المتابع للحياة السياسية في تونس يلاحظ انه بمجرد تصريح رئيس الجمهورية بالتمسك بتطبيق أحكام الفصل 89، ولجوئه ضمنيا الى حل البرلمان، في صورة عدم نيل حكومة الفخفاخ للثقة، تراجعت الأحزاب السياسية الوازنة في المشهد البرلماني عن قرار عدم منحها الثقة لهذه الحكومة، وهو لخير دليل عن لعب الأستاذ قيس سعيد لدوره الدستوري، مترفعا بذلك عن كل التجاذبات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة.
بقلم وليد البلطي *
في ظل عدم تمكن رئيس الحكومة المكلف بالحصول على إجماع حزبي، تعددت الآراء و اتفق البعض منها، في حين اختلف البعض الآخر، فيما يتعلق بقراءة أحكام الفصل 89 من الدستور، خاصة بعد أن أجهضت كل محاولة استهدفت تفعيل المحكمة الدستورية.
وحتى يتسنى لنا سد الفراغات الدستورية، بات حري بنا الرجوع الى أعمال المجلس التأسيسي و التمعن في مسودات النص الدستوري، التي تم تحينها على مستوى الشكل و المضمون، لنصل الى صياغة نهائية في باب تشكيل الحكومة و آليات حل البرلمان و المتمثلة في الفصل 89 من دستور جانفي 2014.
لقد ضمت أعمال اللجان المناطة بعهدتها صياغة الدستور العديد من الأحزاب و المنظمات و النواب و الخبراء، فعلى صعيد الذكر لا للحصر، تواجد الأستاذ قيس سعيد في جلسة مع مكتب لجنة السلطة للتشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما في ديسمبر 2012، و كان الجدال بين مختلف الخبراء في باب الصلاحيات المسندة دستوريا لرئيس الجمهورية، هل هي صلاحيات تقريرية أم صلاحيات تحكيمية.
الدور المحوري لرئيس الجمهورية في في ضمان إحترام الدستور والحقوق والحريات
وفي باب الجدل المطروح، أكد العديد من الخبراء على تحييد رئيس الجمهورية عن التجاذبات السياسية لضمان السير العادي للسطات و منحه صلاحيات منع لا فعل، على خلفية دوره المحوري في ضمان إحترام الدستور و الحقوق والحريات و بذلك يضطلع بدور الرقيب من خلال رد مشاريع القوانين و حل البرلمان في صورة عدم التوصل إلى تشكيل حكومة في مدة محددة.
كما تمت مناقشة الصلاحيات التقريرية لرئيس الجمهورية، بحيث يتضح جليا في الصياغة النهائية للدستور أن رئيس الجمهورية قد تحوز بصلاحيات تقريرية من خلال توزيع الأدوار بينه و بين رييس الحكومة، علاوة على حصرية حل البرلمان في الصور التي ضبطها الدستور الجاري به العمل.
وبالإضافة الى ما سبق بيانه، فإن العرض على استفتاء الشعب آلية مكنت في باطنها رئيس الجمهورية من صلاحيات تحكيمية لحل الأزمات التي قد تنشأ بين جزء من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، و من ذلك يكون رئيس الجمهورية رمزا لاستمرارية الدولة و الحكم في الأزمات و حيادية قراراته، و ذلك على خلفية علوية منصبه عن كل التجاذبات السياسية، بوصفه يمثل وحدة الدولة و يضمن استقلالها و استمراريتها و يسهر على احترام الدستور والمعاهدات و حقوق الإنسان.
حزم الرئيس سعيد في استعمال صلاحياته التقريرية واحترام الدستور
و في قراءة لما قام به رئيس الجمهورية، بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، في باب تكليف السيد حبيب الجملي و احترام الآجال الدستورية، و اللجوء الى استشارة الأحزاب السياسية و تعيين الشخصية الأقدر حسب الضوابط المشتركة بين الأحزاب التي تم استشارتها، بالإضافة إلى لعب الدور التحكيمي لتوحيد التوجهات الحزبية في ضبط ملامح التشكيلية الحكومية و لجوئه الى تفسير أحكام الفصل 89 من الدستور للأشخاص الممثلة للسلطات، وحزمه في استعمال صلاحياته التقريرية في صورة ما إن لم تحظ حكومة الياس الفخفاخ بثقة البرلمان، إن دل ذلك على شيء فهو يدل أن رئيس الجمهورية متشبع بروح النص الدستوري و راوح في استعمال صلاحياته التقريرية و التحكيمية، حسب ما تمليه أحكام النص الدستورية الواضحة و حسب ما يقتضيه سياق الأحداث و الوضعيات المطروحة، في ظل دستور بات يستوجب مراجعة عميقة في ظل عدم إجابته على عديد التساؤلات، مما من شأنه أن يفتح بابا للتأويلات المتضاربة و ينحرف بمسار الانتقال الديمقراطي نحو طرق مسدودة، يتواصل معها تسيير دواليب الدولة.
و في النهاية، ما يلاحظ أنه بمجرد تصريح رئيس الجمهورية بالتمسك بتطبيق احكام الفصل 89، و لجوئه ضمنيا الى حل البرلمان، في صورة عدم نيل حكومة الفخفاخ للثقة، تراجعت الأحزاب السياسية الوازنة في المشهد البرلماني عن قرار عدم منحها الثقة لهذه الحكومة، وهو لخير دليل عن لعب الأستاذ قيس سعيد لدوره الدستوري، مترفعا بذلك عن كل التجاذبات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة.
* خبير قانوني.
شارك رأيك