لست متشائما، ولكني أبحث عن الحقيقة وعن الأمان. صحيح أننا نواجه تفشي ظاهرة فيروسية مُعدية ولكن يجب أن تظهر لدينا في المقابل جوانب من عزيمة وإصرار الدولة والشعب على التعايش مع هذا الواقع وتسخير كل ما لدينا لخدمة وتيسير الحياة بالبلاد.
بقلم العقيد (م) محسن بن عيسى *
لقد أبلغَنا التاريخ أنّ الأزمات طبيعة ملازمة للحياة، وهي جزء منا ونحن جزء منها وأنّ اعترافنا بمُستجداتها يتطلب أن نكون أكثر حضورا في وعينا وفكرنا وإداراتنا حتى نؤثّر في مُجرياتها ونتجنّب مخاطرها ونستفيد من تجربة التعامل معها.
الواقع يجري على غير ما نشتهي
لقد شكّلت الأزمات بأنواعها معالم الطريق التي غيرت من خلاله الانسانية وشيّدت حضارتها. لا يجوز لنا على أيّة حال أن ننكر ما لهياكل الدولة من دور فاعل في هذه المواجهة وخاصة المؤسسات الصحية، ولكنّ اعترافنا بهذا لا يمنعنا من الدعوة للوقوف على مواطن الضّعف في كامل منظوماتنا.
ليس هدفي في هذا المقال النظر الى الوراء، ولكن أعتقد أنه آن الأوان لرصد عوامل ضعف في تشكيل وجدان الشعب والرأي العام وأخطائنا التي ارتكبناها في إدارة الشأن العام وأن نتحمل المسؤولية التي يلقيها التاريخ على أكتافنا في هذه المرحلة.
لا شك أنّنا نفتقر إلى بُنى تحتية من خطط إستراتيجية وإمكانيات مادية وبشرية تستوجب التدارك، لذلك وجب تثمين مبادرات كل الجهات التي تقدمت بالدعم المادي لوزارة الصحة في هذا الظرف بالذات. لقد أهدرنا موارد مالية هامة في المهاترات السياسية والاستعراضات الحزبية على حساب القطاعات الحيوية والإستراتيجية بالبلاد.
ماذا نفعل الآن ؟
لقد وضع الفكر الاداري والاستراتيجي أساسيات التعامل مع مثل هذه الأزمات وفي مقدمتها المواجهة بالإمكانيات المتاحة لتحقيق أفضل النتائج الممكنة مع التشخيص السليم للواقع الوطني فهو مفتاح التعامل مع مقاربات الاستباق ووضعيات رد الفعل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ من أبرز عناصر التشخيص السليم وفرة المعلومات، والمعرفة، والخبرة، والممارسة. هذا فضلا عن معرفة أسباب وبواعث نشوء الظاهرة والعوامل التي ساعدت عليها و كذلك تحديد ما تحتاجه هذه المرحلة استراتيجيات إتصالية و أدوات مساندة، وسيناريوهات أساسية وبديلة.
ليس لي أن أذكّر بالمسؤولية المدنية التي تعود إلى المجتمع المدني في مثل هذه الظروف الصعبة. لقد أدرك المشرع منذ عقود أنّ جهد هياكل الدولة لوحده قد لا يتسنى له في أحيان كثيرة تلبية كافة متطلبات المواجهة. وبعبارة أخرى فان هذه الجهات ما دامت قد اختارت النشاط الاجتماعي فهي ملزمة بتقديم العون وفق ما يقرره القانون وتنص عليه أنظمتها من التزامات وواجبات.
واستنادا لما تقدم فان أسباب القلق التي تبدو محيطة بالمواطن لا يجب أن تنال من الوضع العام الذي لا يتحمل الاضطراب، وعلى الدولة التحكم في كل أوجه الاحتكار والانفلات والضغط على الرأي العام وتنظيم إسهام المجتمع المدني في الاضطلاع بالمساعدة الانسانية عند الاقتضاء.
إنّ الإشكال الذي نعيشه ينحصر في المستوى التطبيقي بمعنى كيفية الانتقال من ما هو نظري وإجرائي إلى حيز التجربة والتنفيذ. فالممارسة العملية لازالت تفرز تناقضات آمل لا تزيد من تعميق الفجوة الحاصلة بين الدولة والمجتمع ككل.
نسأل الله العافية والسلامة للجميع والمناعة لتونس الوطن العزيز.
* ضابط متقاعد في الحرس الوطني.
شارك رأيك