في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة الجديد إلياس الفخفاخ أن الحرب على الفساد هي أولى أولوياته، إنطلقت إستفزازات الإرهابيين المحتمين بالجبال والفيافي، قبل أن تشهد منطقة البحيرة بالعاصمة عملية تفجير إرهابي جبانة الجمعة الفائت، 6 مارس 2020، ذهب ضحيتها ملازم أول في الأمن الوطني لتتأكد العلاقة الجدلية بين الآفتين، اللفساد والإرهاب.
بقلم مصطفى عطية *
الرسالة كانت واضحة إلى كل التونسيين الذين إختاروا تدعيم المسار الديمقراطي وإعلان الحرب على الآفتين كأولوية مطلقة في هذه المرحلة الحاسمة من مسيرة البلاد.
لا تكفي كل أشكال الشجب والتنديد أمام هذا الإنحراف الخطير الذي حول الآمال والطموحات إلى كوابيس بعد أن ٱعتقد المتفائلون بالداخل والخارج أن ربيعا جديدا للحرية والديمقراطية والإستقرار والرفاه سيزهر في المنطقة العربية لكن الأحداث والوقائع والمستجدات أثبتت العكس تماما، فما تشهده بلدان كاليمن والعراق وسوريا وليبيا والبحرين من إقتتال وحروب أهلية، وما تعيشه تونس ومصر والمغرب وعديد البلدان العربية الأخرى من مخاطر الفساد والإرهاب أسقط آخر الأحلام وبقايا الآمال والتطلعات، خاصة وقد ثبت بالحجج والبراهين أن القوى الكبرى “المبشرة” بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والرفاهية الإجتماعية، تعمل، بكل الوسائل على تغذية الفتن وإضرام لهيب الصراعات وحماية لوبيات الفساد في العديد من البلدان العربية قصد تدنيس ثوراتها والزج بها في متاهات الفوضى العارمة تلك التي دأبوا على إيهامنا بأنها “خلاقة” !!!
دعم أطلسي وعربي للإرهاب
ها هي الولايات المتحدة الأمريكية تعاين “نجاح” مخططاتها بعد أن وفرت الوقود اللازم للإقتتال القبلي والعرقي والطائفي والديني في العديد من البلدان العربية والإسلامية. لقد أتمت المهمة بالشكل المطلوب وتركت “أهل البلاء في البلاء” لأن الغاية، في نهاية الأمر، ليست الحرية والديمقراطية والإستقرار، وإنما هي الفوضى وتلهية الشعوب العربية والإسلامية بالإقتتال في ما بينها حتى تهمل قضاياها الأساسية والمتمثلة بالخصوص في استرجاع حقوقها المهدورة وأراضيها المسلوبة، وصيانة ثرواتها المنهوبة، وتطوير مجتمعاتها وتعبيد مسالك الرفاهية لأجيالها الصاعدة.
إنهم لا يريدون لهذه الأمة المنكوبة أن تنهض، وقد إستعانوا في تنفيذ مخططاتهم ببلدان عربية أبدت إستعدادا لتمويل ودعم ومساندة الإرهابيين وٱحتضان الفاسدين والتعامل معهم، وضرب الإستقرار في الوطن الكبير، غير عابئة بما سيلحقها من أضرار جسيمة في وقت لاحق. إنها العمالة الموغلة في مستنقعات الجهل والسذاجة والغفلة.
تعتقد الأنظمة العربية المدعمة والممولة للإرهاب والفساد أنها، بهذا الصنيع، تؤمن التدثر بالحماية الأمريكية والأطلسية عموما وحتى الإسرائيلية أيضا.
يجب أن نعي جيدا هذه الحقائق التي أصبحت ساطعة ولا نعول كثيرا في مواجهتنا للإرهاب والفساد على بلدان “صديقة وشقيقة” تدافع عن الإرهاب وتموله وتشجع على الفساد وتحمي مقترفيه!
لقد سقطنا في هذا الخطإ الجسيم ومازالت بعض القوى السياسية مصرة إصرارا كبيرا على التمادي فيه مفضلة تأمين مصالحها على المصالح العليا للوطن. لا بد أن نعتبر من تتالي الأحداث الكارثية، وإعادة تقييم إستراتيجيتنا في مقاومة الإرهاب والفساد إنطلاقا من الحرص على توفير الأمن والإستقرار في بلادنا وتأمين المصالح العليا للوطن.
منظمات ذات مظاهر “خيرية” ومقاصد وأهداف شريرة
يجب إستنفار كل القوى في البلاد لمواجهة الآفتين بكافة أنواعهما المعنوية والمادية والفكرية والإعلامية والدعائية والتبريرية، وهي مواجهة تتطلب مقاربة إستراتيجية شاملة، تبدأ أساسا، من إجتتاث جذورهما وتجفيف منابعهما وتعطيل محاملهما وأبواقهما، في فضاءات التنشئة والتكوين، ومجالات الإعلام والتبليغ والدعاية، وتلك الجمعيات والمنظمات المشبوهة ذات المظاهر “الخيرية” والمقاصد الشريرة، بعيدا عن منطق الثورجيين وٱنتهازية الحقوقجيين وشعارات الشعبويين.
إن أكثر الدول ممارسة للديمقراطية وصيانة لحقوق الإنسان والحريات في العالم كالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما هي أشدها صرامة أمنية وعسكرية وردعية، أما نحن، و بضغط مفضوح وسيء النية من جهات داخلية وخارجية، فنتقاعس في ٱتخاذ الإجراءات اللازمة وتفعيل القانون وتطبيق أحكامه بجدية.
سياسيون يدافعون عن الإرهابيين ويروجون لمقارباتهم
لنتمعن جيدا في تصريحات بعض المسؤولين السياسيين الذين لا يتوانوا في الدفاع عن الإرهابين والفاسدين بأساليب غدت مفضوحة وسنكتشف بيسر حجم الخطر الذي يهددنا في غفلة منا، حتى لا نقول شيئا آخر! إن مثل هذه التصريحات المسمومة وحدها تفتح ملفي الإرهاب والفساد وتبين تنوع آلياتهما وتعددها. هل أصبحت بلادنا مرتعا للخلايا الفاسدة والإرهابية النشيطة والنائمة؟ ثم ما رأي المتاجرين بحقوق الإنسان الذي دأبوا على الدفاع عن الفاسدين والإرهابيين والترويج لأفكارهم.؟
نقولها ونعيد قولها، لا يمكن القضاء على الإرهاب بمواجهة الإرهابيين في الجبال والفيافي فقط، ومحاربة الفاسدين بالقبض على “كبارهم”، بل بمحاصرة ومطاردة المنظرين لمقارباتهم والمبررين لجرائمهم والمستفيدين منهم والمدافعين عنهم، من هنا تبدأ إسترتيجية مقاومتهم.
* كاتب و محلل سياسي.
شارك رأيك