إن الذي حدث في الصين مع وباء الكورونا يمكن أن يحدث في أي بلد آخر في العالم، ونحمد الله تعالى أن البؤرة الأولى كانت في هذه الدولة العتيدة تقنيا وتكنولوجيا، وقد فعلت الصين ما لم تستطع أي دولة في العالم أن تفعله، بينما المسلمون يتحدثون عن العقلب والابتلاء.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
بدأت الصين تتعافى تدريجيا من تفشي فيروس كورونا، وبدأت الدول الأخرى تعاني من آثاره السيئة لا سيما العربية والإسلامية التي روّجت في بداية انتشار هذا الوباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن الله تعالى يعاقب الصين على ما فعلته بالمسلمين الإيغور، وكأننا بمعزل عن عالم الفيروسات الذي يتنقل بسرعة هائلة بين الدول والقارات.
فيروس الكورونا و نظرية العقاب والإبتلاء
واليوم، بعد هيجان فيروس الكورونا و تفشيه السريع في القارات الخمس، سقطت نظرية العقاب وحلت محلها نظرية الابتلاء، فأولئك الذين اعتقدوا أن الله تعالى يعاقب الصين على ما فعلته بالمسلمين الإيغور، أرسل لهم هذا الفيروس جزاء ما فعلوا بهذه الشريحة المغلوبة على أمرها، وماذا الآن بعدما انتشر في 100 دولة في العالم ومنها طبعا العربية والإسلامية، ماذا سيقولون أصحاب هذه النظرية؟ ألم يعلموا أن البلاء إذا نزل عمّ، وأنه لا يخص قوما دون قوم؟ وألم يعلموا أن الله قادر على كل شيء، وكأنهم قد ضمنوا لأنفسهم الجنة وحصّنوها من الفيروسات جميعها؟ ألم يقرؤوا التاريخ جيدا؟ ألم يمرّوا بآيات الابتلاء في القرآن الكريم، التي تبين أنه من سنة الله في الحياة أن يتعرض الإنسان إلى الابتلاء كافرا كان أو مسلما، وربما المسلم يكون أشد ابتلاء من الكافر، وأن العقاب قد يشمل الجميع، بدليل قوله تعالى: “واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة”.
نظرية العقاب، التي رسّخها بعض رواد التواصل الاجتماعي من المسلمين في شرق الأرض وغربها، سقطت مع أول ظهور للفيروس بالدول الإسلامية والعربية، وأصبح كورونا يتجول بين المدن العالمية دون استئذان ولا خوف ولا وجل، بل كان يبسط فراشه بكل قوة على بساط الكرة الأرضية، ويعلن تحدّيه لكل أنواع الإجراءات التي تتخذها الدول في كل مكان، وأصبح الإنسان يهابه بمجرد عطسة أو كحّة أو ارتفاع لدرجة الحرارة، وأصبح الاعتقاد بأن كورونا يميت الإنسان مباشرة، ودخل الوهم والحيرة والخوف والرعب قلوب المسلمين كما دخل قلوب الأعاجم والكافرين، وغيّر مجرى حياتهم من الأعلى إلى الأسفل، فكسدت التجارة وانهارت السياحة وخلت معظم الأماكن السياحية من الزوار وانهار الاقتصاد في معظم البلدان، وتراجعت البورصات وانخفض سعر النفط، هل حدث كل ذلك بسبب ما فعلته الصين بالإيغور المسلمين، أو بسبب ما أحدثته بورما في مسلمي الروهينجا، أو بأسباب أخرى لا نريد أن نعلمها أو نكتبها أو نقرؤها؟
الصين تعطي درسا للعالم في سرعة التفاعل ودقة التنظيم
إن الذي حدث في الصين يمكن أن يحدث في أي بلد آخر في العالم، ونحمد الله تعالى أن البؤرة الأولى كانت في هذه الدولة العتيدة تقنيا وتكنولوجيا، وقد فعلت الصين ما لم تستطع أي دولة في العالم أن تفعله، فلو قرأتم عن إمكانات الصين الضخمة لمواجهة ومكافحة الفيروس لعجبتم، فلم تقتصر على مجرد آلات لقياس الحرارة أو توزيع ألبسة تقي الناس منه، بل فاتت كل دول العالم في استعدادها لمواجهة ما تراه عدوا حقيقيا يفترس مواطنيها الواحد تلو الآخر، فلم تقف مكتوفة الأيدي ولم تقتصر على التوعية سبيلا لمواجهته ولم تأمر مواطنيها بالحجر المنزلي فقط لمدة 14 يوما، ولكنها استحدثت أنظمة ضخمة على كامل ترابها لمواجهته وسخرت إمكاناتها التكنولوجية والتقنية والبشرية واعتبرته حربا بيولوجية من الدرجة الأولى، فقامت بإنشاء مستشفيات كاملة في أيام معدودة، وتابعت مواطنيها ومقيميها بدقة عالية، وأنشأت أنظمة مراقبة ومتابعة للحالة الصحية إلكترونيا، ووفرت سيارات إسعاف ذاتية القيادة وروبوتات تمارس عملها بإتقان لمتابعة الحالات المرضية، كل ذلك يحدث في الصين البؤرة الأولى والبلد الأول الذي تلقى صفعة قوية نتيجة المرض.
دائرة العقاب والابتلاء في بلاد الإسلام والمسلمين
وبمجرد انتشاره في الدول العربية والإسلامية، انتشر الهلع والخوف والرعب رغم إيمانهم بأنه لا يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وبدأت نظرية العقاب تختفي شيئا فشيئا، وأصبح الناس يتحدثون عن نظرية أخرى اسمها الابتلاء، ونسوا أنفسهم أنهم في دائرة العقاب، نتيجة الخذلان والفساد المستشري، وتضييع المقدسات، وانهيار المبادئ والأخلاق، وتكالب الناس على كل وسائل الغش والاحتيال، ودخل الناس في عالم آخر يقوده الكذب والنفاق والرشوة والعار والبعد عن الأخلاق التي رسخها الإسلام، وتمادى الناي في غيّهم حتى أصابهم العمه، ولم يعودوا يأبهون لما يجري في المقدسات من انتهاكات وتدنيسات لأول قِبلة وضعت للناس، وثالث الحرمين التي ذكرها القرآن الكريم، وإليه يشد الرحال، حينئذ نفهم دائرة العقاب والابتلاء ونفرق بينهما في المصطلحات، وندرك أننا مغلوبون على أمرنا دنيا وأخرى، يقودنا الهوى في الدنيا نحو الردى، ونسينا الآخرة واعتبرناها أمرا عاديا سيغفر الله لنا وسيدخلنا الجنة عرّفها لنا، فهو الغفور الرحيم يغفر الذنوب جميعا، رغم زلاتنا وسيئاتنا وعصياننا ونسينا أنه ذو انتقام لكل من يجحد آيات الله ويتمادى في ارتكاب ما يغضب الله، وربما انتشار كورونا كان سببا لتنبيهنا مرة أخرى رغم أنه سبقته مرات ومرات فهل من رادع يرتدع؟
* صحفي محلل و كاتب.
شارك رأيك