أصدر حزب العمال اليوم السبت 11 أفريل 2020 بيانا بعنوان “نـــداء إلى الشعب” يدعو فيه التونسيين والتونسيات إلى الإنضباط لأن في الإنضباط حياة في إشارة إلى ضرورة احترام إجراءات الحجر الصحي، كما يطالب الحكومة بتأمين الصحة والغذاء للمواطنين. و في ما يلي نص النداء…
أيّتها التونسيات،
أيها التونسيون،
تُواجه بلادنا، كسائر بلدان العالم، وضعا غير مسبوق ناجما عن تفشّي وباء جديد، خطير وفتّاك. وهو يهدّد أساسا الطبقات والفئات الاجتماعية الأقلّ حماية والأكثر هشاشة، اقتصاديّا واجتماعيا وصحّيا ونفسيّا. وقد أدّى هذا الوباء إلى إصابة المئات ووفاة العشرات ووضع الآلاف تحت الحجر الصحي الذاتي. وهي أعداد مرشحة للارتفاع بشكل مخيف في الأيام القادمة.
ورغم إعلان الحكومة، بعد فترة من التردد والحسابات الضيقة، الحجر الصحي الشامل بداية من تاريخ 22 مارس الماضي، فإن انتشار الوباء لم يتراجع مما ينبئ بأيام صعبة خاصة مع اهتراء المنظومة الصحية العمومية نتيجة عقود من التدمير الممنهج. لقد حذّر الأطبّاء من إمكانية أن نرى المصابين يموتون أمام المستشفيات دون أن تكون لها القدرة على إيوائهم وعلاجهم.
إن أحد أهم أسباب هذا الوضع هو عدم الالتزام بالحجر الصحي العام سواء لكثرة الاستثناءات التي تمنح بسخاء من بعض الوزارات أو للضغط الذي يمارسه عدد من الأعراف على العمال كي يعودوا إلى العمل أو للفوضى التي ترافق توزيع المساعدات الاجتماعية، أمام مراكز البريد أو لعدم تقيد العديد من المواطنين بالحجر الصحي اضطرارا للخروج للارتزاق، أو استهتار او عدم وعي يُغذّيه التفاؤل غير المبرر علميا وطبيا لبعض مسؤولي الدولة.
وما من شك في أن تكلفة أي استهتار بفيروس “الكورونا” ستكون باهظة بشريا ومعنويا وأخلاقيا. وإلى ذلك فإنّ الحديث في مثل هذه الحال عن تخفيف الحجر الصحي غير مقبول وليس في محله. وهو ما نبّهت إليه المنظمة العالمية للصحة، داعية إلى “عدم التخلي عن الإجراءات قبل الأوان حتى لا تحدث انتكاسة مجددا” (بيان الثلاثاء 7 أفريل 2020) خاصة أننا في بلادنا لم نبلغ بعد ذروة الوباء.
إن رفع الحجر الصحي أو تخفيفه ينبغي أن يصدر عن هيئة علمية متعددة الاختصاصات ولا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن يكون لاعتبارات اقتصادية ومالية بحتة وتهرب الدولة من مسؤوليتها في تأمين معيشة كافة المحتاجين في هذا الظرف أو تحت ضغط بعض أصحاب المؤسسات الذين لا يفكرون إلا في الربح، أو تماهيا مع مقاربات أجنبية (فرنسا خاصة) فاشلة. إن الحجر الصحي التام والصارم يبقى الإجراء الوقائي الأوّل الذي من شأنه أن يخفف عن شعبنا مصاب الوباء. وإن كنا نتفهم دوافع الخروج للشارع إما بسبب الحاجة أو بسبب تردّي ظروف السكن فإننا لا نرى في الخروج الحل الأمثل لمواجهة هذه الدوافع بل إن هذا السلوك يعطي الحكومة ذريعة لتحميلكم مسؤولية فشل اختياراتها الخاطئة في مواجهة الوباء ومجازفتها بصحتكم.
إن حزب العمال يدعوكم، أيتها المواطنات، أيها المواطنون، إلى الالتزام بالحجر الصحي التام. إن الانضباط اليوم يساوي الحياة. ونحن إلى جانبكم من أجل دعوة الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها في هذا الظرف من أجل:
– التكفل بصرف أجور كل العاملين موظفين وعمالا من كل الأصناف.
– التكفل بتمكين الذين ليس لهم دخل من منحة قارة إلى غاية رفع حالة الحجر مع إيصال مستحقاتهم إليه مباشرة دون تعريضهم وتعريض غيرهم للعدوى.
– التكفل بتمكين الجميع من المواد الصحية والوقائية اللازمة مجانا (سوائل معقمة، كمامات، قفازات الخ…).
– تكثيف الاختبارات (التحاليل) بما يسمح بمعرفة تقريبية لدرجة انتشار الوباء لمحاصرته والحدّ من أضراره.
– تعقيم الفضاءات العامة.
– إعلان مجمل القطاع الصحي الخاص (مصحات، مخابر، شركات أدوية الخ…) مرفقا تحت إشراف الدولة طيلة فترة الوباء.
– إعلان جهتي سليانة وجندوبة منطقتين مغلقتين لاجتناب تسرب العدوى لهما.
– إلزام أصحاب المؤسسات بصرف أجور عمالهم واتخاذ الإجراءات الضرورية ضد كلّ أشكال الضّغط عليهم.
أيتها التونسيات،
أيها التونسيون،
ما من شك في أن تلبية الحاجات الأساسية، الصحّية والغذائية، لعامّة الشعب تتطلب اعتمادات مالية كبيرة. ولكن منظومة الحكم التونسية، رئاسة وبرلمانا وحكومة، عوض اتخاذ الإجراءات الجدية التي يفرضها الوضع الاستثنائي لتوفير هذه الاعتمادات، نراها تعول على “تبرعات أهل الخير” وعلى “المساعدات” والقروض الأجنبية. وهي طرقٌ بيّنت إلى حدّ الآن عجزها عن توفير الحد الأدنى المطلوب. وإزاء هذا الوضع قدّم حزبنا خطة متكاملة، محورها الإنسان التونسي، وهي قادرة على إنقاذ شعبنا من الوضع الذي هو فيه. ومن النقاط الأساسية التي تنبني عليها هذه الخطة:
أولا: وقف تسديد الديون لهذا العام كإجراء وقتي أدنى وهو ما سيوفر للدولة حوالي ربع الميزانية (11.700 مليار مليم). وهذا الإجراء ليس بدعة وإنما تتخذه الدول في الظروف الاستثنائية. وقد اتخذته الأرجنتين أخيرا حين قررت، من جانب واحد، توقيف تسديد خدمة دينها لعامي 2020 و2021 لتوفر الاعتمادات الضرورية لمواجهة الوباء. كما أنّ حراكا كاملا يجري في أمريكا اللاتينية من أجل دفع الأمم المتحدة لاتخاذ قرار بإلغاء ديون هذه المنطقة. ولا يوجد أي مبرر لكي لا تتخذ الحكومة التونسية قرارا بوقف تسديد خدمة الدين لحماية شعبنا من الموت. إن مبلغ خدمة الدين لا يمثل شيئا ذا بال بالنسبة للدائنين والمؤكد أنهم لن يموتوا إذا تأجل تسديده أو حتى إذا ألغي بينما هو قادر على إنقاذ الشعب التونسي من الموت في مثل هذا الظرف. ونُحمّل رئيس الدولة بصفته رئيس الديبلوماسية التونسية والديبلوماسية الاقتصادية مسؤولية إطلاق حملة ضغط على المؤسسات والدول المانحة في اتجاه وقف تسديد الديون.
ثانيا: مطالبة الشركات الأجنبية المنتصبة (بنوك، شركات الاتصالات، مصانع الإسمنت، شركات التأمين…) في تونس بتعليق تحويل مرابيحها لسنة 2019 إلى الخارج وإبقائها في تونس، وهو ما سيوفّر للبلاد حوالي 3500 مليار مليم. إنّ هذا المبلغ مضاف إلى المبلغ الأوّل يمكن أن يوفّر للبلاد حوالي 15000 مليار مليم ممّا يسمح بمواجهة الأزمة وعدم اللجوء إلى التداين هذه السنة وفق ما هو مبرمج في الميزانية.
ثالثا: فرض ضريبة استثنائية (ضريبة الكورونا) على الثروات الكبرى وعلى الشركات الكبيرة التي تحقّق أرباحا مؤكّدة (البنوك وشركات التأمين، الفضاءات التجارية الكبرى، الشركات البترولية، شركات الاتصال …) مع العلم أن هذه الشركات غنمت طوال عقود من الامتيازات والتسهيلات التي وفرتها لها الدولة من جيوب دافعي الضرائب. إنّ نقص الأرباح يمكن أن يُعوّض بعد مدّة، لكنّ من يموت لا يعوّض ولا يعود بالمرة إلى الحياة.
