منذ تكليف السيد إلياس الفخفاخ من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد بتأليف الحكومة و إعلانه عدم مشاركة قلب تونس في مشاورات تكوينها سعت حركة النهضة إلى الضغط عليه بكل ما تملك من قوة ضغط لدفعه للتراجع عن موقفه المبدئي الرافض لمشاركة حزب نبيل القروي أو إسقاط الحكومة في البرلمان. ووراء هذا الموقف المفاجىء والمتناقض مع المواقف السابقة للحركة الإسلامية أسباب خفية تمليها حسابات سياسية…
بقلم فيروز الشاذلي
أفضت الجهود المكثفة لرئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي إلى عقد لقاء بين الطرفين في بيت هذا الأخير، وهذا التطور الطارئ على المشهد السياسي أثبت من جهة أن حركة النهضة – بالرغم من كل ما قيل أنها فقدت زمام المبادرة -ا مازالت تمثل رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في الساحة السياسية التونسية ومن جهة أخرى قوة الإصرار من قبل هذه الحركة وخاصة رئيسها في إشراك قلب تونس يؤكد وجود أسباب خفية تمليها الحسابات الذاتية للحركة الإسلامية حسب ضروريات ومعطيات المشهد السياسي الحالي.
النهضة تريد سحب البساط من حزب عبير موسي
في إصرار النهضة على تشريك قلب تونس هناك عديد العوامل والأسباب، ولكن إن حاولنا تفسير هذا الأمر في البداية من منطلق موضوعي نجد أن الحركة تحاول بكل جهدها توفير أوفر السبل لنجاح الحكومة القادمة التي ستكون حركة النهضة من بين المساهمين الفاعلين فيها باعتبارها الحزب الأول الفائز في الانتخابات الأخيرة والذي لا يمكن التخلي عنه لعدة عوامل أهمها احتياج رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ إلى دعم مثل هذه الحركة التي تعتبر الحزب الوحيد المتماسك و الصلب على مستوى هياكله ومؤسسات تسييره.
في مقابل ذلك سيكون نجاح الحكومة بهذه الصيغة الفاعلة لحركة النهضة في تكوينها هو في حد ذاته نجاحا سياسيا لها، وفي هذا الإطار سعى رئيس الحركة إلى توفير أبجديات نجاح أي حكومة برلمانية عبر تقليص أكثر ما يمكن من خطوط المعارضة لها تحت قبة البرلمان، فما بالك لو تم ترك حزب قلب تونس في أحضان حزب عبير موسي لكي يتحالف معها فتصبح قوة معارضة شرسة تربك وتضعف عمل الحكومة عبر تشكيل قوة معرقلة لعملها داخل البرلمان بالعدد الهام للنواب لكل كتلة وكذلك عبر الذراع الإعلامي لحزب قلب تونس وهي قناة نسمة التي ستصبح بكل تأكيد القناة الرسمية لعبير موسي وحزبها.
لذلك لا تريد حركة النهضة أن تنقطع سبل التواصل نهائيا مع قلب تونس حتى لو لم يشارك هذا الأخير في حكومة الفخفاخ ففي ظل مشهد متغير يمكن أن تحتاج حركة النهضة إلى حزب قلب تونس في المستقبل إذا تبدلت المعطيات وأرادت سحب الثقة من حكومة الفخفاخ وتكوين حكومة بديلة.
أما بالسيناريو الثاني الذي اختاره الشيخ راشد الغنوشي فسيكون للحكومة أكبر قاعدة ممكنة من الكتل النيابية التي ستمثل حزاما سياسيا ممتدا لسياسة التوافق التي انتهجها المرحوم الباجي قائد السبسي الذي عمل دائما على محاولة إشراك أكثر ما يمكن من الأحزاب السياسية في التشكيلة الحكومية ضمن مفهوم حكومة وحدة وطنية باعتبار حساسية الوضعية العامة للبلاد ودقة المرحلة التي لا تحتمل صراعات حزبية سرعان ما تتحول إلى أزمة سياسية. وهو ما كان واضحا في خطابات رئيس الحركة مؤخرا بأن المرحلة تتطلب مشاركة جميع الأحزاب الممثلة داخل قبة البرلمان إلا من أراد إقصاء نفسه وهنا يقصد عبير موسي وحزبها الدستوري الحر، بذلك سيكون إشراك حزب قلب تونس في الحكومة بصفة مباشرة أو غير مباشرة هو بمثابة تحجيم لدور عبير موسي وحزبها مما يجعلها حالة معزولة داخل البرلمان.
النهضة لا ترضى أن تكون حزب ديكور
المرور إلى المرحلة الدستورية الثالثة و التي تعني خروج زمام تعيين رئيس الحكومة المكلف من قبل حركة النهضة وإسناد هذه المهمة إلى رئاسة الجمهورية حسب الدستور جعل حركة النهضة تكون في وضعية لا تحسد عليها فبدل أن تكون هي صاحبة الأمر والنهي في تشكيل الحكومة قد تجد نفسها تحصي خسائرها السياسية بسبب سقوط حكومتها برئاسة السيد الحبيب الجملي، لذلك كان لا بد من توجيه رسائل سياسية حازمة سواءا نحو الأحزاب التي ترى النهضة أنها مسؤولة عن سقوط حكومة الحبيب الجملي بسبب الامتناع عن المشاركة فيها والإصرار إلى المرور نحو حكومة الرئيس وهما حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب.
كما أن رئاسة الجمهورية غير بعيدة عن سهام هذه الرسائل خاصة أن العديد من قيادات الحركة أو المقربين منها ما فتئوا يعبرون عن عدم ارتياحهم وتوجسهم من اختيارات رئيس الجمهورية، وهو ما يفسّر إصرار الحركة على المضي قدما في تشريك حزب قلب تونس لفرض إرادتها وليكون واضحا لمن يهمه الأمر أن حركة النهضة مازالت وستبقى اللاعب الأساسي المحدّد للمعادلات السياسية القائمة، فما على رئيس الحكومة المكلف ومن ورائه رئيس الحكومة أن يدركوا ذلك والتعامل معها على هذا الأساس.
مصالح متبادلة مع قلب تونس
من أهم الأسباب الذاتية التي تجعل حركة النهضة تمضي في طريق التكامل مع حزب قلب تونس وتبادل المصالح هو الحاجة المتبادلة بين الطرفين فحزب نبيل القروي لم يخلق لكي يبقى في المعارضة بل كان الهدف منذ بداية تأسيسه هو التموقع داخل أركان السلطة و توفير نفوذ سياسي لا طالما بحث عنه القروي في مقابل حزب النهضة الذي يحتاج لدعم عددي بسبب الخسائر التي مني بها في الانتخابات الأخيرة حيث تقلص عدد نوابها من أكثر من 70 نائبا إلى 52 نائب فقط، فلا ننسى أن حركة النهضة قد تسلمت لأول مرة في تونس رئاسة البرلمان الذي يمثل السلطة الأولى في البلاد بفضل التحالف مع هذا الحزب وحتى حكومة الجملي التي سقطت كانت من المفروض أن تكون بدعم الطرفين لولا ذهاب الجملي في خيارات بعيدة جدا عن تطلعات حزب قلب تونس والتي لم ينكرها راشد الغنوشي نفسه حينما صرح أن الحبيب الجملي لم يعطي التركيبة المثالية التي ترضي الحركة ولكن صوتت له أخلاقيا أكثر منه إقتناعا.
هذا التفاهم الضمني يعطي فكرة واضحة أن أكثر حزبين متقاربين منذ البداية للدخول في تحالف حكومي هما حركة النهضة وقلب تونس، ولكن كان لا بد من مرحلة تمهيدية تعطي لهما الوقت الكافي لتجاوز اللاءات ضد بعضهما البعض التي رفعها كل من الحزبين أثناء الحملة الإنتخابية.
على كل، هذا الأمر لم يعد يخفى على القاصي والداني، لكن السؤال المطروح هو التالي : هل سيكون لذلك انعكاس سلبي خاصة على الحرب على الفساد التي مثلت شعار المرحلة الانتخابية؟ من جهة أخرى هل يستطيع السيد إلياس الفخفاخ استيعاب ازدواجية التحالفات لدى حركة النهضة التي ستكون الحزب الأول الفاعل في الحكومة، فمن جهة ستعمل الحركة على التوفيق بين تحالفها الحكومي مع الأحزاب المكونة لهذه الحكومة و تحالفها البرلماني مع حزب قلب تونس داخل البرلمان.
شارك رأيك