بعد أن سلم اليوم السبت 29 فيفري 2020 مهامه لخلفه اسامة الخريجي، الوزير الجديد للفلاحة و الموارد المائية و الصيد البحري، نشر سمير الطيب رسالة أفرغ فيها جعبته.
“اليوم، وقد سلمت الأمانة إلى الوزير الجديد للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، السيد أسامة الخريجي، فإنني أشعر بالارتياح لما بذلناه من جهد ولما قمنا به من عمل مع إطارات وكفاءات الوزارة ومع المهنيين والخبراء والمنظمات الوطنية والدولية. كما أشعر كذلك براحة الضمير، لا لأننا نجحنا في كل ما خططنا له، بل لأننا لم ندخر جهدا لتحقيق ما أنجزنا.
وككل عمل بشري، فقد نجحنا في الكثير ولكننا لم نحقق كل ما سعينا إليه. لا لغياب الإرادة أو لضعفها، ولكن لأسباب متعددة فيها ما هو ذاتي وفيها ما هو موضوعي..
الأكيد أنني على قناعة بعد ثلاث سنوات ونصف، وهي أطول فترة لوزير على رأس وزارة الفلاحة منذ الثورة، أن وضع قطاع كبير وحساس كهذا القطاع على سكة الإصلاح الهيكلي ليس بالأمر الهين، ولكن بالعمل والعطاء تحققت نتائج برزة للعيان، نتائج أفرزت إشكاليات أخرى، وهي بالتأكيد مشاكل نموّ، كأن تصبح مثلا ثاني منتج لزيت الزيتون في العالم بعد اسبانيا سنة 2019، أو أن توفر في نفس السنة ولأول مرة 350 مليون دينار لخزينة الدولة بعد صابة الحبوب القياسية. فهذه الوضعيات الجديدة خلقت صعوبات جديدة وجب العمل مستقبلا على تجاوزها.
لقد أطلقنا منذ قدومنا برنامج غراسة عشرة مليون شجرة جديدة للزيتون حققنا منها ثمانية ملايين والبرنامج سيكتمل سنة 2020. هذا المجهود سيفرز ضرورة تحديات جديدة.
تونس كذلك أصبحت الأولى عالميا في المساحات المخصصة للزيتون البيولوجي، مما يحتم علينا مجهودات إضافية لصيانة هذه المساحات ومراقبتها..
نسبة النمو في الفترة بين 2016 و2019 وصلت إلى 4.4٪ بعد أن كان سلبية عن وصولنا بـ -8.5٪.
كان بالإمكان أن نحقق نتائج أفضل، لكن أعوزتنا الموارد المالية نظرا للصعوبات التي تمر بها المالية العمومية، ونقصتنا الموارد البشرية نتيجة إيقاف الانتدابات بالوظيفة العمومية، إلا أننا ورغما من كل هذا، عملنا على تحقيق أفضل النتائج.
كل تقييم يمكن أن يقرأ في كل الاتجاهات إيجابا أو سلبا، ولكن الأساس في كل عمل هو الصدق والإخلاص.. وهذا كان دوما شعارنا.
فمن دعمني خلال هذه الفترة فإنه دعم تونس وفلاحتها. ومن نقدني بصق فقد قام بذلك لإصلاح الأوضاع.
أما من شتمني وقذفني بشتى النعوت فإنني أشكر سعيه لأنه زاد في عزيمتي ودعم طموحي لخدمة هذا الوطن العزيز. وإنني أعرف جيدا هذه المجموعات “الفايسبوكية” التي تتعامل بنفس الطريقة مع كل المستجدات الفلاحية، لأن المهم بالنسبة لها ليست فلاحتنا ومستقبلها بل همّها الوحيد هو استهداف شخص سمير الطيب. فهي نفس تلك المجموعات التي هاجمتني وأنا عضو المجلس الوطني التأسيسي، وهم نفسهم الذين قذفونا سبا وحجارة أثناء اعتصام الرحيل بباردو، وهم نفسهم الذين اغتاظوا لما عُيّنت على راس وزارة الفلاحية وهم نفسهم الذين يعبرون عند مغادرتي للوزارة عن فرحتهم الكبيرة، لا بالدعوة بالنجاح للوزير الجديد، بل بالتهجم عليا بعبارات حاقدة، ناقمة.