رابعا: ترشيد التوريد بشكل صارم وحصره أساسا في المرحلة الحالية في الحاجات الضرورية كالغذاء والمستلزمات الصحية ومستلزمات تشغيل المؤسسات والطاقة والفلاحة. وهو ما سيوفّر للبلاد مبالغ مهمّة من العملة الصعبة ويخفّف من عجز الميزان التجاري المتفاقم.
خامسا: إمهال أباطرة وبارونات الاقتصاد الموازي والتهريب أجلا محدودا للشروع في الدخول للاقتصاد المنظم والبدء مباشرة في تغيير الأوراق النقدية لإجبارهم على إيداع المبالغ الضخمة التي يتصرفون فيها خارج المسالك العادية بالبنوك مع طمأنتهم بأنهم لن يتعرضوا للإيذاء أو المحاكمات أو المصادرة أو الابتزاز في حال الالتزام بهذا الأجل.
هذه الإجراءات الأساسية قادرة على مساعدة بلادنا على تلبية حاجات شعبنا الأساسية الصحية والغذائية. كما أنها قادرة على توفير الدعم للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وللفلاحين الصغار والفقراء ولتجنيب بلادنا إثقال كاهلها بقروض جديدة. وإذا تعزّزت هذه الإجراءات بإجراءات أخرى مثل تركيز الإنتاج حاليا على المواد الضرورية الصحية والغذائية ومركزة الدولة لتجارة الجملة وتأمين مسالك التوزيع وإعلان الحرب على الاحتكار والمحتكرين واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنعاش الموسم الفلاحي، فإن بلادنا ستخرج من هذه الأزمة بأخف الأضرار.
أيتها المواطنات،
أيها المواطنون،
إن الإعداد للمستقبل، أي لما بعد “الكورونا”، يبدأ من اليوم من خلال الوعي بالأسباب التي أوصلت بلادنا إلى حالة الوهن التي هي عليها في مواجهة الوباء المستجدّ، ومن خلال الإجراءات المتخذة لتأمين هذه المواجهة. وهو ما ينبغي لشعبنا الانتباه إليه حتى لا يكون هذا الوباء وسيلة للقوى التي حكمت بلادنا خلال السنوات الأخيرة وما تزال تحكمها إلى اليوم للإفلات من المحاسبة أو لتمرير إجراءات معادية للشعب والوطن وتحميل فاتورة الوباء، كالمعتاد، للعمال والكادحين والفقراء والاستمرار في نفس الخيارات المدمرة. إن الوباء لا يلغي المعارضة والنقد ولا يحولهما في هذه الظروف إلى كماليات كما يروج لذلك البعض، فالكل يدافع عن مصالحه على غرار ما سمعناه من رؤساء نقابات الأعراف ومن غيرهم من ممثلي أصحاب رأس المال. وعلى العمال والكادحين والفقراء أن يدافعوا بدورهم عن مصالحهم. ونحن نعتبر أن واقع اليوم يمثل مناسبة هامة لكم، أيتها المواطنات والمواطنون، كي تفهموا لماذا ظل حزب العمال يقول “لا” ويعارض سياسات مختلف الحكومات المتعاقبة رغم تعرّضه المستمرّ للتشويه والشيطنة من أحزاب الحكم والانتهازيين الذين لا نسمع أصواتهم اليوم.
