وصف أبو يعرب المرزوقي لرئيس الجمهورية قيس سعيد بالدمية الإيرانية وبأنه أوسخ من نبيل القروي، سبقه النقد اللاذع من رئيس الحركة و رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي واتهامه للرئيس بالتقصير. هذا التجريح والإسفاف والتلفيق يكشف الخبايا الحقيقية لسلوك حزب حركة النهضة مع رئيس الجمهورية، منذ الوهلة الأولى التي ترشح فيها إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية.
بقلم فيروز الشاذلي
في النظام الديمقراطي لا يوجد مكان للتقديس وصناعة الهالات المشابهة لرؤساء الدكتاتوريات فالكل يحاسب وينتقد حسب أدائه مهما كان موقعه حتى لو كان موقع رئاسة الجمهورية، ولكن هذا لا يعني وجود فرق واسع بين النقد والاستهداف بغاية التسقيط، فالنقد يعبر عن ممارسة إيجابية في كثير من الأحيان تكون الفائدة الكبرى منها لصالح الشخص المنتقد لأنها تساعده على الإصلاح، بينما نحن إزاء حملة استهداف ممنهجة ضد رئيس الجمهورية مبنية على التنقيص لمقامه عبر النقد السلبي الذي يرمي إلى النيل من شخصية قيس سعيّد في ذاته وليس نقد أدائه كرئيس جمهورية بل ضرب موقعه السياسي وبالأخص النيل من قاعدته الشعبية الجارفة.
حسابات الغنوشي من وراء ضرب شعبية رئيس الجمهورية
هذا الخلط المقصود بين مفهوم النقد والتنقيص بغاية الاستهداف ضمن أجندات حزبية ضيقة وصل إلى حد محاولة التصفية السياسية لدور رئيس الجمهورية وتنفيذ أجندة معادية للرئاسة بدون موجب.
هذا الخلط المقصود بين مفهومي النقد و الاستهداف كانت تدوينة أبو يعرب المرزوقي المحسوب على حزب حركة النهضة كفيلة بكشف سطح جبل الجليد بين هذه الحركة ورئاسة الجمهورية، فكلام المرزوقي كان بعيدا كل البعد عن صفة النقد بل هو تجريح و إسفاف و في أغلبه تلفيق، وهو من دون أن يدري قد كشف الخبايا الحقيقية لسلوك حزب حركة النهضة مع رئيس الجمهورية، وليس من الآن فقط بل منذ الوهلة الأولى عندما ترشح قيس سعيّد إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، حينها كانت الحركة مجبرة على دعم شخص قيس سعيّد لقطع الطريق على نبيل القروي لكي لا يمثل حالة مسيطرة على المشهد السياسي في قرطاج وباردو.
وصف أبو يعرب المرزوقي لرئيس الجمهورية بالدمية الإيرانية وبأنه أوسخ من نبيل القروي، سبقه النقد اللاذع من رئيس الحركة و رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي و اتهامه للرئيس بالتقصير بصفة مبطنة ولعب دور الناصح بينما لو كان المراد حقيقة من هذا التصريح العلني هو النقد والنصح لكان مكانه وتوقيته في اللقاءات الثنائية بين سعيّد والغنوشي التي لا يمر أسبوع إلا ويكون هناك لقاء بين الطرفين إلا أن للغنوشي حسابات أخرى لضرب شعبية رئيس الجمهورية..
أصبح واضحا للعيان أن أكثر جهة منزعجة من الدور السياسي الذي يلعبه رئيس الجمهورية هي حركة النهضة وحلفاؤها بإئتلاف الكرامة خاصة بعد المرور لما درج على تسميته بحكومة الرئيس وتكليف شخصية خارجة عن توافق حزب النهضة و قلب تونس بتكوين الحكومة، لكن هذا لا يعني أن العديد من الأحزاب و الشخصيات قد ذهبت إلى هذا المنحى في المساهمة في حملة الاستهداف لمقام رئيس الجمهورية بغاية النيل من شعبيته وما أصبح يمثله من خطر على الأريحية التي وجدتها هذه الأحزاب ضمن المنظومة السياسية المغلقة و السائدة في تونس، إلا أن فاعلية الاستهداف لمقام رئيس الجمهورية من قبل هذه الأحزاب و قياداتها م تكن ذات صدى كبير بحكم صغر بعض الأحزاب و فشلها الكبير في الانتخابات السابقة كحزب حركة مشروع تونس و رئيسه محسن مرزوق، أما حزب منافس قيس سعيّد في الدور الثاني قلب تونس و مؤسسه نبيل القروي فها مهتمون أكثر في الوقت الحالي بمآلات الوضع الحكومي والتنسيق مع حليف الكواليس حزب النهضة، بالرغم من حالة النقد الدائم لرئيس الجمهورية من قبل قيادات حزب قلب تونس والتي تظل مفهومة بحكم الثنائية في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية إلا أنها لم تكن عدائية إلى الدرجة التي هاجم بها أطراف من النهضة و ائتلاف الكرامة مقام رئاسة الجمهورية.
