أدعو من هذا المنبر الدولة و هياكلها إلى الإنكباب على الاشكال الحياتي المتمثل في الصعوبات التي يلقاها الغقراء والمعسرون زمن الأزمات الكبرى، و أقترح أن تتولى التنسيق مع هياكل أطباء القطاع الخاص من عمادة و نقابة لتنظيم عيادات مجانية لفائدة أولائك المعسرين.
بقلم فتحي الهمامي *
من المتعارف عليه أنه عند الحروب أو الجوائح تكون أوضاع الفئات الهشة أشد و أكثر قسوة. و تكون الأكثر تضررا من تبعاتها و من كوارثها. و توصي مبادىء حقوق الإنسان الدولة و يلزمها أيضا القانون الدولي، بأخذ كافة الإحتياطات و الإجراءات الكفيلة بالتخفيف من ألامهم و بوضع الإمكانيات اللازمة للأخذ بأيديهم و حمايتهم.
ففئات مثل الشيوخ والأطفال وفاقدي السند والمهاجرين وفاقدي السكن وذوي الدخل المحدود تعد الأضعف زمن النزاعات المسلحة. وبالمثل وقت الجوائح والأوبئة. نظرا لكونها لا تملك القدرات الجسمانية والنفسية والمادية الكافية لمواجهة الظروف الصعبة أو لحماية نفسها.
و بالتالي يكون من دور الدولة إيلاء عناية أكبر بتلك الفئات و اتخاذ الاجراءات الوقائية والإحتياطية للتقليص من آثار الأزمة عليهم و التخفيف من معاناتهم.
وليس خاف على أحد أن من بين تلك الفئات الهشة التي ستعاني أكثر من وباء الكورونا من حيث رقم الإصابات أو الآثار الصحية و النفسية أو المعيشية هي فئة المعسرين.فهم لا ينفذون بسهولة الى وسائل الوقاية (قناع، مطهر…)، و محبرون على امتطاء وسائل النقل الجماعي، و يضطرون للعمل يوميا، و يلجون إلى الإدارات و المصالح المزدحمة (كنام، ضمان اجتماعي، مستوصفات…)، و يضطرون إلى الحجر الذاتي في بيوت ضيقة.
و الإجراءات الحمائية نفسها، التي تتخذها الدولة (و هي ضرورية) للتوقي من انتشار وباء الكورونا، أو الظروف الإستثنائية بسبب الجائحة. تنعكس بأكثر سلبية على الحياة المعيشية لفئة “الزواولة”.
أذكر هنا مثالا عن ذلك النادل (و الذين يعدون بالألاف) العامل في مقهى أو في حانة أو في مطعم ،الذي يرى دخله الضعيف أصلا يتقلص بسبب إجراء تنقيص مدة العمل.
أو أولائك العمال الذين سرحوا بعد أن أغلقت شركتهم (في صفاقس) بسبب الإشتباه في انتشار الفيروس داخلها…
أو الألاف من “خدامة الحزام” اليوميين العاملين في البناء والطلاء والتزويق وغيره كثير، الذين أضحوا في شبه بطالة بسبب تقلص فرص العمل.
و لعل الأجراء الذي أتخذ بالأمس (مستشفى حبيب بورقيبة صفاقس، مستشفى الطاهر صفر المهدية) بوقف العيادات الخارجية أمام المرضى إلى أجل غير مسمى، وذلك توقيا من الإكتظاظ و التجمعات المواتية لإذاعة الفيروس بين الناس، يثير السؤال حول مآلات محتاجي المساعدة الطبية في هذه الفترة و بعدها. فهل عليهم (مثلا) تحمل ألام المرض إلى حين زوال الكورونا المرعبة؟
إن ما يثير القلق هنا ليس الإجراء في حد ذاته فهو ضروري لحماية الوافدين على المستشفى بالآلاف من احتمال العدوى، و لكن غياب الاجراءات المعوضة او المصاحبة…
إذ علينا أن نسال كيف يمكن لأولئك المفقرون التداوي و قد تخلى المرفق العمومي (تقريبا) عن مهمته (مكرها)؟
و ليس خاف أبدا أن زيارة عيادة طبيب خاص ليست في متناول تلك الطائفة.
أم عليهم – يا ترى – الخضوع إلى الأمراض التي يعانون منها او الطارئة و تقبلها مقابل الإفلات من الكورونا؟
إن على الدولة هنا مسؤولية كبرى لحماية الفئات الهشة في هذه الفترة الموبوءة.
فالإعلان العالمي لحقوق الانسان يحث في المادة 25 على “تأمين الحق في معيشة (الانسان) و وسائل عيشه نتيجة لظروف خارجة عن إرادته”.
و القانون الدولي الانساني (بصفة عامة) أفرد اهتماما خاصا بالفئات الضعيفة زمن النزاعات المسلحة و الأزمات الإستثتائية مطالبا بالذود عنهم و صونهم هم بصفة خاصة.
فإذا كان من حق الدولة وقت الأزمات الاستثنائية وقف ممارسة بعض الحقوق الفردية (حرية التنقل مثلا) للدفاع عن الدولة والمجتمع بأكمله، لا يحق لها في المقابل وقف التمتع بحقوق ترتبط بوجود الانسان، كالحق في الحياة او الحق في الصحة، فهي غير قابلة للتصرف (indérogeable)، و ضرورية (intangible).
لهذا أدعو من هذا المنبر الدولة و هياكلها إلى الإنكباب على هذا الاشكال الحياتي، و أقترح أن تتولى التنسيق مع هياكل أطباء القطاع الخاص من عمادة و نقابة لتنظيم عيادات مجانية لفائدة أولائك المعسرين.
* ناشط حقوقي و عضو في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
شارك رأيك