من العبث والسفسطائية أن يتحول برلمان الشعب في تونس إلى مسرح للتهريج والبهلوانية واستعراض العضلات، ذلك ما شاهدناه في بلد الحرية والديمقراطية الحديثة، ويبدو أن الأحزاب القديمة منها والناشئة تحتاج إلى دورات وتدريبات قبل دخول أعضائها البرلمان أو بالأحرى قبل ترشحهم لهذا المنصب.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
كنا نعتقد أن المعارضة في تونس ستكون الداعم الأساس للحكومة من حيث نقدها نقدا بنّاءً دون التجريح بالأشخاص والاعتداء بالألفاظ وممارسة البهلوانية في رحاب مجلس كان وسيكون منبرا للتعبير عن الرأي بكل حرية دون سفسطائية ودون هرج ومرج، لكن الذي حدث ومازال سيحدث سيسوء أكثر ويتفاقم إذا لم تضع رئاسة البرلمان حدّا له من خلال إنشاء ميثاق أخلاقي يلتزم به الجميع في حدود الأناقة الأخلاقية التي تسمح للعضو أن يتصرف في مسؤولياته تحت قبة البرلمان.
ومن العيب الكبير أن نرى أعضاء يتصرفون في البرلمان التونسي كأنهم أوصياء على الشعب ويحاولون فرض أجنداتهم على الآخرين، دون إعطاء مساحة للآخر أن يعبر عن رأيه ويقول كلمته، ومن الخطير أن يتجاوز أحد الأعضاء صلاحياته الدستورية والبرلمانية بأن يعتدي على رئيس البرلمان أو نوابه أو أحد الأعضاء بلفظ أو بفعل مهما كان، وعندما رأينا ما حصل فإن الأمر لا ينبغي أن يتواصل ولا بد من إنشاء ميثاق يوجب على الأعضاء الاحترام والتقدير وممارسة العمل النيابي في حدود القانون والأخلاق العامة، ومن يتجاوز ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية حتى يرتدع.
من تهريج عبير موسي إلى التعسف الديني لنواب كتلة الكرامة
ما تمارسه النائبة عبير موسي اليوم مثلا في البرلمان بل وفي كل جلسة، هو عربدة وتهريج لا يمت للعمل النيابي بصلة، تثير الفوضى من خلال صوتها الجهوري، وتلقي بلومها الثقيل على رئيس البرلمان الذي تكرهه وتمجه وتتمنى أن تزيحه من منصبه رغم أنه جاء باقتراع من النواب أنفسهم واتفاق جرى بين قلب تونس والنهضة، وتحاول أن تؤخر الجلسات ولا تصادق على مشاريع القوانين التي تطرحها النهضة لأنها في نظرها حركة رجعية إخوانية لا ينبغي التعامل معها بأي شكل من الأشكال.
وبينما تمارس عبير موسي هرجها ومرجها في البرلمان إلى حد وصل بالسخرية من الشيخ راشد الغنوشي ونوابه وحركته، يمارس النائب ورئيس كتلة حزب ائتلاف الكرامة نوعا من التعسف الديني مع أقرانه النواب الذين انتقدوه أو انتقدوا حزبه، وقال في كلمته التي جاءت ثورية أن من يتحدث عن حزب ائتلاف الكرامة عليه أن يتوضأ قبل الحديث عنها، فهذه الجملة أثارت النواب وأنقصت من قيمتهم، لأن مخلوف رغم أننا نحترمه كوجه جديد في البرلمان لأنه يحمل أفكارا ثورية إلا أننا نعتبر هذا الفعل غير مسؤول لأنه أقحم الدين في غير مجاله وتعسّف في استعمال حقه وكان الأولى أن يكون خطابه معتدلا بدل الحماسة الزائدة عن حدّها والتي أفضت حسب رأيي إلى مزيد من التشتت والتفرق.
كما أثارت كلمة الدكتور محمد العفاس وهو يقرأ كلمته الخطابية الحماسية أيضا نعرات من الأيديولوجيا المرفوضة في مجلس يضم كيانات متعددة وأحزابا متناقضة وأفكارا متضاربة، وهو يعلم علم اليقين أن حديثه ذاك لا يغير من الواقع شيئا فالحكومة مرت وحازت على الثقة المطلوبة وبقي إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة وبدأت تمارس عملها، وبالتالي نقول لجميع النواب كفانا تجريحا ولوما وعتابا ولتتجهوا جميعا لخدمة تونس التي تتعرض الآن لمخططات خارجية لإرهابها وإفشال العمل الديمقراطي بها.
التهريج والبهلوانية لا يغيران من الواقع الصعب شيئا
وبعد التفجير الذي حصل في محيط السفارة الأمريكية، الجمعة 6 مارس 2020، تواجه الحكومة التونسية أول اختبار بعد اختبار كورونا الذي تفشى في العالم وأحدث إرباكا كبيرا على مستوى الصحة العالمية، تواجه الإرهاب مرة أخرى في تونس العاصمة وحيث يفجر انتحاريين نفسيهما أمام سفارة أكبر دولة في العالم، وعليها أن تفسر الحادث من حيث مرتكبيه ومن يقف وراءهم، ومن يموّلهم، والدوافع الأساسية وراء استهداف رجال الأمن، وغيرها من المواضيع التي ينبغي وضع النقاط على حروفها، فالتهريج والبهلوانية لا يغيران من الواقع شيئا بل يؤجّجان الوضع المتردي على جميع المستويات ويؤدي ذلك إلى مزيد من الصرامة والتحدي وقوة الإرادة، وعلى البرلمان التونسي أن يعي مسؤولياته تجاه الشعب، فقبل الحديث عن مشاريع القوانين عليه أن يصدر ميثاقا أخلاقيا يحد من هذا التصرف الأحمق الذي لا يليق برجل أو امرأة.
* محلل سياسي.
شارك رأيك