إن أسئلة حارقة ينبغي أن تطرحوها على أنفسكم اليوم كي نحدّد الخطوات الضرورية التي نبني عليها في هذه اللحظة خطة مواجهتنا للكورونا ونعدّ بها لإعادة بناء وطننا على أسس صلبة في مرحلة ما بعد الوباء. وهذه الأسئلة مرتبطة بتردّي خدماتنا العامة واهترائها وخاصة الصحة والتعليم والنقل، وبعجز فلاحتنا عن ضمان أمننا الغذائي وبخراب نسيجنا الصناعي الذي لا يوفّر لنا اليوم احتياجاتنا حتى من أبسط مواد التوقيّ كالسوائل المعقمة والكمامات دون الحديث عن التجهيزات الصحية الأخرى، وبتدهور قيمنا واستشراء الفساد في كافة مستويات الدولة والمجتمع، وببقائنا رهن التبعية للخارج حتى إذا جاء الوباء وجدنا أنفسنا غير مسلحين لمواجهته، وبهشاشة بنيتنا الاجتماعية التي ينخرها الفقر والبطالة والجوع والتفاوت الطبقي الصارخ الخ… وبالطبع فإن الجواب على هذه الأسئلة واضح لمن يريد خدمة الوطن والشعب. إن الخيار الرأسمالي الليبرالي المتوحش والتابع الذي اتبعته مختلف الحكومات قبل الثورة وبعدها هو المسؤول عن كل هذا الدمار الذي لم تنتفع منه سوى أقلية من الأثرياء المحليين والشركات والدول المؤسسات المالية الأجنبية التي تسعى اليوم إلى الاستثمار في المآسي والموت.
إن كل الوقائع تؤكد اليوم فشل هذا الخيار فشلا ذريعا. ولم يكن لوباء الكورونا من دور، سوى مزيد كشف وحشيته وعجزه وتأكيد حاجة شعبنا، إلى خيارات جديدة، وطنية، ديمقراطية، شعبية، اجتماعية، اشتراكية، محورها الإنسان لا الربح الأعمى، خيارات توفر لكافة المواطنات والمواطنين، الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم الذي يقيهم من الجوع والمرض ويمكنهم من تركيز جهودهم على التحكم في مصائرهم وفي الطبيعة لا في تدمير بعضهم البعض وفي تخريب المحيط الذي يعيشون فيه. إن العالم لن يكون كما كان قبل وباء الكورونا. هذا ما يتردد اليوم على ألسنة السياسيين والمفكرين والمثقفين من كل حدب. وإن تونس لن تكون هي أيضا كما كانت قبل الكورونا. ولكن سواء تعلق الأمر بتونس أو بالعالم فإن ما سيكون عليه المستقبل لن يكون بالضرورة إيجابيا. إن قوى الاستغلال والدمار الرأسماليين في بلادنا، كما في العالم أجمع، تخطط لمستقبل أكثر وحشية واستبدادا وعنفا مما كان عليه قبل الكورونا لكي تحافظ على مصالحها الأنانية وتستردّ ما خسرته. وهو ما يدفع ببنات شعبنا وأبنائه إلى العمل من ناحيتهم ليكون مستقبلهم أفضل من ماضيهم ومن حاضرهم. وهو أمر علينا أن نبدأ العمل من أجله منذ هذه اللحظة، دون تأخير ولا تأجيل. إن مواجهة مشكلات الحاضر وتقييم الماضي والنّظر إلى المستقبل لتحديد ملامحه الجديدة، تمثّل ثلاث حلقات مترابطة لا يمكن إسقاط أيّ حلقة منها.
أيتها المواطنات،
أيها المواطنون،
إن حزب العمال سيكون دائما إلى جانبكم، مثلما كان في الماضي، خاصة في الأوقات الصعبة. فحافظوا على حياتكم وحياة بناتكم وأبنائكم بالانضباط وعدم الاستهتار بالحجر الصحي ولا تصغوا إلى الدجالين وإلى خدم رأسمال المال المتوحش حتى لا يكون الشعب هو الذي يدفع دائما الفاتورة. وإننا سنكون صوتكم في مواجهة منظومة الحكم من أجل أن يرتبط الحجر الصحي العام بتوفير الصحة والغذاء للجميع وخاصة لملايين المحتاجين من بنات شعبنا وأبنائه. إن هذا الأمر ممكن من خلال إجراءات جدية وصارمة كالتي ذكرناها لتوفير الاعتمادات. فانضبطوا وطالبوا واضغطوا من أجل تكريس هذه الإجراءات في أرض الواقع. وفي نفس الوقت فكّروا فيما سيكون عليه مستقبل وطننا العزيز حتى لا يعود بنا أعداء الوطن والشعب إلى الوراء.
إن مواجهة ناجعة لوباء الكورونا ممكنة. وإن مستقبلا أفضل لوطننا وشعبنا ممكن. ولكن الأمر يبقى بأيديكم:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ++ فلا بد أن يستجيب القدرْ
ولا بد لليل أن ينجلــــــــي ++ ولا بد للقيد أن ينكســـرْ.
حزب العمال
تونس في 11 أفريل
شارك رأيك