لهؤلاء أقول tout simplement “ربي يهديكم”
فالعالم يتقدم، وتونس تحقق المكاسب رغم الصعوبات، وأنتم تراوحون مكانكم وقلوبكم ملآنة حقدا وغيضا..
أقول لكم ما قاله الزعيم الراحل ياسر عرفات: “يا جبل ما يهزك ريح”، وما ردده شاعرنا العظيم أبو القاسم الشابي:
“هكذا المخلصون في كل ثوب… رشقات الردى إليهم متاحهْ”
ولكن لتطمئن قلوبكم، أنا هنا ماكث لأواصل، من أي موقع اختاره، خدمة هذا الوطن الذي أعطاني كل شيء ولا زلت لم أعطه الكثير.
“أنا يا تونس الجميلة في لج… الهوى قد سبحت أي سباحهْ
شُرعتي حبك العميق وإني… قد تذوقت مره وقراحهْ”
– إلى السيد الوزير أسامة الخريجي: كل التهاني بالتعيين وأملي كبير في النجاح والتوفيق، وأبقى على استعداد تام لتقديم العون إن رغبتم في ذلك..
رسائل سريعة..
- – إلى العائلة الفلاحية الواسعة: كل الخير لفلاحتنا، وجب البناء على ما أُنجز، من إصلاح المنظومات إلى ترشيد استغلال الموارد المائية وبعث صندوق الجوائح الطبيعية وحوكمة قطاع الصيد البحري ودعم الشفافية والتشاركية وإرساء مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومكافحة الفساد الخ الخ، كلها مكاسب وجب الحفاظ عليها ودعمها.
- إلى صديقاتي واصدقائي الذين حشرتهم في مغامرتي “الفلاحية” وإلى كافة أعوان وإطارات الوزارة: كل الشكر والتقدير على ما بذلتموه من مجهودات خلال هذه الفترة، وقد عرفنا فيها الحلو والمر.. وسأضل معتزا بصداقتكم جميعا..
- إلى عائلتي الفكرية الديمقراطية الاجتماعية التقدمية والحداثية وإلى رفاقي في حركة تحيا تونس: أنا سائر على العهد وأنا جندي من جنود قضايا تونس المصيرية التي سأخصص لها مزيدا من الوقت خدمة “للمشروع التونسي” الذي تجسده هذه العائلة الواسعة ولكن المشتتة، طموحي وطموحكم اليوم هو التوحيد ولا شيء غير التوحيد..
- إلى عائلتي الصغيرة وأبنائي: أعدكم بمزيد من الوقت معكم وأشكركم على صبركم وتحملكم شتائم الحاقدين..
- إلى أصدقائي وأحبتي: أنتم دوما في البال ولنا لقاءات “وهبلات” قادمة..
رسائل خاصة جدا.. - إلى المرحوم الرفيق أحمد براهيم: لقد كنت الهادي والمنير والداعم والصديق، وإنني في كل لحظة، وأنا وزير، أردد بعدك “بيض أيادينا.. بيض أيادينا.. بيض أيادينا”
- إلى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي: كل الشكر لك وكل الرحمة لروحك، وأنت الذي انتقدت الفكرة التي عرضتها عليك إثر أحداث بن قردان بتنظيم حوار وطني حول برنامج حكومة وحدة وطنية، تلك الحكومة التي شهدت النور بعد بضعة اشهر..
- إلى الصديق يوسف الشاهد: أنت مشروع قائد بدأ يكتمل لصرحٍ جماعي وأنت تعرف أنني لا أؤمن بالزعامات الفردية بعد رحيل آخر زعيم كوني نيلسون مانديلا
- إلى السيد إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة: قَدَرُكم النجاح أنتم قادرون عليه.. كل التوفيق لكم، والرقي لتونس.
- إلى والديا رحمهما الله: لقد فقدتكما وأنا منشغل بأداء واجبي الوزاري، أرجو أن تغفرا لي وأن تصفحا عني وأن تكونا فخورين بي، وأنا الذي سعيت دوما أن أطبق ما علمتماني إياه بان لا أظلم أحدا.. كل الرحمة لكما.
“والناس شخصان: ذا يسعى به قدم… من القنوط، وذا يسعى به الأمل” (أبو القاسم الشابي، من قصيدته “غرفة من يم”). عاشت تونس !!
شارك رأيك