تسارعت الأحداث خلال الأيام الأخيرة على إيقاع تفشي وباء كورونا وعجز أقوى دول العالم على التصدي له ودخول المسؤولين التونسيين في متاهات “صراع الصلاحيات”، وتبادل التهم وتفاقم خطير للأزمات الإقتصادية والإجتماعية بالخصوص وأخطاء فادحة لحكومة تعاقدت مع الإرتباك فبدا وكأن الساحة قد سقطت في السريالية واللامعقول وخرجت عن الضوابط والإلتزامات وأضاعت البوصلة تماما.
بقام مصطفى عطية
أعضائه في مستنقعات الحسابات الضيقة التي لا تخضع لأي منطق ، في سابقة تنتهك قيم الديمقراطية وتؤكد الإنحدار الأخلاقي لطبقة سياسية مفلسة !!!
نحن الذين إنتخبناهم وعلينا يقع اللوم
يقول الزعيم البريطاني وانستون تشرشل :”إذا أردت أن تعرف حقيقة أي شعب في العالم فٱنظر إلى برلمانه ومن يمثله فيه، وبعدها سوف تعرف أي الشعوب يستحق أن يرمى بالورود وأيها يستحق الضرب بالأحذية ” !!!
تذكرت هذه القولة البليغة والمعبرة وأنا أعاين، مشدوها ككل التونسيين، صمت النواب المخجل تجاه ما يعيشه الشعب من هلع وٱرتباك وشكوك بسب تفشي الوباء وقلة ذات اليد.
كان المشهد غرائبيا فعلق أحد المدونين في موقع للتواصل الإجتماعي على هذه المهزلة بالقول: “لا لوم على النواب ولكن اللوم على الشعب الذي إختارهم ولن يختارهم مستقبلا”! …هكذا بكل قساوة وحرقة، فقد بلغ السيل الزبى.
لا أحد يعرف إلى أين نسير ! كل شيء غامض في بلاد فقدت بوصلتها وأضاعت، تبعا لذلك، طريقها فحل التجذيف بالرؤية محل التخطيط والإستشراف! لقد أقصينا كفاءاتنا وجمدناها وعطلناها وفرضنا فراغا رهيبا فحتى “صندوق مجابهة الكوارث” الذي بعثه النظام السابق نهبوه ولم يكتفوا بذلك فأصدروا قانونا بإلغائه ! تصوروا دولة بدون “صندوق مجاپهة الكوارث” لقد دفعهم الحقد الأعمى إلى إلغائه لأنه من إنجازات النظام السابق كما ألغوا “جهاز أمن الدولة” و “وكالة” الإتصال الخارجي” و “المجلس الإقتصادي والإجتماعي”.
نتائج سياسات الإنتقام والإقصاء
أمام هذا الفراغ الرهيب سعت بعض النخب الواعية إلى الدفع نحو إجراء استفتاء على تغيير نظام الحكم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد تدهور الأوضاع بشكل سريع في أغلب المجالات إن لم نقل كلها. وقد شهدت الأيام الأخيرة إتساعا ملحوظا في مساحة الجدال حول هذه المسألة وٱنخفضت، نسبيا، أصوات معارضيها بعد أن فقدوا الحجة وعجزوا عن إقناع المواطنين الذين إندرجوا بأغلبية مطلقة في سياق المطالبة بوضع آليات تشريعية ودستورية جديدة للخروج من المأزق، خاصة وأن الأوضاع الإقليمية والدولية قد تغيرت بشكل كبير عما كانت عليه منذ عشر سنوات فأوروبا تهتز على إيقاع الخلافات الحادة بين أقطارها وقد عجزت، وهي القوة الإقتصادية والعلمية، على حماية شعوبها من الوباء، كذلك الشأن بالنسبة لأمريكا التي تسير في طريق عزلة دولية بسبب شطحات ترومب كما أن الحلف الداعم للإسلام السياسي في الخليج والشرق الأوسط بدأ في التفكك.
إن إبقاء الحالة في تونس على ما هي عليه من هشاشة وٱرتباك وتجذيف بالرؤية هو محاولة يائسة لتأجيل الأزمة وربح بعض الوقت في انتظار مرور العاصفة التي لا يعرف أحد كم ستدوم ! وهو سلوك يفتقر للمنطق والموضوعية والواقعية ويدفع بالبلاد نحو المجهول.
من المؤسف أن الأحزاب السياسية، سواء الموالية للسلطة الحاكمة أوالمعارضة لها، غارقة في مستنقعات صراعات النفوذ والزعامات وغير عابئة بما يحدث في البلاد وخارجها بل هي في الحقيقة غير واعية بها وبمخاطرها.
إعتقد التونسيون، في لحظة أمل وتفاؤل عابرة، أن تشكيل حكومة جديدة بمشاركة ودعم المنظمات الوطنية الكبرى كالإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سيمكن من حل العديد من القضايا الهامة والأساسية ومنها بالخصوص ترميم هيبة الدولة واسترجاعها لنفوذها المعنوي والتنفيذي وإقرار مصالحة وطنية شاملة وإنهاء حالات الإقصاء والتهميش وإعادة الكفاءات الوطنية إلى مواقعها الطبيعية، ووضع حد نهائي لكل مظاهر الفوضى والتسيب والإنفلات ولكن دون جدوى.
الفشل يعني الإنهيار وسقوط الدولة
إن حل هذه المسائل الكبرى جذريا في إطار توافق سياسي واسع وٱستنادا للقوانين وأحكام الدستور هو السبيل الوحيد لدعم الإستقرار وإجراء إصلاحات جوهرية، وٱتخاذ قرارات شجاعة، وبالتالي طمأنة التونسيين بأن لهم دولة ترعاهم وتحميهم من الكوارث والآفات والأوبئة وتتصدى لكل ما من شأنه أن يمس من استقرارها وأمنها القومي ومصالحها وسيادتها، لكن لا شيء من كل هذا تحقق أو ظهرت مؤشرات عن إمكانية تحقيقه مما عمق الشعور بالإحباط لدى المواطنين وجاء وباء كورونا ليزيد التونسيين إحباطا على إحباط.
لا خيار أمامنا اليوم إلا تجنب إضاعة المزيد من الوقت في الصراعات السياسية، فالفشل يعني الإنهيار الكارثي والعودة إلى مربع الفوضى والإنفلات وغياب سلطة ونفوذ الدولة.
قد تكون الإختلافات عميقة جدا والهوة بين الأحزاب والتيارات السياسية والمنظمات الإجتماعية واسعة، ولكن الواجب الوطني يحتم على الجميع تجاوز هذه الخلافات وتجسير الهوة للخروج من المأزق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وكفى سياسيي هذا الزمن الرديء “تحرشا” بالشعب !
شارك رأيك