هذا هو حال من يخرج عن “السيستام” (المنظومة)
بعد صراع مرير بين “السيستام” وحركة النهضة إبان الثورة وعدم نجاح أي طرف في إقصاء مباشر للطرف الثاني تولّد عن ذلك نوع من المهادنة و التعايش ليتأسّس “سيستام” ما بعد الثورة و التي أصبحت النهضة ضلعا من ضلوعه بل “السيستام” نفسه اخترق النهضة لنجد وجهين لعملة واحدة فلا غرابة أن نجد النهضة تدافع عن ابن “السيستام” نبيل القروي بكل قوة وحماية مصالح حزبه، وفي إعادة لسيناريو إنتخابات 2014 بين النهضة و نداء تونس (“نسبّوا بعضنا في الحملة الإنتخابية و نتحالفوا بعد إعلان النتائج”) سعت حركة النهضة وقلب تونس إلى إعادة الكرَّة مرة أخرى في الانتخابات الفارطة لكن صندوق الاقتراع وخاصة وضع موعد الانتخابات التشريعية وسط الدورين الأول والثاني للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها بسبب وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قد خلط الأوراق على الأحزاب السياسية الممثلة لمنظومة “السيستام” ما بعد الثورة ومع توفر إرادة شعبية للقطع مع السائد سطع نجم قيس سعيّد المتمرد على هذه المنظومة والذي أظهر من اليوم الأول انحيازه لتشكيل حكومة تقطع من نظرية التوافق بل يكون حزامها السياسي فقط مكونا من الأحزاب المحسوبة على الخط الثوري إضافة إلى حركة النهضة.
ربما ما زاد من وقع تشنّج التصريحات المهاجمة لشخص قيس سعيّد هي حالة الاستقلالية التي أظهرها رئيس الجمهورية تجاه جميع الأحزاب السياسية خاصة عندما مارس صلاحيته الدستورية في اختيار الشخصية الأقدر على تشكيل الحكومة و التي لم ترق للكثيرين خاصة حزب النهضة وقلب تونس اللذين كانا يعولان على فرض اسم الفاضل عبد الكافي كرئيس حكومة مكلف بحكم أنهما يمثلان أول وثاني كتلة نيابية بالرغم أن هذه الشخصية التي تم تسميتهالم تتحصل على عدد 109 من أصوات النواب المكونة للكتل التي اقترحت أسماء على رئاسة الجمهورية ضمن المشاورات الإلزامية لتسمية رئيس حكومة مكلف.
وهنا تجدر الإشارة أن المرور للمرحلة الثالثة لتسمية رئيس حكومة من قبل رئيس الجمهورية يعطي صلاحية كاملة لرئيس الجمهورية والحزب المتحصل على المرتبة الأولى يصبح كغيره من الأحزاب الممثلة في البرلمان ينحصر حقه في الاستشارة الوجوبية فقط لذلك ما على حركة النهضة إلا تحمل فشلها في تكوين حكومة برئاسة الحبيب الجملي واستنفادها للآجال الدستورية الأولى و الثانية.
أهم معطى يجب الانتباه إليه من هذه الحملة القائمة على الاستهداف و التنقيص من القيمة السياسية لمقام رئاسة الجمهورية ونعت شخص رئيس الجمهورية بألفاظ مهينة هو بمثابة حرب استباقية وتقليم أظافر لتحجيم دور رئيس الجمهورية خاصة فيما يتعلق بالشأن الحكومي و قطع الطريق على أي وصاية أو ترابط بين رئيس الحكومة و قصر قرطاج خاصة فيما يتعلق بالدفع نحو ملفات عالقة كالحرب على الفساد وغيرها فرئيس قوي على المستوى الشعبي وعلاقته ممتازة بجل المنظمات الوطنية سيمثل داعما كبيرا للحكومة القادمة مما سيفقد الأحزاب سطوتها داخل الحكومة وهذا ما لا تريده الأحزاب السياسية التي تريد دائما رئيس حكومة لا يتخطى حدود دائرتها.
رئاسة الجمهورية مدعوة للاتعاظ من الأخطاء
إن الهدف من عملية النقد البناء أكبر من الأشخاص ولا علاقة لها بهم بل مربوطة بالرغبة في الإصلاح ومنع تراكم الأخطاء هو الهدف الحقيقي منها حرصا على متطلبات كل مرحلة ، لذلك النقد لأداء رئيس الجمهورية أو غيره من قياديي الدولة هو تعبير عن ردة فعل ضرورية لتقويم عمل هذه المؤسسة وهو تعبير عن عدة أبعاد ترتكز أساسا حول مفهوم الانتماء إلى المجتمع وما يحتمه الوعي بقضاياه كما أن الصمت عن الأخطاء ليس في مصلحة تقدم الدولة والمجتمع.
في هذا السياق رئاسة الجمهورية مدعوة لمراجعة العديد من الهنات والأخطاء التي كانت واضحة في الفترة الماضية على مستوى أداء رئيس الجمهورية وخاصة على مستوى أداء الطاقم الرئاسي المرافق على صعيد الدبلوماسية الخارجية، ربما في الفترة الماضية يوجد بعض الأعذار كثقل ملف تكوين الحكومة الذي أصبح الشاغل الأول لرئاسة الجمهورية وعدم تمرس شخص قيس سعيد على مثل هذه الملفات المستجدة لكن في صورة تشكيل الحكومة الجديدة وأخذها بزمام السلطة وتعيين وزير خارجية دائم لن تغفر لرئاسة الجمهورية تكرر الأخطاء الماضية وسوف يترتب عن ذلك وجود هوة كبيرة بينه وبين الإرادة الشعبية التي انتخبته.
شارك رأيك