس الفخفاخ كِساءً سياسيا غريبًا (حزام سياسي)٬ يُشبِهُ يافِطتِه : ألوان عدّة متنافرة٬ أقصى منها لونيْن٬ باسم “الشعب يريد”ْ!
لم يبْعث الرئيس – إذن – بِرسالةٍ إيجابية في هذه الفترةِ العصِيبةِ (عند التّكليف أو في الحوار التلفزيوني) يحثّ فِيها على المُشترك الوطني٬ وعلى الاجتماعِ الواسعِ في سبيلِ الوطن٬ و على احترامِ الوقت٬ و على خفْض الرّايات الفئويّة (وهي كثيرة و إن أتيت على اثنين أو ثلاثة منها).
9 التّشكيل الحُكومي٬ الّذي يقول أنّه ينْتهج سبيلِ الوُضوحِ و بناءِ الثّقةِ ( أنظر: مذكرة تعاقديّة من أجل ائتلاف حكومي – حكومة الوُضوحِ و إعِادة الثّقة)٬ فبِالعكْسِ إنّما تكسُو عناوِينِهِ ضّبابيّة شديدة. بِغاية إرْضاءِ اليافِطاتِ المُتنافسة.
من يصدّق أن ليبرالي و اجْتماعي يتّفقان على مبادئ الثورة؟ و أنّ الأصُولي سيضعُ اليد فِي اليد مع التّحديثي لِمُواصلةِ الثورة؟ ألا يعدو ذلك إلهاء و تلهيّة؟ كان الأوْلى أنْ يتمّ وضْع هويّة واضِحةٍ لِلْحكومة من قِبل المُكلف٬ ثمّ يُرى منْ مِن الأحزابِ و الكُتل ستوافق عليًه. لا انْتهاج العكس القائم على الإقْصاءِ.
10- ما العمل إذن؟ أرى أنّ الإنقاذ الوطني هو الحلُ. إنقاذٌ مشروط بِنهوضٍ وطنيٍّ شاملٍ٬ قائم على قيمتيْن أساسيتيْن متلازمتيْن هُما: الوطنيّة و المُواطنة.و تكونُ رافِعتُه قوة سياسيّة وطنية. و غير ذلك إضاعةً للوقتِ.
* ناشط جمعياتي و سياسي.
شارك رأيك