إن سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية أصبح مقياس التحدّي بين الأحزاب السياسية في المعركة الدائرة حول تشكيل الحكومة القادمة، لكن أغلب هؤلاء السياسيين تناسوا أو تجاهلوا الانعكاسات الكارثية لمثل هذا السيناريو لو ذهبت إليه البلاد فعلا لأن أغلب السياسيين في حقيقة الأمر يدافعون عن مصالحهم الحزبية الضيقة بينما تأتي مصلحة الوطن و المشاغل الحقيقية للشعب و أوضاعه المعيشية الصعبة في الدرجة الثانية.
بقلم فيروز الشاذلي
في الآونة الأخيرة الكل يبدي استعداده لإعادة الانتخابات و أنه لا يخاف من الرجوع لصندوق الاقتراع معتزّاً بجدارته بأصوات الناخبين، لكن لا أحد على الإطلاق من هؤلاء السياسيين تساءل عن ذنب الشعب البسيط في تحمّل أوزار هذا الاختيار وعن رغبته من عدمها في إعادة الانتخابات، فالفاتورة القاسية في صورة إعادة الانتخابات سيتحملها الشعب وحده الذي أصبح رهينة لدى الأحزاب السياسية الباحثة عن التموقع وحفظ مصالحها مهما كلّف الأمر حتى لو بالتضحية بالمصلحة العليا للوطن. هذا الوطن الذي كلما تحسّنت بعض مؤشراته الاقتصادية إلا ويتم عرقلتها بالأزمات السياسية نتيجة خلافات الأحزاب داخل البرلمان.
سيناريو ممكن لإعادة الانتخابات
يبدو أن أجواء عدم الثقة السياسية بعد الانتخابات التشريعية السابقة بين الأحزاب الفائزة مازالت مسيطرة على المشهد السياسي التونسي بل زادت حدّة بفعل المناكفات السياسية وعدم النضج السياسي لبعض الأطراف التي لم تتأقلم مع العمل الحزبي، فما بالك بالعمل ضمن نظام برلماني صعب المراس، فحتى بعد اللجوء إلى رئاسة الجمهورية وتعيين السيد إلياس الفخفاخ كمكلف بتشكيل الحكومة أصبحت هناك مشكلة رئيسية تتمثل في إشراك قلب تونس من عدمه، خاصة مع إصرار بعض الأطراف داخل حزب حركة النهضة على الدفع نحو توسيع الحزام السياسي للحكومة بإشراك هذا الحزب و عدم الذهاب في سياسة الإقصاء حتى تتمتّع الحكومة بأوسع قاعدة نواب برلمانية من ناحية وعدم تقوية المعارضة بتحالف حزب نبيل القروي مع حزب عبير موسي الحزب الدستوري الحر، لكن هذا الطرح لم يلاقي تجاوب إلى حد الآن من طرف رئيس الحكومة المكلف ولا من الأحزاب المدعوة للمشاركة في تكوين الحكومة حتى من طرف الحليف المقرّب من النهضة، و نعني ائتلاف الكرامة.
في صورة تواصل هذا التباعد و إصرار الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة على المطالب و السقوف العالية و المراهنة على سياسة الشد و الجذب إلى آخر لحظة سوف يجعل إمكانية سقوط حكومة إلياس الفخفاخ ممكنا كسابقتها برئاسة محمد الحبيب الجملي.
سيناريو كارثي بكل المقاييس
سيناريو إعادة الانتخابات أصبح هو لغة ومقياس التحدّي بين الأحزاب السياسية في المعركة الدائرة حول تشكيل الحكومة القادمة لكن أغلب هؤلاء السياسيين تناسوا أو تجاهلوا الانعكاسات الحقيقية لمثل هذا السيناريو لو ذهبت إليه فعلا البلاد لأن أغلب السياسيين في حقيقة الأمر يدافعون عن مصالحهم الحزبية الضيقة بينما تأتي مصلحة الوطن و المشاغل الحقيقية للشعب في الدرجة الثانية، لذلك يجب القول دون مواربة لهؤلاء السياسيين إن هذا السيناريو كارثي بكل المقاييس على الشعب التونسي و أوضاعه المعيشية الصعبة و البلاد لا تتحمل الفاتورة الباهظة لمثل هذا الاختيار اللامسؤول.
صحيح أن الدستور يسمح بذلك في صورة تعذّر منح الثقة للحكومة ولكن دولة تعاني من عدة صعوبات اقتصادية و اجتماعية خانقة لا تحتمل فترة انتقالية أطول مما عشناه فلو ذهبنا نحو هذا السيناريو الكارثي لا يمكن التنبؤ بالفترة الانتقالية القادمة التي حتما ستطول بحكم إعادة تكليف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وما سيتطلبه الأمر من إعداد لوجستي لهذه الانتخابات علاوة على أن النتائج التي ستسفر عليها ليست مضمونة لأي طرف بحكم حالة العجز التي تشهدها الديناميكية الحزبية.
