ربما ستنجح حكومة إلياس الفخفاخ في تصحيح المسار إذا بقيت على شكلها التوافقي دون خلافات عميقة من شأنها أن تقطع حبل الشكّ في قدرتها على تجاوز الصعوبات والعراقيل.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
بعد أن اتفقت الأحزاب المشكِّلة للحكومة التونسية القادمة على شكل الحكومة وتقاسم الأدوار، يبدو أنها ستنال على الأرجح ثقة البرلمان لأنها قد جمعت أكثر من 110 من الأصوات الموافقة، ولكن هذا التوافق الشكلي الذي حدث إنما جاء لخطورة المشهد التونسي على جميع المستويات، فحركة النهضة تراجعت على الأرجح عن موقفها المتصلب لخوفها من المستقبل فيما لو تم حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، فعندما استقرأتْ المشهد ورأت غضب التونسيين الشباب على تصرفاتها الأخيرة المزعجة والمضطربة وغير المفهومة وافقت من حيث المبدأ على هذه التشكيلة وأخذت ما تريد من حصصها من الوزارات ووافقت على منح الثقة لهذه الحكومة في الجلسة البرلمانية المقبلة، ومن بين الأسباب القوية التي جعلت النهضة وغيرها من الأحزاب تقبل بهذه الحكومة الخوف من خسارة كثير من المقاعد وخوف النواب الحاليين من خسارة مقاعدهم وهم للتوّ منتخبون جدد إلى جانب وعيد صندوق النقد الدولي بعدم منح الجزء الأخير من القرض لتونس ما لم تشكّل حكومةً في أقرب الآجال، وتونس في حاجة ماسة إلى هذا الجزء من القرض حتى لا تنهار المؤسسات.
هل ستصمد حكومة الفخفاخ طوال خمس سنوات ؟
وعلى الأرجح بعد هذه التوافقات الشكلية، ستنال حكومة الفخفاخ الثقة في البرلمان، لكن غير المؤكد أنها ستبقى صامدة طوال خمس سنوات مقبلة لعدة أسباب منها تركيبة الحكومة نفسها حيث تتكون من أحزاب متناقضة التوجهات والأفكار والايديولوجيات، قد تختلف في أي وقت، وقد تتفكّك في أي لحظة، وقد ينسحب منها حزب أو حزبان لأي سبب، مما يجعل العمل الحكومي في مأزق كبير، وتضيّع الحكومة بعدها الوقت الكثير للملمة صفوفها ومحاولة سد النقص الحاصل فجأة، مما يوقف الكثير من المشاريع والقوانين التي ينتظرها الشعب التونسي على أحرّ من الجمر كما يقال، ولن تستطيع عندئذ هذه الحكومة أن تمارس أعمالها بكل أريحية وحرية إذا فقدت الأغلبية مرة أخرى عند حدوث ما ذكرنا آنفا.
ومن بين الأسباب التي دعتني أن أشكك في استمرار هذه الحكومة، التحديات الكبيرة التي تنتظرها على كل المستويات، الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، واختلاف الرؤى الشديد، والحلول الشحيحة للمشاكل العويصة، التي تشهدها تونس اليوم، ومحدودية الإمكانات المادية وعجز الميزانية وغيرها من النقاط السلبية التي تجعلها أمام امتحان عسير قد تنجح فيه وقد تفشل، ونسبة الفشل أكبر للمعطيات الواضحة على الأرض على أن النجاح أيضا ممكن إذا سارت الأحزاب المشكِّلة للحكومة على نهج التوافق من أجل مصلحة تونس لا مصلحة كل حزب، ويمكن أن تقدم الحكومة الحالية نموذجا رائعا للتكتل من أجل تحقيق ما يبتغيه الشعب التونسي وما ينتظره، من مهمات وحقائق على الأرض لا مجرد وعود من مسؤولين سياسيين.
سيحرص الرئيس قيس سعيّد على توفير الجو الملائم لإنجاح عمل الحكومة
وفي المقابل سيحرص الرئيس قيس سعيّد على توفير الجو الملائم لإنجاح عمل الحكومة الحالية عبر توفير الدعم اللازم سواء من الداخل أو الخارج وتيسير عملها في المستقبل القريب، ومدّ يد العون والتكامل مع الحكومة والبرلمان، لإنجاز ما يمكن إنجازه في هذه الفترة القصيرة من عمر الرئاسة، فالوقت ينفد من بين يديه بسرعة، والأعوام الخمسة ما هي إلا أيام في حسابات السرعة الاقتصادية والاجتماعية، لا تكفي لبداية مشروع رئاسي كبير كالذي يبدؤه الرئيس قيس سعيد، وقد بدأ فعلا من خلال زيارته الثانية خارجيا إلى الجزائر أعقبتها زيارات لمسؤولين دوليين كبار وستعقبها زيارة دولة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لتونس هذا الأسبوع، ربما تكون بشرى خير على تونس لدعم مشاريعها الاقتصادية المتنوعة والإسهام في تنمية الجهات التي تعاني نقصا شديدا في الخدمات.
وعلى هذا فإن المسار السياسي في تونس بدأ يأخذ طريقه الطبيعي بعد تشكيل الحكومة، لكن هل ينجح في تصحيح المسار بعد أن تنال الحكومة ثقة البرلمان، وبعد أن يستلم كل وزير عمله الجديد، ومباشرة الملفات العاجلة التي تنتظر أن ينفض عنها الغبار هذا الوزير أو ذلك، وأثناء ذلك قد تتغير أحوال وتتبدل، وتتغير مواقف وتتبدل، بعد النظر إلى الواقع وهو يتطور ويتغير نحو الأفضل بإذن الله تعالى، وستنجح الحكومة في تصحيح المسار إذا بقيت على شكلها التوافقي دون خلافات عميقة من شأنها أن تقطع حبل الشكّ في قدرتها على تجاوز الصعوبات والعراقيل.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك