نظّمت الجمعية التونسية للمراقبين العموميين يوم الإربعاء 9 أفريل 2020 بالتعاون مع منظمة فردريش نومان من أجل الحرية مكتب تونس حلقة نقاش عبر الأنترنات بعنوان: “السلطة المحليّة في زمن الكورونا أو كيف تتحوّل الأزمات إلى فرص؟”.
ممّا لا شك فيه أنّ هذه الجائحة تمثّل اختبارا جديّا لكافة أجهزة الدولة في التعامل معها وتطويقها ومحاولة التقليص من آثارها ومن الخسائر الناجمة عنها.
وتخوض البلديات هذه الحرب بإمكانية مادية ضعيفة إضافة إلى عدم جاهزيتها لمواجهة مثل هذه الأزمة الصحيّة التّي عجزت قوى عالمية عظمى على تطويقها والتحكم فيها.
وتمثّل هذه التجربة بالنسبة للبلديات خاصة منها البلديات المحدثة تمرينا صعبا واختبارا جديا لقدرتها على التصرف في الأزمة واتخاذ القرارات اللازمة وإنفاذ القوانين.
هذه الأسئلة وغيرها مثّلت موضوع حلقة النقاش وقد شارك في إثراء الحوار كل من السيد معتز القرقوري (أستاذ القانون الدستوري بكليّة الحقوق بصفاقس) – السيد أحمد قيدارة (خبير في الحوكمة المحليّة) – السيد معزّ الوسلاتي (رئيس بلدية قعفور) – السيد نبيل رقيق (كاهية مدير بصندوق القروض ومساعدة الجماعات المحليّة) – السيدة مها معلول (كاتب عام بلدية المطوية) والسيدة أسماء سلايمية عن منظّمة البوصلة.
طبيعة العلاقة بين السلطة المحلية والسلطة المركزية
انطلقت حلقة النقاش بالتساؤل حول طبيعة العلاقة بين السلطة المحلية والسلطة المركزية وحدودها لتخلص في النهاية إلى اعتبار تدخل البلديات في إدارة هذه الأزمة واجبا وحقا مع التأكيد على شرعية تدخل الهيئات اللامركزية في هذه الأزمة وقد استدل كافة المتدخلين على ذلك بما كرّسه الدستور التونسي وما تضمنته مجلّة الجماعات المحلية من مبادئ في هذا الإطار.
وإجمالا تمّ التعرض للنقاط التالية: ·تستمد البلديات شرعية تدخلها وإدارتها لهذه الأزمة على المستوى المحلّي إنطلاقا من الدستور ومجلة الجماعات المحلية الذّين أقرّا استقلالية الجماعات المحليّة من خلال تكريس مبدأ التدبير الحرّ مع ما يستتبع ذلك من كون البلديات مدعوّة بحكم القانون لإدارة المصالح المحلية تحت أيّ ظرف كان.
يتمتّع رئيس البلدية بصلاحيات في مجال الضبط الإداري وهو مكلّف بالتراتيب البلدية ولا يحتاج في ذلك لعرض القرارات على مداولة المجلس البلدي واختصاصه في هذه المادّة هو اختصاص ذاتي وأصلي يرمي إلى “تحقيق الراحة والصحة العامّة والمحافظة على إطار عيش سليم” من خلال العديد من الإجراءات الضبطية التّي تشمل “كل ما من شأنه أن يمكّن من تلافي الحوادث واﻵفات والكوارث بشتى الوسائل الملائمة وتدارك أمرها بالقيام باﻹسعافات اللازمة كالحرائق والفيضانات والكوارث واﻷوبئة واﻷمراض المعدية” …
لا يجب أن تتعارض السلطة الترتيبية لرئيس البلدية مع السلطة الترتيبية على المستوى الوطني هذا بالإضافة إلى ضرورة مراعاة مبدأ التناسب من قبل رؤساء البلديات عند اتخاذ القرارات حتّى لا يقع المسّ من جوهر الحقوق والحريّات على غرار الحدّ من حريّة التّنقل.
الطابع الاستباقي لتدخلات البلديات لمجابهة أزمة الكورونا
سجّل مختلف المشاركون الطابع الاستباقي الذّي اتسمت به تدخلات البلديات لمجابهة هذه الأزمة باعتبارها الخطّ الأوّل والأكثر قربا من المواطنين رغم ضعف إمكانياتها الماديّة وهو ما أكّده كل من السيدة مها معلول كاتب عام بلدية المطوية والسيدة أسماء سلايمية عن منظمة البوصلة والسيد معزّ الوسلاتي رئيس بلدية قعفور والذّين شدّدوا على كون البلديات تخوض اليوم معركة حقيقية ضدّ عدو خفّي ولا تملك الحقّ في الانسحاب أو الاستسلام وأنّ مسؤولية رئيس البلدية هي حماية الأرواح بدرجة أولى في مثل هذا الظرف الاستثنائي. وقد أشارت ممثلة منظّمة البوصلة إلى ضرورة إحكام تنسيق الجهود بين مختلف هياكل الدولة وتفادي كل مظاهر عدم الانسجام وتشتّت القرار بين السلط العمومية على اختلاف مستوياتها .
بدوره قام صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية في إطار توفير دعم مالي استثنائي للبلديات قصد مساعدتها على التوقي من انتشار الفيروس ومواصلة اتخاذ التدابير الضرورية لحماية متساكنيها وأعوانها وخاصّة المكلّفين منهم بتأمين خدمات النّظافة حيث تمّ رصد وتحويل دعم مالي قدره 2،4 مليون دينار بحساب 100 ألف دينار لكلّ مجلس جهوي يخصّص لمعاضدة التدخلات المسجلة التّي تؤمنها البلديات في إطار الترفيع في التدابير الوقائية لمجابهة انتشار الفيروس وهوما أشار إليه السيد نبيل رقيق ممثل صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية والذّي أكّد على انّه ولحدّ هذا التاريخ لا وجود لتدابير استثنائية خاصة في علاقة بإنجاز البرنامج السنوي للاستثمار.
وقعت الإشارة إلى أنّ مختلف المناشير الصادرة في إطار مجابهة تداعيات فيروس كورونا واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمكافحته صدرت بصفة لاحقة بغرض تأطير مختلف التدخلات والمبادرات التّي قامت بها البلديات ومن أجل التنسيق بين الأطراف المتدخلة ( منشور رئيس الحكومة المذكور أعلاه ومناشير وزير الشؤون المحلية)
رافق المجتمع المدني المحلّي البلديات في مجهوداتها الرامية إلى اتخاذ التدابير والإجراءات في إطار الوقاية من خطر تفشّي فيروس “كورونا” المستجدّ.
المرحلة لا تتحمّل الصراع والمغالبة بين السلطة المركزية والجهوية والمحلية
يعدّ إعمال هذه الأحكام القانونية خير ضامن لحقّ البلديات في إدارة هذه الأزمة على المستوى المحلي رغم ما أثارته هذه المسألة من أخذ وردّ بين السلطة المركزية والسلطة المحليّة وهو جدل غذّاه صدور منشور السيد رئيس الحكومة عدد 09 مؤرخ في 25 مارس 2020. والذّي دعا فيه مختلف الوزراء وكتّاب الدولة ورؤساء البلديات والمؤسسات والمنشآت العمومية إلى ضرورة التنسيق مع سلطة الإشراف قبل اتخاذ التدابير والإجراءات في مواجهة الفيروس حيث ورد بالمنشور العديد من المفاهيم والمصطلحات التّي لم تعد متلائمة مع الواقع الجديد للسلطة المحلية على غرار اعتماد عبارة سلطة الإشراف للدلالة على وزارة الشؤون المحليّة أوعبارة “ضرورة مراجعة سلطة الإشراف وجوبا وبصفة مسبقة… وقد اعتبر بعض المشاركين أنّ المقتضيات التّي أكّد عليها هذا النصّ تدلّ على الارتباك في التعامل مع السلطة وهو ارتباك وإن وجد فيجب تجاوزه في المرحلة الراهنة التّي لا تتحمّل الصراع والمغالبة بين السلطة المركزية والجهوية والمحلية.
وضعت جائحة كورونا مختلف هياكل الدولة أمام امتحان كبير وقد اعتبرت ممثلة منظمة البوصلة أنّ هذه الأزمة تمثّل فرصة حقيقيّة لإعادة تصوّر دور السلطة اللامحورية ولإعطاء دفع معنوي في اتجاه استكمال إرساء مسار اللامركزية مِؤكدة من جانبها على أنّها من الضار النافع حيث يمكن تحويل هذه الجائحة مع ما استتبعها من خسائر إلى فرصة لإعادة بناء الثقة بين السلطة المحليّة والمواطنين.
شارك رأيك