ومن جهة أخرى سوف تكون نسبة المشاركة في حدودها الدنيا بكل التأكيد وستشهد نسبة مقاطعة كبيرة من الناخبين كتعبير و احتجاج على أداء الطبقة السياسية، إذا الاحتمال الأكبر أن تكون النتائج المحتملة لإعادة الانتخابات عبارة عن فسيفساء حزبية أكثر تشتّتا من الآن وهذا ما دعمته كافة عمليات سبر الأراء لنجد نفسنا قد خسرنا قرابة عام كامل كفترة انتقالية بدون فائدة ترجو مع تكلفة اقتصادية باهظة الثمن.
المواطن البسيط هو الضحية
إن إعادة الانتخابات يعني بكل بساطة تدهورا كبيرا لكل المؤشرات الاقتصادية وذلك لسببين رئيسيين، السبب الأول، وهو ناتج عن الصدمة الحينيّة لسقوط حكومة الفخفاخ باعتباره في نهاية الأمر هو فشل للمنظومة السياسية للأحزاب البرلمانية، حيث سيترتب عليه تأجيل استلام الدفعة المقررة من قرض صندوق النقد الدولي بسبب عدم وجود حكومة منتخبة دائمة تتفاوض مع مجلس الصندوق، وهو ما يعني بطبيعة الحال ارتفاع نسبة المديونية نظرا لأن تونس في الفترة الانتقالية المفروضة علينا في صورة إعادة الانتخابات سوف تلجأ إلى الاقتراض الحر من الأسواق المالية العالمية، ومع هذه الظرفية سوف تجبر تونس على الاقتراض بفوائض عالية جدا لتمويل احتياجات الميزانية المقررة سلفا ضمن قانون المالية لسنة 2020.
كما أن هذه الوضعية المعقدة سوف تؤدي إلى تخفيض الترقيم السيادي لتونس من طرف الوكالات العالمية المختصة في الترقيم الائتماني كوكالة “فيتش” و “موديز” و التي بطبيعتها سوف تؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض من الخارج مما يهدد في الدخول في دوّامة مالية تنجر عنها مزيد الارتهان للخارج ومزيد من سياسة التقشف في الداخل.
من جهة أخرى عديد القطاعات سوف تتأثر بشكل مباشر بهذا السيناريو نتيجة عدم وجود رؤية واضحة كبورصة الأوراق المالية التي بدون شك سوف تنخفض أسمهما بشكل حاد مما يؤثر سلبا على الأسهم المالية للشركات المدرجة و التي ستتأثر أنشطتها الاقتصادية سلبا لهذا السبب.
كما أن هذه الوضعية سوف تجعل المستثمرين في حالة ترقب مما يهدّد بالتنقيص في حجم الاستثمارات سواءا الداخلية أو الخارجية مما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة وظهور أزمات اجتماعية متنقلة نتيجة الوضع.
السبب الثاني متعلّق أساسا بإِطالة فترة تصريف الأعمال فنحن الآن قرابة أربعة أشهر في ظل وضعية حكومة لتصريف الأعمال و بإعادة الانتخابات قد تمتد هذه الفترة إلى قرابة السنة والعديد من مشاكل المواطن تنتظر الحل وليس تعقيدها أكثر خاصة أن حكومة تصريف الأعمال الحالية بها الكثير من الشغورات على رأس عديد الوزارات حيث أن العديد من الوزراء يقومون بتسيير وزارة ثانية بالنيابة إلى جانب وزارته الأصلية ورغم المجهودات المبذولة من بعض هذه الوزارات لكن الوضع العام سوف يتحمله المواطن من غلاء معيشة وبروز مظاهر عنف مستغلة حالة الفراغ النفسي للدولة كالبراكاجات.
يجب أن لا ينسى هؤلاء السياسيين أنهم يتلاعبون بمصيرنا جميعا فتونس ليست بلجيكا التي دامت فيها فترة تصريف الأعمال مدة عامين وليست تركيا أو إسرائيل اللتين أعيدت فيهما الانتخابات بسبب عدم الحصول على الأغلبية داخل البرلمان فهذه دول متقدمة كثيرا علينا على المستوى الاقتصادي مما يتيح لها تحمل تبعات التأخير في تكوين الحكومات وخاصة على مستوى تجذّر معنى دولة المؤسسات كممارسة فعلية وليست كالحالة التونسية المستجدة على الممارسة الديمقراطية و الفعل المؤسساتي.
لذلك، ما على السياسيين القائمين على هذه الأحزاب سوى التفكير مليا في هذا السيناريو لأنه سوف يكون كارثيا على الوضع الاقتصادي لتونس و بالتأكيد سوف تدفع هذه الأحزاب نفسها فاتورة ذلك عاجلا أو آجلا.
شارك رأيك