و لئن صادق مجلس النواب على المبادرة التشريعية التي اقترحتها الحكومة والمتعلقة بالتفويض إلى رئيس الحومة في لإصدار مراسيم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور، يبقى رئيس الجمهورية في ظل غياب محكمة دستورية، طبقا للفصل 72 من الدستور، الساهر على احترام الدستور الضامن للتوازن الدستوري بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية و السلطة القضائية.
بقلم وليد البلطي *
نظرا للظرف الاستثنائي التي تمر بها البلاد في مجابهة انتشار فيروس الكوفيد 19 و الحد من تداعياته الاقتصادية و الاجتماعية، قام السيد رئيس الحكومة يوم 25 مارس 2020 بتقديم مشروع قانون، حتى يخول له الحق لإصدار مراسيم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور و التي جاء نصها على النحو التالي: “يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون لمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين ولغرض معين إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تُعرَض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس”.
و بالإطلاع على وثيقة شرح الأسباب، تريد رئاسة الحكومة من خلال تفويض بعض الصلاحيات المناطة بعهدة السلطة التشريعية في بعض المجالات طبقا للفصل 65 من الدستور، ضمان تجاوب السلطة التنفيذية لكل الحالات التي يمكن أن تطرح خلال الأيام القادمة دون المرور على أنظار مجلس النواب، والتي تستوجب اصدار مراسيم في الغرض.
و بالرغم من حرص العديد من الكتل النيابية، على وجاهة مشروع القانون المقترح من الناحية المبدئية، غير أنه يطرح عدة إشكالات دستورية، تستوجب الوقوف عليها و ذلك في غياب المحكمة الدستورية وهي التالية:
أ- حول وجاهة اختيار مجالات و استثناء البعض الأخر من قبل رئاسة الحكومة
نص الفصل الثاني من مقترح مشروع القانون، على فرضية إصدار رئيس الحكومة لبعض المراسيم في المجالات التالية للتصدي للانتشار الفيروسي وهي:
– إحداث أصناف المؤسسات والمنشآت العمومية والإجراءات المنظمة للتفويت فيها،
– الإلتزامات المدنية والتجارية،
– الإجراءات أمام مختلف أصناف المحاكم،
– ضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة للحرية،
– العفو العام،
– ضبط قاعدة الأداءات والمساهمات ونسبها وإجراءات استخلاصها،
– القروض والتعهدات المالية للدولة،
– الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين،
– تنظيم المصادقة على المعاهدات،
– قوانين المالية وغلق الميزانية والمصادقة على مخططات التنمية،
– المبادئ الأساسية لنظام الملكية والحقوق العينية والتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة العمومية والبيئة والتهيئة الترابية والعمرانية والطاقة وقانون الشغل والضمان الاجتماعي.
– الموافقة على المعاهدات،
– تنظيم العدالة والقضاء،
– الحريات وحقوق الإنسان،
– الواجبات الأساسية للمواطنة.
و بالتدقيق في مجالات التفويض، قامت الحكومة ضمن الفصل 2 من مشروع القانون بالتنصيص على مجالات تنظم بقوانين أساسية و قوانين عادية، تاركة الى السلطة التشريعية أحقية التداول و إصدار قوانين عادية و أساسية طبقا لما نصت عليه أحكام الفصل 65 من الدستور في المجالات التالية و التي لم يشملها التفويض وهي:
– الجنسية،
– نظام إصدار العملة،
– التصريح بالمكاسب،
– تنظيم المصادقة على المعاهدات،
– تنظيم الإعلام والصحافة والنشر،
– تنظيم الأحزاب والنقابات والجمعيات والمنظمات والهيئات المهنية وتمويلها،
– تنظيم الجيش الوطني،
– تنظيم قوات الأمن الداخلي والديوانية،
– القانون الانتخابي،
– التمديد في مدة مجلس نواب الشعب وفق أحكام الفصل 56،
– التمديد في المدة الرئاسية وفق أحكام الفصل 75،
– الأحوال الشخصية،
– السلطة المحلية،
– تنظيم الهيئات الدستورية،
– القانون الأساسي للميزانية.
وفي هذا الصدد، حري بنا ان نتساءل عن علاقة المجالات التي يريد رئيس الحكومة أن يصدر في شأنها مراسيم للتصدي لفيروس كورونا، خاصة أن المجال المتعلق بإحداث أصناف المؤسسات والمنشآت العمومية والإجراءات المنظمة للتفويت فيها، يمكن أن يطرح إشكالا مع الإتحاد العام التونسي للشغل في ظل الرغبة غير المعلنة في التفويت في عدة مؤسسات عمومية، و بالنسبة للمجالات التي تتعلق بضبط الأداء و سن طرق الاستخلاص وقوانين المالية و الملكية، من شأنها أن تطرح إشكاليات مع منظمة الأعراف، و يبقى مجال العفو العام، لا شرعية له من حيث المبدأ في مقاومة فيروس كورونا.
ب- حول مخالفة مبدأ من مبادئ القانون العام
على إثر الاطلاع على تقارير اللجان المختصة و المعينة بصياغة دستور 2014 صلب المجلس التأسيسي، يتضح ان الفقرة الثانية من الفصل 70 للدستور، قد تمت صياغتها على أساس القاعدة القانونية المنصوص عليها بالفصل 533 من مجلة الالتزامات و العقود “إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها” و أصل هذه القاعدة هي المادة 64 من مجلة الأحكام العدلية التي جاء بها: “المطلق يجري إطلاقه ما لم يقم دليل التقيد نصا أو دلالة”، أما لغة فالمقصود بالمطلق هو اسم مفعول من أطلق، و مادة الإطلاق تفيد التخلية من وثاق.
وحيث تبعا لما سبق و استئناسا بقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 02/2015 بتاريخ 8 جوان 2015، فإن التنصيص بمشروع القانون على بعض المجالات و إستثناء البعض، كما ورد بديباجة الفصل الثاني من مشروع القانون 30 لسنة 2020، مطعون فيه بعدم دستوريته لمخالفته القواعد العامة للقانون، فالأصل في الشيء هو التفويض لإصدار المراسيم في كل مجالات تدخل السلطة التشريعية والمنصوص عليها بالفصل 65 من الدستور.
ج- البرلمان في انعقاد دائم و لا يجوز معه تفويض جزء من صلاحيات السلطة التشرعية
قرر مكتب مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 15 مارس 2020 على إبقاء مكتب المجلس بحالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الأوضاع بالبلاد، كما يتضح بعد الاطلاع على توطئة الأمر الرئاسي 28 لسنة 2020، و بإعلان رئيس الجمهورية من خلال بيان للشعب واتخاذ تدابير استثنائية، يبدو ان الفصل 80 من الدستور قد تم تفعيله، و الذي يستوجب معه طبقا للنص الدستوري أن يكون مجلس النواب في حالة انعقاد دائم، مما يجعل مبادرة التي قام بها رئيس الحكومة طبقا للفصل 62 من الدستور، معتلة دستوريا.
وفي الختام، و لئن صادق مجلس النواب على المبادرة التشريعية التي اقترحتها الحكومة والمتعلقة بالتفويض إلى رئيس الحومة في لإصدار مراسيم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور، يبقى رئيس الجمهورية في ظل غياب محكمة دستورية طبقا للفصل 72 من الدستور، الساهر على احترام الدستور الضامن للتوازن الدستوري بين السلطة التشرعية والسلطة التنفيذية و السلطة القضائية.
* خبير قانوني.
شارك رأيك