تألمت أشد الألم وأنا أنظر إلى صحن الكعبة المشرفة وهو فارغ من الطائفين والركع السجود على شاشة التلفاز في قناة السعودية أمس الجمعة 13 مارس 2020 وكنتُ قد اعتدت على مشاهدة المشهد المهيب طوال سنين عمري.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
إنه مشهد مؤلم حقا أن أرى الكعبة بيت الله الحرام حزين لا ضيوف فيه، وكأننا نعيش عصرا مختلفا عن عصرنا وزمنا غير زمن الإسلام، وحتى زمن الجاهلية كان المشهد لا يتوقف من الطائفين، إلا أن المشهد اليوم أحدث في نفسي حزنا وحسرة وألما، وسألت وتساءلت ما مغزى إغلاق صحن الكعبة؟ هل الفيروس كورونا عالق بصحنها؟ هل كل من يقترب من الكعبة يصيبه مرض؟ أم هو إجراء وقائي اتخذته المملكة العربية السعودية لحماية الناس الذين يزدحمون عليها وقت الحج والعمرة؟
فيروس لا يرى إلا بالمجهر يقضي على أحلام رحلات العمرة والحج
لم أكن أدرك أو بالأحرى أستوعب الحدث الذي أشاهده أمامي، إنه مشهد مختلف تماما عما اعتدنا على مشاهدته، إنه الخيال وليس الحقيقة، هل أتى الزمن الذي نرى فيه الكعبة الشريفة حزينة وخالية من زوارها؟ هل أصابنا الزهايمر والخلل في أبصارنا حتى لم نعد نرى زوار بيت الله الحرام؟ ماهذا الهراء الذي نعيشه اليوم؟ إنه الوهم الذي سيرافقنا؟ كيف يغلق الصحن عن الطائفين حتى لو كان هناك طاعون يضرب مكة؟ وما أقوال العلماء والفقهاء في هذا الامر؟ لماذا هم صامتون؟ لماذا هم لا يتكلمون؟ لماذا هم لا يُفتون؟ تركوا الناس حائرين من الوضع غير واعين أو بالأحرى غير مستوعبين الحدث، كيف بفيروس لا يرى إلا بالمجهر يقضي على أحلامنا برحلات العمرة والحج ربما ويحرمنا من رؤية مشهد الطواف العظيم.
إنه فعلا مشهد مؤلم وحزين، فعلها رجال السياسة الذين يبحثون عن مصالحهم، وتركوا الشعوب في حيرة من أمرهم، عندما يقرر رجال السياسة ولا يرجعون إلى أهل الاختصاص من العلم والفقه والصحة والقانون يكون الأمر فيه شك، ويسأل الآخرون عن مدى إغلاق المساجد أثناء الصلوات المفروضة وصلاة الجمعة ويكتفى بالأذان لإعلام الناس بدخول الوقت، هل هذا غباء أم ماذا؟
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
الناس الذين يصلون ويؤدون صلواتهم في الجوامع والمساجد يعلمون أوقات الصلاة بالدقيقة والثانية وأغلبهم يملكون تقاويم في بيوتهم، ويعرفون تواقيت الصلاة فلا يحتاج إلى أذان، ولكن بهذا الإجراء ربما يثير الأذان شجونهم ويحنون إلى بيت الله ويذهبون ويؤدون الصلاة هناك ويصرون على ذلك ويتحدون القرار الذي في حقيقته غير مبرر، فالمسلم مطالب بحماية نفسه، وحمايتها تقتضي أن يطهّر نفسه وثوبه من النجاسة ومن كل الميكروبات والفيروسات عن طريق تنظيفهما حسب ما قرر الشرع الحنيف ويحاول أن يبتعد عن الأماكن التي تنتشر فيها الفيروسات والأشخاص المصابين فلا يصافحهم ولا يعانقهم ولا يقترب منهم، لأن العدوى شديدة، واذا حدثت عليه بالعلاج الفوري، أما أن توصد أبواب المساجد فذلك شيء مريب وغريب لم يحدث في تاريخ الأمة الإسلامية.
كل بلدان العالم تعاني من الفيروس، وكل بلدان العالم تأثرت بآثاره الاقتصادية وصار وباء عالميا بقرار من منظمة الصحة العالمية ولكن هناك إجراءات وقائية معلومة لا تصل إلى حد إغلاق المساجد وإلغاء صلاتي الجماعة والجمعة، فذلك مؤلم لجميع المسلمين في العالم، فإذا كان المسلمون واعين بحقيقة الفيروس وخطره، عليهم أن يتجنبوه وما أصابهم بعدئذ لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، هذه هي عقيدة المسلم التي ينبغي أن تسود، والله هو الصور وهو النافع، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
ماذا لو عاش هذا الفيروس قدرا كبيرا من الزمان وطال به الأمر سنوات؟
إن الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الإسلامية ومنها تونس من غلق المساجد غير مبررة وخوف أكثر من اللازم، أصابت الناس بالحيرة والقلق وربما أحدثت في أنفسهم تكاسلا عن أداء صلاة الجماعة التي هي فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وبها تحولت الأماكن المكتظة بالناس إلى مدن أشباح وكم سيتواصل هذا الإجراء فيما لو عاش هذا الفيروس قدرا كبيرا من الزمان وطال به الأمر سنوات فكيف ستكون أحوال الناس، وهل سيصبرون على هذه الإجراءات التعسفية في بعضها، ربما سيلتزمون في البداية لكنهم سينتفضون بعدها لأنهم سيختنقون بها وسيرفضون البقاء في بيوتهم دون حركة أو خروج، انتشر الفيروس أم لم ينتشر، وعلى هذا ربما يكون إغلاق المساجد وإلغاء الصلاة فيها إجراء سياسيا بحتا له ما وراءه من إجراءات قد تكون ثقيلة على المسلمين مستقبلا.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك